جريدة الجرائد

"إخوان" مصر وتونس ... الاستحواذ والتقديس

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

عبدالله بن بجاد العتيبي

تُظهر الأحداث المتسارعة في دول "الإخوان" الجديدة بمصر وتونس سيطرة شهوة الاستحواذ الكامل على الدولة والهيمنة على صناعة القرار لدى الجماعتين، فبعد ما جرى بمصر ها هي تونس تدخل على الخطّ لا بتحليل محلل ولا برؤية مراقب بل بتصريح مباشر ورسمي من حليف حزب" النهضة"، الذي رضوا به رئيساً لتونس السيد المنصف المرزوقي زعيم حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية"، الذي تخلّى عن رئاسة الحزب بعد تولّيه رئاسة الدولة.

جاء ذلك في خطابه الذي ألقاه أحد مستشاريه في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر حزبه، وقال فيها إنّ حركة "النهضة" تسعى إلى "الاستحواذ على مفاصل الدولة من خلال تعيين مقربين لها في المناصب الإدارية والسياسية، دون الأخذ بعين الاعتبار عنصر الكفاءة" و "شبّه المرزوقي ممارسات النهضة بما كان يفعله حزب التجمّع الدستوري الديموقراطي الذي كان يتزعمه الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي".


حين كتب كاتب هذه السطور عن هذه الشهوة الاستحواذية لدى "إخوان" مصر وشبههم بـ"حزب وطني" جديد لم يقبل البعض ذلك الطرح، ولكنّ الحديث اليوم يأتي من الرئيس الجديد لتونس الجديدة الذي يعايش ويشاهد ممارسات "إخوان" تونس من قمة الهرم السياسي وتجاذباته وصراعاته، ويشبه ممارساتهم بممارسات الحزب المخلوع.

لم تزل ممارسات "الإخوان" في البلدين تثير قلق الكثيرين وبعض هؤلاء كانوا في الفترة الماضية من المدافعين بحماسةٍ عن جماعة "الإخوان" بفرعيها، بل بفروعها المتعددة، ولم تزل ممارسات "الإخوان" وسياساتهم تصدمهم في كل شهر مرةً أو مرتين ثم لا يتنبه منهم إلا القلة. جرى بمصر الأسبوع الماضي حدثين مهمّين: الأول، الجمعة الماضية التي كانت موجهةً للاعتراض على حكم "الإخوان" وشهوتهم للاستحواذ والهيمنة، والدلالة فيها ليست بعدد الحضور بل برمزية الفعل المعارض الذي سيتصاعد، مع استحضار أنّ كثيراً من القوى السياسية المعارضة لم تشارك في الدعوة إليها ولم توافق عليها، ومن ذلك حملة المرشح السابق أحمد شفيق التي حصدت نصف أصوات المصريين، وحزب الوفد، كما لم تشارك بعض الفعاليات الأخرى كالشباب الثائر، فلم تصل لحظة الصدام بعد. والثاني: دعوة حزب الوفد لما أسماه بـ"تحالف الأمة المصرية" الموجه لتشكيل أكبر تجمعٍ سياسيٍ معارضٍ لحكومة الإخوان، ومن أهم دلالات هذين الحدثين هو أنّ التحرّك ضدّ ممارسات جماعة "الإخوان" في السلطة قد بدأ مبكراً جداً، وهو جاء بدافعٍ من ممارسات "الإخوان" قبل كل شيء.

مع سعي جماعة "الإخوان" الدؤوب لتبنّي سياساتٍ جديدةٍ تناقض كل خطابهم السابق وآيديولوجيتهم المستقرة وسعي موازٍ للتبرير وخلق خطابٍ جديدٍ يكون مفصلاً حسب مقاس سياساتهم الخارجية تجاه التحالف مع الغرب وحماية إسرائيل والاقتراض من البنك الدولي ونحوها مما كانوا يعيبونه على النظام السابق، ومقاس سياساتهم الداخلية لاستكمال سياسات الاستحواذ التي تنكرت لكل الأطياف السياسية المصرية حتى تلك التي كانت داعمةً لهم في الفترة الماضية، مع هذا كلّه فإن الجماعة لم تزل خاضعةً أكثر لخطابها القديم، ورموزها الأكثر تأثيراً لم يزالوا من الحرس القديم، كالمرشد السابق مهدي عاكف والمرشد الحالي محمد بديع أو نائبه محمود عزت وأمثالهم.

