أوباما وسورية... والمقاربة الشاملة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
خيرالله خيرالله
بدا الرئيس باراك أوباما امام الجمعية العمومية للامم المتحدة حذرا. بدا وكأنه يعدّ نفسه منذ الآن لولاية ثانية وانه يريد الاحتفاظ باوراقه لنفسه. كلّ ما يمكن فهمه من خطاب أوباما امام الجمعية العمومية للامم المتحدة ان النظام السوري انتهى وانه آن اوان رحيل الرئيس بشّار الاسد وانه لن يتصرف في الموضوع السوري الاّ من خلال مقاربة شاملة لمشاكل المنطقة. لم ينس الرئيس الاميركي الدور الايراني الداعم للحرب التي يشنها النظام السوري على شعبه، فدان هذا الدور داعيا الى وجوب التوقف عن دعم "الديكتاتور" السوري. يبدو واضحا ان أوباما يفضّل الانتظار حاليا، خصوصا ان النظام السوري انتهى وذلك من دون ان تضطر الولايات المتحدة الى خسارة رجل واحد او التدخل المباشر، كما حصل في العراق وغير العراق...
ما لم يقله الرئيس الاميركي صراحة، ربّما بسبب اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، قاله الملك عبدالله الثاني الذي تحدث بدوره امام الجمعية العمومية عن "الوضع المأساوي السوري". دعا العاهل الاردني الى "الوقف الفوري للعنف ومباشرة عملية انتقال سياسية" مشيرا الى ان "لا بديل من الحل السياسي الذي يوقف سفك الدماء ويعيد الامن والاستقرار ويحفظ وحدة اراضي سورية وكرامة شعبها ووحدته".
السؤال الآن، كيف يمكن تحقيق عملية الانتقال هذه التي تحظى بمباركة اميركية؟ هل سيجد أوباما، في حال حصوله على ولاية ثانية، متسعا من الوقت كي يضع تصوره لمستقبل النظام السوري موضع التنفيذ؟
مرّة اخرى، هناك تصور واضح لدى الادارة الاميركية الحالية لمستقبل النظام السوري. هناك تصميم على التخلص من النظام كما هناك بداية قناعة بأنّ من المهمّ جدا تفادي حال من الفوضى في سورية وذلك عن طريق منع اي جهة خارجية، عربية او غير عربية، من تمويل العناصر المتطرفة وتسليحها من منطلق ان الأولوية هي لاسقاط النظام وانّ ليس مهمّا ما سيحصل بعد ذلك. هناك لحسن الحظ في واشنطن وفي عمّان من يفكّر في ما سيحصل بعد سقوط النظام السوري من منطلق المقاربة الشاملة للوضع الاقليمي.
في هذا الاطار، وعلى الرغم من الجهود الاسرائيلية التي يقودها بنيامين نتانياهو من اجل التركيز على ما يسمّيه "الخطر" الإيراني بدل معالجة الوضع في سورية، جاء الخطاب الاردني محاولة لاعادة الامور الى نصابها في منطقة تتزاحم فيها الازمات الى درجة لم يعد للقضية الفلسطينية وجود يذكر. لذلك، كان لا بدّ من كلمة تذكير اردنية بهذه القضية التي لا تزال "جوهر الازمة في المنطقة". فليس طبيعيا ان يبقى الشعب الفلسطيني استثناء، نظرا الى ان "الربيع العربي ينادي بالكرامة للجميع وبوضع حد لسياسة الاستثناء. ليس هناك ما يسبب قهرا اكبر من ان نقول لشعب بكامله انك مستثنى من العدالة الدولية. لا يمكن للصيف العربي ان يأتي ثماره الا عندما يصل الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي الى نهاية عادلة وتقوم الدولة الفلسطينية التي تعيش بسلام جنبا الى جنب مع اسرائيل آمنة في المنطقة بأسرها".
كان الرئيس الأميركي عاقلا ومنطقيا في طرحه. رفض التزام الاجندة الاسرائيلية في ما يتعلّق بايران. لكنه اكّد في الوقت ذاته ان اميركا لن تسمح لايران بامتلاك السلاح النووي. هل يعني ذلك، انه ستكون هناك مقاربة اميركية شاملة لازمات الشرق الاوسط في حال عودة أوباما الى البيت الأبيض؟
في ضوء الهفوات التي ارتكبها اخيرا المرشح الجمهوري ميت رومني، تبدو فرص حصول أوباما على ولاية ثانية مرجحة. ما يعنيه ذلك، انه يجب استبعاد عمل عسكري اميركي او أطلسي في سورية. سيظل التركيز على دعم ثورة الشعب السوري من دون الغرق في لعبة تزويد المتطرفين بالسلاح والمال. واذا نظرنا الى تطورات الاسابيع القليلة الماضية، نكتشف ان الوقت يعمل لمصلحة مقاربة اكثر شمولية للوضع في الشرق الاوسط ككلّ. انها المقاربة الاردنية الى حدّ كبير. هذه مقاربة تقوم على ان الاستقرار كلّ لا يتجزّا وانه لا يمكن في اي حال الاستمرار في تجاهل قضية الشعب الفلسطيني في حال كان مطلوبا تكريس الاستقرار الاقليمي بدل خلق مزيد من الازمات.
هناك بكلّ تأكيد محاولات تبذلها جهات عربية وغير عربية وجهات اسرائيلية للتركيز على كلّ ما من شأنه ضرب الاستقرار في المنطقة. فحكومة اسرائيل تراهن على التطرف وتغذّيه من اجل التخلي عن التزاماتها تجاه السلام، وهي التزامات مرتبطة بانهاء الاحتلال والسماح لشعب موجود على الخريطة السياسية للشرق الاوسط بالحصول على الحد الادنى من حقوقه الوطنية المشروعة. اما الجهات العربية وغير العربية، على رأسها ايران، فهي تراهن بدورها على كلّ انواع التطرف، بما في ذلك الفيلم المسيء للاسلام والمسلمين، من اجل ابعاد الانظار عمّا يدور في سورية...
من الآن، بدأت تتحدد معالم الخطوط العريضة للسياسة الشرق اوسطية لباراك أوباما في ولايته الثانية. وبغض النظر عما اذا اذا كان سينجح في وقف بنيامين نتانياهو عند حده والتصدي لوقاحته المنطلقة من العنصرية اكثر من أيّ شيء آخر، فإنّ الشيء الاكيد هو انّه سيركّز على انتقال سلمي للسلطة في سورية. هل سينجح في ذلك ام لا؟ هل سينجح في المحافظة على وحدة الكيان السوري؟ انه السؤال الكبير الذي سيطرح نفسه عاجلا ام آجلا. مثل هذا السؤال يتطلب في طبيعة الحال مزيدا من المشاورات العربية- العربية تفاديا لكارثة جديدة تتسبب بها سورية. لا يمكن ان ننسى ان النظام البعثي فيها كان في أساس توريط جمال عبدالناصر، ذي الثقافة السياسية المتواضعة جدا، في حرب 1967.
ليس مطلوبا في اي شكل التخلي عن دعم الشعب السوري وثورته بمقدار ما ان المطلوب ضمان الانتقال السلمي للسلطة مع الاخذ في الاعتبار لواقع يتمثّل في ان التورط الايراني في سورية، الذي يستفيد من الموقف "المحيّر" لاسرائيل، يمكن ان يؤدي الى تفتيت البلد في غياب القدرة على التحكم به كلّه كما كانت عليه الحال في عهد بشّار الاسد، اي منذ السنة 2000.