البابا فوق هوّة من الهواجس!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
راجح الخوري
المشهد السياسي الحاد الذي رسمته رياح "الربيع العربي" يجعل من زيارة البابا بينيديكتوس السادس عشر الى لبنان، تبدو وكأنها رحلة فاتيكانية شديدة الحساسية وعميقة الأهمية ولكن على حافة نهر من هواجس الاقليات التي رافقت صعود الاسلام كدين الى واجهة الدنيا، او قيادة السلطة السياسية في اكثر من بلد عربي.
يصل البابا اليوم ليبدأ هذه الزيارة، التي تبدو بعد الاحداث العنيفة التي اثارها الفيلم الصهيوني المسيئ الى الاسلام في مصر وليبيا وتونس واليمن، وكأنها ايضاً رحلة على حافة هوة، يقوم متآمرون من انواع واجناس وسياسات عدة على تعميقها بين الحضارتين المسيحية والاسلامية، في حين يقوم جوهر "الارشاد الرسولي" الذي يحمله البابا الى المسيحيين في المنطقة على ان الشرق الاوسط هو محيط وحوار وتفاعل حضاري اكثر مما هو منطقة، تماماً كما قال "الارشاد الرسولي" الذي حمله البابا يوحنا بولس الثاني الى مسيحيي هذا البلد "ان لبنان رسالة أكثر مما هو وطن".
قياساً بما تقوم به الصهيونية للدفع الى صدام بين المسيحية والاسلام، ومع ارتفاع حدة المشاعر المذهبية بين السنّة والشيعة، يفترض في القيادات الواعية ان تنظر الى المنطقة على انها رسالة حوار وتفاهم اكثر من كونها مجموعة من الاوطان قد تتحول حلبة للملاكمة بين الاديان والمذاهب.
على حافة المخاوف ومع الغضب المتأجج في ليبيا ومصرع السفير الاميركي وثلاثة من رجال الأمن، اطلق البابا نداءه من اجل "سلام مطلوب بالحاح في الشرق الاوسط يقوم على احترام الاختلافات وعلى الاقتناع بأن الغنى الذي تمثله المجموعات الدينية المختلفة في لبنان وفي الشرقين الادنى والاوسط، لا يمكن ان يدوم إلا اذا عاش في سلام ومصالحة دائمة".
عندما وقف باراك اوباما معلناً تحريك قوة من "المارينز" وان "العدالة ستطبق والقتلة سيحاسبون"، راحت هيلاري كلينتون تتساءل: "كيف يمكن هذا ان يحدث؟" بدلاً من السؤال كيف نمنع حدوث هذا؟ لكن الفاتيكان كان أكثر تعبيراً وتأثيراً عندما دان "الاهانات والاستفزازات غير المبرّرة لمشاعر المسلمين وما ترتب عنها من نتائج مأسوية تعمق بدورها الحقد واعمال العنف التي لا يمكن القبول بها اطلاقاً".
يصل البابا المفكر والعميق الثقافة الى لبنان باعتباره شرفة تطل على الشرق الاوسط، حاملاً رسالة حوار واحترام بين الاديان والشعوب تمثل طريق الجميع لبناء عيش حضاري مشترك في اطار من السلام، في وقت ترتفع من الظلمة اصوات التطرف ورفض الآخر، لتقابلها اصوات ترتفع من ظلام حماقات الدعوة الى أحلاف الاقليات، التي يمكن ان تدفع "الربيع العربي" ليكون مجرد ديكتاتورية تقوم على انقاض ديكتاتورية وهو ما يتعارض مع جوهر الاسلام والمسيحية!