لقد أطلق المرشد السابق عاكف تصريحاتٍ جديرةٍ بالاهتمام فهو شخصٌ معروفٌ بنزقه وتسرعّه منذ قال عبارته الشهيرة "طزّ في مصر"، ففي لقاء له مع الإعلامي اللبناني طوني خليفة حاول أن ينفي هذه العبارة ولكنّه مع تسخين المذيع له لم يلبث أن قال مثلها، وكان من أهم ما جاء في لقائه قوله "نتعبّد الله بتنفيذ قرارات الجماعة"، وهو ما يذكرنا بما قاله قبل فترة جمال البنّا الأخ الأصغر لمؤسس الجماعة حين قال "إنّ جماعة الإخوان المسلمين تعبد نفسها من دون الله".

إنّ الجماعة لم تزل تمارس تقديس رموزها وقياداتها، ففي خطاب الإخوان الذي تعبّر عنه كتاباتهم وخطبهم وقصائدهم وتعاملاتهم تماهٍ مقصود سعوا لترسيخه وذلك عبر تنزيل آيات القرآن الكريم التي تتحدث عن الإسلام على الجماعة، وتنزيل الأحاديث النبوية في كيفية التعامل مع الرسول الكريم على قادتهم ومرشديهم ورموزهم، والشواهد كثيرةٌ.

ومن ذلك ما ذكره مؤرخ جماعة الإخوان شبه الرسمي محمود عبدالحليم في كتابه "الإخوان المسلمون: أحداث صنعت التاريخ" من قصةٍ ذات دلالةٍ في هذا السياق وهي قصة حول ممارسةٍ ثابتةٍ لدى "الإخوان" حتى يومنا هذا من تقبيل يد المرشد بتعبدٍ وخضوعٍ، كانت بداياتها مع المرشد الأول حسن البنّا، فينقل عبدالحليم عن أحمد حسن الباقوري ويقول: "كان الباقوري يعبث بكتب على مكتب عبدالفتاح إذا به يفتح كتاباً منها وينظر فيه ثم ينفجر مكبراً مهللاً وهو يقول: الحمد لله وجدت ما أعياني البحث عنه .. فسألناه ما هذا الذي أعياك البحث عنه، وما هذا الذي وجدته؟ قال: إنني أقبّل يد الأستاذ المرشد وبعد كل مرةٍ أقبل فيها يده، أسأل نفسي هل هذا عملٌ يرضاه الإسلام، وهل لهذا العمل سند من السنة؟ ومع ما يتلجلج في نفسي من هذا التصرف من شكوكٍ ومع ما وصلت إليه من يأس في العثور على أثرٍ في السنة أستند إليه، فقد كنت دائماً لا أستطيع أن أقاوم نفسي في تقبيل يد الأستاذ .. فإذا بعيني تقع على هذا الحديث (كان كتاب رياض الصالحين) وقرأ لنا الحديث .. وفي سياق الرواية يقول: (فتقدمت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبلت يده)" 1/218. ففي هذا النقل ما يؤكد أنّ تقبيل يد المرشد كان ولم يزل عادةً "إخوانية" استمرّوا عليها طويلاً وهم يفتشون لها عمّا يبررها لهم حتى عثروا عليه، ومع ما في هذا التشبيه من دلالة اعتبار المرشد في مقام الرسول الكريم، إلا أنّ الأهم هو الإشارة إلى نهج "إخواني" معروفٍ، فهم يفعلون ويقررون ما يتماشى مع مرادهم ويخدم أهدافهم ومصالحهم ثم يفتشون لاحقاً عن دليل شرعي ما، يبررون به ما فعلوا وما قرروا، في عاداتهم الداخلية كما في مواقفهم السياسية وخطابهم الآيديولوجي على طريقة "اعتقد ثم استدل".

أخيراً، فإنّ "الإخوان" المسلمين- اقتداءً بالثورة الإسلامية بإيران- لم يجعلوا المرشد العام كبديع بمصر والغنوشي بتونس يتولّى مناصب الدولة، بل منحوها لبعض أتباعهم وهم يديرون المشهد من وراء ستار.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف