فرص مصر وإيران في قمة عدم الانحياز
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد السعيد ادريس
على الرغم من كثافة الأجندة الإيرانية التي تتضمن ما تستهدفه إيران من استضافة قمة حركة عدم الانحياز وعلى الأخص ما يتعلق بأزمة برنامجها النووي وتداعياته، وفي مقدمتها العقوبات الدولية ضدها وتهديدات ldquo;إسرائيلrdquo; بشن اعتداء على منشآتها النووية، ثم ما يتعلق بالأزمة السورية، إلا أن هاجس العلاقة مع مصر وطموحات إيران في جعل مشاركة الرئيس المصري محمد مرسي في هذه القمة خطوة جادة على طريق تطبيع العلاقات بين البلدين وتطوير شراكة مصرية - إيرانية تسهم في معالجة اختلال توازن القوى الإقليمي الذي لم يعد يعمل في مصلحة إيران وتحالفاتها يكتسب أولوية قصوى على الرغم من الحرص الإيراني الشديد على عدم إظهار حقيقة التلهف الإيراني إلى العلاقة مع مصر .
هذا الحرص دافعه وجود إدراك إيراني بحجم وثقل الضغوط التي تتعرض لها مصر هذه الأيام كي لا تندفع في علاقاتها مع إيران في هذه الظروف التي تشهد جهوداً أمريكية وrdquo;إسرائيليةrdquo; وإقليمية لإفراغ مؤتمر قمة عدم الانحياز من مضمونه، ومحاولة إثناء العدد الأكبر من قادة دول الحركة عن المشاركة في هذه القمة التي تراها واشنطن وتل أبيب ودول عربية وإقليمية تحدياً للجهود التي بذلت والتي تبذل على كل المستويات لإحكام الحصار المادي والمعنوي على إيران، لأسباب تتعلق بأزمة البرنامج النووي، وأخرى تتعلق بالدور المعوق لجهود إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد .
وكما تعرضت مصر لضغوط عربية وإقليمية ودولية لإقناع الرئيس مرسي بعدم المشاركة في قمة طهران، كما تعرض الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لضغوط ضارية كان أبرزها الحملة التي قادتها منظمات يهودية أمريكية لحمله على إعلان اعتذاره عن الذهاب إلى طهران، وشملت هذه الحملة، علاوة على الضغوط الإعلانية، خطابات أرسلها ديفيد هاريس المدير التنفيذي للجنة اليهودية الأمريكية إلى البيت الأبيض والخارجية الأمريكية وإلى أعضاء الكونغرس والإعلام الأمريكي ندد فيها بالنظام الإيراني وحرض عليه المؤسسات السياسية والإعلام الأمريكي .
إيران تدرك هذه الأجواء التحريضية وتدركها مصر أيضاً، فالرئيس المصري الذي يخوض الآن حرباً على الإرهاب في سيناء ويسعى إلى فرض أمر واقع جديد يتجاوز قيود معاهدة السلام المصرية - ldquo;الإسرائيليةrdquo; وبالذات القيود الواردة في الملحق الأمني وما يتعلق بالانتشار المحدود جداً للقوات المصرية في سيناء، لا يريد أن يفجر تحديات واستفزازات جديدة في العلاقة مع كل من الولايات المتحدة وrdquo;إسرائيلrdquo; بسبب إيران، كما أن الرئيس المصري الذي يواجه تحديات اقتصادية شديدة القسوة بسبب ما تعرض له الاقتصاد المصري من نهب وتخريب على أيدي النظام المخلوع وحلفائه، وبسبب توقف عجلة الإنتاج نتيجة للاضطرابات المتواصلة في كل القطاعات، وبسبب تراجع السياحة نتيجة تفاقم الأزمة الأمنية حريص على عدم استفزاز الأمريكيين والمؤسسات المالية الدولية والدول العربية الداعمة إذا ما اتخذ خطوة غير محسوبة في العلاقة مع إيران، وفي الوقت نفسه يعي الرئيس المصري أن هناك تحديات داخلية وبالذات في الجبهة الإسلامية الداعمة له حزب الحرية والعدالة ldquo;الإخوانيrdquo; والأحزاب السلفية التي ترفض أي تعجل في تطوير العلاقات مع إيران .
هذه القيود يدركها الرئيس المصري، لكنه يدرك أيضاً أن التردد في تلبية الدعوة الإيرانية للمشاركة في قمة حركة عدم الانحياز بطهران سيحسب في غير مصلحته وسيضعه في موقف يصعب الدفاع عنه من منظور قوى الثورة ومن منظور المصالح الوطنية المصرية ومكانة مصر العربية والإقليمية والدولية، بل يتعارض مع منظوره الشخصي لدور مصر الذي سبق أن عبر عنه في مقال نشره باللغة الإنجليزية قبيل إعلان فوزه رئيساً لمصر والذي أكد فيه أن اختفاء دور مصر من الإقليم أحدث فراغاً خطيراً، وشكل خطراً على الاستقرار في المنطقة، مشيراً إلى أن ldquo;تطلعات مصر هي أن يكون دورها ريادياًrdquo; .
هذا الإدراك يجعل الرئيس المصري مستعداً للتعامل مع القوى الإقليمية الكبرى في المنطقة من دون تردد أو تراجع ومن دون انصياع لأوامر أو توجيهات خارجية من أطراف كانت ومازالت حريصة على انحسار الدور المصري وتراجعه عن الفعل والتأثير وإغراق مصر بهمومها الداخلية .
وعندما يتطلع مرسي أمامه في خريطة تفاعلات القوى الإقليمية سيجد أمامه ثلاث قوى بارزة ممثلة في دول ثلاث هي: إيران وتركيا وrdquo;إسرائيلrdquo; .
فهم الرئيس المصري لهذا كله، ووعيه بالأهداف التي قامت الثورة من أجلها وفي مقدمتها هدفا الكرامة والسيادة الوطنية، وإدراكه أن أحد أسباب الثورة على الرئيس المخلوع أنه رهن الإرادة الوطنية المصرية وفرط في السيادة المصرية لمصلحة تحالفاته الأمريكية - ldquo;الإسرائيليةrdquo; وأن السبب الأهم لعدائه لإيران هو تلك الإملاءات الأمريكية وrdquo;الإسرائيليةrdquo; . كل هذا يجعله أمام مسؤولية كبرى في اتخاذ قرار وطني متوازن نحو إيران يتلخص في الآتي:
1- الرد بإيجاب على الدعوة الرسمية الإيرانية للمشاركة في مؤتمر قمة عدم الانحياز خاصة أن مصر هي رئيسة الدورة المنتهية للحركة، وأنها من سيقوم رسمياً بتسليم الرئاسة إلى إيران باعتبارها رئيسة الدورة الجديدة التي سوف تمتد إلى ثلاث سنوات، ولا يليق برئيس الدورة أن ينيب غيره في القيام بمهمة تسليم الرئاسة لإيران .
2- أن تقتصر الزيارة على المشاركة فقط في أعمال قمة حركة عدم الانحياز ولا تتعداها إلى جوانب أخرى، أي لا تتحول إلى مدخل للبحث في أجندة العلاقات المصرية - الإيرانية، ولذلك أعلن المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية في مصر أن زيارة الرئيس مرسي لإيران لن تستغرق سوى ساعات، وستكون مخصصة فقط لقمة عدم الانحياز .
3- التلميح باحتمالات تطوير العلاقة مع إيران وربط ذلك بموقف إيراني أكثر إيجابية من الأزمة السورية، وإعطاء إيران فرصة إثبات جدية هذا الموقف من خلال المشاركة في تشكيل مجموعة الاتصال الجديدة الخاصة بالأزمة السورية التي اقترحها الرئيس المصري في مؤتمر القمة الإسلامية الأخير في ldquo;مكة المكرمةrdquo;، واقترح أن تضم مصر والسعودية وإيران وتركيا .
وهذه إشارة مصرية أخرى إلى إيران تكشف جدية نوايا الرئاسة المصرية لتطوير العلاقات المشتركة، ولكن على أساس من برنامج عمل مشترك عن القضايا الساخنة ذات الأهمية وذات الأولوية للبلدين مدخلاً لتطبيع حقيقي للعلاقات على قاعدة المصالح المشتركة .