جريدة الجرائد

حركة عدم الانحياز.. منحازة للقتل

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

خيرالله خيرالله

هل تنحاز حركة عدم الانحياز الى الشعوب، ام تبقى اسيرة ايديولوجية تجاوزها الزمن تسعى الى العودة بالعالم الى ايّام الحرب الباردة؟ اكثر من ذلك، هل لا تزال ضرورة لحركة عدم الانحياز التي تعقد مؤتمرها المقبل آخر الشهر الجاري في طهران... ام انّ كلّ ما هو مطلوب رفع مزيد من الشعارات الرنانة واصدار بيانات فارغة من اي مضمون؟
الجواب بكل بساطة ان الزمن تجاوز الحركة التي لم يعد هناك ما يجمع بين اعضائها. هل هناك ما يجمع حاليا بين مصر وايران او بين ايران ولبنان باستثناء الرغبة لدى طهران في ممارسة الوصاية على الوطن الصغير وتأكيد ان بيروت ميناء ايراني على البحر المتوسط؟ هل تنحاز حركة عدم الانحياز الى الشعب السوري بدل انحيازها الى آلة القتل التي تستهدفه؟ هل تنحاز الحركة الى الحرية بدل ان تكون مرّة اخرى غطاء لعمليات القمع التي تنفّذها انظمة عفا عنها الزمن منذ فترة طويلة؟

كان يفترض ان يكون بين الاعضاء المئة والعشرين الذين تضمهم الحركة من يمتلك ما يكفي من الشجاعة للقول ان لا علاقة لايران بحركة عدم الانحياز التي تعني اوّل ما تعني الانحياز للحق وليس الى سياسة توسّعية تمارسها طهران بكلّ وقاحة وصلف. هل يكفي ان تكون دولة من الدول معادية للولايات المتحدة، او تتظاهر بذلك، كي تصبح غير منحازة؟
تأسست حركة عدم الانحياز في العام 1961 في بلغراد. كان وراء قيام الحركة زعماء من وزن جمال عبدالناصر وجواهر لال نهرو وجوزف بروز تيتو والاندونيسي سوكارنو والغاني كوامي نكروما. قبل الاعلان عن تأسيس الحركة وانعقاد المؤتمر الاول في بلغراد، عاصمة ما كان يسمّى يوغوسلافيا، تداول هؤلاء الكبار في الفكرة خلال لقاء انعقد في العام 1955 في باندونغ (اندونيسيا). كانت لكلّ منهم حساباته الخاصة. لكنّ ما كان يجمع بين الخمسة ايجاد موقع لمجموعة من الدول خارج التجاذبات القائمة بين القوتين العظميين اي الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.
في السنة 2012، لم يبق شيء من حركة عدم الانحياز كي تعقد مؤتمرا لها طهران. قبل كلّ شيء، انتهت الحرب الباردة وانهار الاتحاد السوفياتي مطلع العام 1992 وقبله انهار جدار برلين. اكثر من ذلك، تولّى الاتحاد السوفياتي منذ اليوم الاوّل لقيام حركة عدم الانحياز تحويلها الى تابع له، بل الى جزء من المنظومات التي تدور في فلكه. اصبحت كوبا مثلا عضوا في الحركة، علما انها كانت تعتمد على الاتحاد السوفياتي اعتمادا كلّيا. كانت جرما يدور في فلكه. واستضافت كوبا قمة للحركة في العام 1979، من دون ان يوجد بين المشاركين من يتساءل: هل نحن بالفعل على مسافة واحدة من موسكو وواشنطن، ام اننا نضحك على انفسنا؟
ما حصل عمليا في تلك المرحلة، ان الاتحاد السوفياتي نجح الى حدّ كبير في خطف حركة عدم الانحياز، خصوصا بعدما صارت البيانات والقرارات الصادرة عن اجتماعات الحركة مختصة في مهاجمة السياسة الاميركية. وهذا ما تحاول ايران تكراره في السنة 2012 وكأنّ مهاجمة السياسة الاميركية وظيفة في حد ذاتها.

لا شكّ ان في السياسة الاميركية ايجابيات وسلبيات، لكنّ التاريخ يثبت ان النموذج الاميركي هزم النموذج السوفياتي وان مستقبل اي دولة في العالم مرتبط الى حدّ كبير بأمرين. الاول ايجاد دولة مؤسسات وبرامج تعليمية متطورة والآخر الانفتاح الاقتصادي في ظلّ ضوابط معيّنة تؤمن حدا ادنى من الحياة الكريمة للفقراء. ولذلك، لم تحقق اي دولة من الدول الخمس المؤسسة لحركة عدم الانحياز اي تقدم على اي صعيد كان الاّ عندما اعتمدت الديموقراطية المبنية على المؤسسات وعلى التداول السلمي للسلطة وابتعدت عن التدخل في شؤون الاخرين.
انهار حكم العسكر في مصر لأنّ المؤسسة الوحيدة التي بناها ناصر كانت الاجهزة الامنية. وانهارت يوغوسلافيا، لانها قامت على شخص واحد اسمه تيتو. واستعادت غانا حيويتها عندما صارت دولة ديموقراطية، كذلك الامر بالنسبة الى اندونيسيا التي عانت من حكم سوكارنو ثم من خليفته سوهارتو. وحدها الهند كانت استثناء.
لماذا الاستثناء الهندي؟ الجواب ان الهند كانت ديموقراطية. لا وجود لاحتكار حزب او عائلة للسلطة وذلك على الرغم من اهمية عائلة نهرو وخلافة ابنته انديرا غاندي لوالدها، ثم خلافة ابنها لها. ما ضمن تحسّن الاقتصاد الهندي وتحول الهند الى دولة مهمة قادرة على اتخاذ قرارات مستقلة هو المؤسسات الديموقراطية والانفتاح على العالم من جهة واقتصاد السوق والبرامج التعليمية المتطورة من جهة اخرى. لم تكن الهند في حاجة الى حركة عدم الانحياز كي تتقدّم وتصل الى ما وصلت اليه.
في السنة 2012، لا حاجة تذكر الى حركة عدم الانحياز التي لم تستطع يوما حلّ اي مشكلة من المشاكل التي واجهتها الدول الاعضاء فيها. جلست الحركة، على سبيل المثال وليس الحصر، تتفرّج على الحرب العراقية- الايرانية طوال ثماني سنوات. اتخذت مواقف لفظية من اسرائيل ولكن هل ساهمت يوما في جعل الاحتلال يتراجع او ينحسر عن اي بقعة ارض عربية؟
في وقت يواجه فيه الشعب السوري البطل آلة القتل التي يستخدمها النظام والتي تدعمها ايران بشكل مباشر، هل سيتجرأ مؤتمر عدم الانحياز على اتخاذ موقف مع الحق الذي يرمز اليه نضال شعب يطالب بكرامته وحريته؟ اذا لم يفعل ذلك، الف سلام وسلام على عدم الانحياز وكلّ من يشارك في مؤتمراتها او يدعّي الانتماء اليها من قريب او بعيد.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف