الإعلام و"نجومية" الخاطف والمخطوف
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عبد الوهاب بدرخان
قليلة هي المرات التي يعبر فيها مستهلكو الإعلام، أو المشاهدون، عن استياء من تنافس المحطات على سبقٍ لم يبدُ أنه مستحب ولا مرحب به. حدث ذلك أخيراً في لبنان في سياق عمليات الخطف التي استشعرها المواطنون نذر شؤم يذكرهم بأيام الحرب الأهلية. وفي تلك الأيام لم يكن الإعلام انتشر وانتعش على النحو الراهن، لكن أهداف الخاطفين لم تتغير إذ أن إقدامهم على الجرم هو دعوة إلى مساومة وتبادل.
وما دام الإعلام يستطيع أن يؤدي خدمة في التعجيل بالمساومة، فلا بأس بالانفتاح عليه حتى لو كان الثمن أن يظهر الخاطف بوجهه الصريح على الشاشة، فيدخل كل بيت بما في ذلك بيت المخطوف أو بيوت المخطوفين. سيتعرف أفراد العائلة إلى من يحتجز رجلها، وهو سيشعر بأنه أدرك شيئاً من "النجومية".
ولوهلة سيتحول هذا النجم من مجرد خاطف، إلى مرتكب جرم، إلى صاحب رأي. ففي سياق حديثه عما دفعه إلى فعلته سيعرّج ولو ملامسة إلى ما يجري من أحداث، باعتبار أنه صار بدوره صانع حدث.
هذا ما صاره المدعو "عمار الداديخي"، الذي اشتهر بلقبه "أبوإبراهيم"، وصار يوماً بعد يوم يقدم نفسه كأنه صديق مخطوفيه، مخاطب عائلاتهم، من دون أن يلجو السر وراء عملية الاحتجاز والسر الآخر وراء إجهاض عملية الإفراج عن الرهائن في اللحظة الأخيرة، ثم أن زائريه ومحاوريه من الإعلاميين لم يفطنوا، رغم التباسط والأريحية اللذين سادا بينه وبينهم، إلى سؤاله عما يشوب سمعته بأنه مهرّب، وكأي مهرّب فإنه كان على اتصال وتواصل وعمل وتعامل مع الاستخباراتيين.
كما أنهم لم يحاولوا التدقيق في حقيقة علاقته مع "الجيش السوري الحر"، الذي يؤكد تارة وينفي تارة أخرى مسؤوليته عن الخطف، أو يحرص على أن تكون هناك مسافة بينه وبين "أبوإبراهيم" و"ضيوفه".
لا شك أن قصف منطقة "إعزاز" في الشمال السوري وارتكاب سلاح الجو النظامي مجزرة فيها زاد من غموض وضعية الخاطف، الذي أصيب في إحدى الغارات. لكن ما الذي منعه حتى ذلك الوقت من إطلاقهم، أو تسليمهم للجانب التركي الذي تصرف دائماً وكأن الخاطف عنده، ثم تبين أنه لا يسيطر عليه تماماً.
فهل أن الجانب الآخر الذي يشاركه الإمساك بهذا الملف هو النظام السوري، وبالتالي وقع المخطوفون بين ناري الشروط والشروط المضادة، التي لم يعلن عنها أبداً وكان كل ما قيل إن الخاطفين يريدون اعتذاراً من الأمين العام لـ"حزب الله" على موقفه المعادي للثوار السوريين.
لم تكد هذه القضية تستهلك فصلها المتلفز السقيم، حتى اشتعلت عمليات خطف أخرى جعلت كل السوريين النازحين إلى لبنان بمثابة "أهداف مشروعة"، وفقاً لقول -ولا مؤاخذة" "الجناح العسكري لعشيرة آل مقداد"، التي ظهر أحد أفرادها في شريط "معترفاً" بأنه قناص يعمل في صفوف "حزب الله" إلى جانب قوات النظام السوري. الشريط منسوب إلى "الجيش الحر" الذي أنكره ونسبه بدوره إلى أحد أجهزة النظام. ورغم أن الشريط مشكوك به، فإنه استثار ردّة الفعل المطلوبة التي هزَّت لبنان وأظهرت عجز دولته ودفعت دول الخليج إلى استدعاء رعاياها عاجلاً. كان أحد "جنرالات" ذاك "الجناح العسكري" أكد أن عشيرته تستهدف جميع الخليجيين. وبفضل الكاميرات المسلطة على أبناء تلك العشيرة أصبح هؤلاء في ذلك اليوم أشبه بحكام لا يساومون ولا يفاوضون، بل يرفضون لقاء أي مسؤول طالما أنه لن يأتي مصحوباً بابن العشيرة المحتجز في سوريا.
وفوق ذلك، جرى إفلات الكاميرات وأصحابها لاستجواب الرهائن الذين لم يدروا ما يتوجب عليهم قوله، فهم هاربون من جحيم القتل في بلادهم، ولو كانوا من المحاربين لما عثر عليهم في ضواحي بيروت.
يُنظر إلى التسميم المفتعل للأجواء على أنه له وظيفة سورية محددة، إذ يراد بأي ثمن تفجير الاستقرار الهش في لبنان.
ويبدو المخطوفون هنا مجرد وقود لإشعال النار، أما الخاطفون سواء في الضاحية البيروتية أو الشمال السوري فهم أدوات تم اللجوء إليها لاستدراج الأدوات التقليدية، ذاك أن الهدف إحداث فتنة مذهبية، شيعية - سنية، وطالما أن القوى التي يعتمد عليها النظام السوري عادة، ومنها "حزب الله"، تمتنع عن الاستجابة انطلاقاً من مصالحها وحرصاً على أمنها، كان لا بد من دفع "الجناح العسكري للعشيرة" إلى الواجهة مع تأمين تغطية له من "حزب الله".
وفي مثل هذه المنعطفات، يمكن أن تتلمّس ما يسمى "مسؤولية الإعلام".
صحيح أنه ناقل الحدث وليس صانعه، لكن إبراز المجرم على أنه مجرد لاعب، ومن دون تسليط الضوء على إجرامه، يخلط المفاهيم فتصبح الحرب الأهلية مجرد وجهة نظر لكنها قاتلة.