الحرية الدينية في الفكر البابوي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عدنان السيد
يجب ألا أن تمر كلمات البابا بنديكتوس السادس عشر أثناء زيارته لبنان من دون دراسة . فالعلاقة بين لبنان والفاتيكان تاريخية، وكلام رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم تبقى مهمّة في هذا البلد العربي الصغير، وأصداؤها لن تغيب عن فكر اللبنانيين والعرب الآخرين .لعل أهم ما قاله عندما التقى رجالات الدولة في القصر الجمهوري، ما تمحور على الحرية الدينية . فالمجاهرة بالديانة، وعيشها بحرية من دون أن يُعرّض الشخص حياته وحريته للخطر، يجب أن تكون ممكنة للجميع، على حد تعبيره .
إن هذه الحرية مقدّسة، بل هي حق مقدّس في عيش حياة كاملة على المستوى الروحي . والحرية التي تحدث عنها بابا روما ليست حرية المسيحيين من دون سواهم من أتباع الديانات الأخرى في لبنان والشرق . هذا ليس استنتاجاً بل هو كلام واضح في مجمل ما قيل من خطب وتصريحات وعظات دينية .
على أن هذه الحرية الدينية ليست مطلقة، بمعنى أن تتحول إلى أصولية متطرفة، أو إلى إنكار لحق الآخر المختلف في الحياة والحرية . من الذي يضع حداً لهذا التطرف؟
يجيب بابا الفاتيكان بأن العقلانية ضمانة لعدم التطرف، واللجوء إلى العنف . هنا نعود إلى الفكر الفلسفي الإسلامي، وخاصة إلى ابن رشد العقلاني الأول الذي ربط الإيمان الديني بما يصدّقه العقل .حبذا لو أن المعاهد الدينية الإسلامية، بل والمعاهد الدينية في وجه عام، تنتهج العقلانية دليلاً ومرشداً . هذا ليس تخلياً عن الميثولوجيا الدينية، ولا هو تنكّر للوحي الإلهي، بل إعمال للعقل حتى لا يجتاح الإنسان أخاه الإنسان بحجة الدفاع عن المعتقد الديني .
لا بد والحال هذه من حدود للحرية الدينية، وفي رأينا هي من أهم ما صرّح به بابا الفاتيكان على الصعيد الفكري، حتى لا نصل إلى مستوى التطرّف والعنف .
قد يكون الفكر الإسلامي في المقابل مدعواً إلى ملاقاة الدعوة البابوية من خلال العقلانية، والإيمان بالله الواحد، واحترام عقيدة الآخر ومشاعره . ولبنان معني بهذا الرجاء الجديد بحكم تكوينه إذا ما أراد الاضطلاع بواجب الرسالة الحضارية . لبنان مدعوٌ لأن يقوم بدوره في زمن الثورات العربية، طلباً للحرية والعدالة .
صار الفاتيكان مؤيداً لطلب الحرية والعدالة، ومتفهماً لدوافع العرب على المستوى الشعبي، شريطة احترام التعددية واختلاف المعتقدات الدينية والسياسية . وهذه من الفرص النادرة في تاريخ الثورات الشعبية، والتحولات العالمية الكبرى . إنها فرصة التوصل إلى استقرار سياسي من خلال بناء نظم سياسية عصرية ومتطورة . نظم تصون حقوق الإنسان، وحقوق الشعوب، وحقوق الجماعات، في إطار تعاليم الدين ونواميس الأرض التي ارتضتها البشرية دليلاً ومرشداً .
الانفتاح البابوي على حضارات الشرق دلالة على هذه الفرصة التاريخية . والدول العربية معنية بالإفادة منها في مجالات عدّة، وبينها مواجهة العنصرية الصهيونية التي تريد صراعاً مستداماً بين المسيحيين والمسلمين على مستوى العالم .