جريدة الجرائد

الثورة السنّـيّة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

حازم صاغيّة


هناك في المنطقة الممتدّة بين مصر والعراق ثورات كثيرة تندمج في كلّ منها مستويات عدّة. هناك تطلّب للحرّيّة والعدالة والتخلّص من الأنظمة المستبدّة، وأبرزها النظام السوريّ، وهناك في هوامش الثورات طلب على الديموقراطيّة والسير في ركاب الحداثة، وهناك في متون الثورات رغبات في استبداد انتقاميّ يُراد له أن يحمل أصحابه إلى أنظمة بديلة، وربّما إلى حروب أهليّة تُخضع الآخر والمختلف.

لكنْ هناك أيضاً، إلى ذلك كلّه، ومتقاطعاً معه، وأحياناً صوتاً له، ما يمكن أن نسمّيه الثورة السنّـيّة. نرى هذا في العراق ضدّاً على نظام موصوف بالشيعيّة والالتحاق بإيران، يتداخل ما فيه من عداليّة المطلب مع حنين بائس إلى الزمن الصدّاميّ. ونراه أيضاً في سوريّة، لوناً ما كان يمكن للثورة إلاّ أن تتلوّن به في مواجهة نظام موصوف بالعلويّة. وهنا أيضاً ثمّة لبس واضح بين الحقّ والعدل وبين لون طائفيّ يصير فاقعاً أكثر فأكثر، وخطيراً أكثر فأكثر. ونراه كذلك في لبنان، رغبةً عادلة في وقف التهميش الذي نزل بالسنّة واتّخذ في بعض الحالات شكل التصفية الجسديّة، لكنّنا نراه أيضاً رغبة غير عادلة في إطلاق سلفيّةٍ تصدّع لبنان وتركيبه الهشّ. ونراه، بطريقة خاصّة، في قطاع غزّة، حيث تنعطف السنّيّة الغزّاويّة عن الضلال السابق للابن الضالّ كي تتموضع في جوار "الأخوة" في المذهب. وبمعنى ما نراه في الأردن، حيث يزداد ثقل الإخوان المسلمين وضغطهم، باسم إصلاح النظام الانتخابيّ، على نظام متعثّر في استجابته.

وما يحصل في المشرق الصغير يجد ما يرفده في ما يحصل في مصر التي أوصلت الإخوان المسلمين إلى ذروة السلطة، من دون أن تختفي عناصر تشجيع أدبيّ تفد من تونس (وليبيا والمغرب...).

والثورة السنّيّة هذه تردّ على السبعينات والثمانينات، حين تربّع حافظ الأسد في السدّة الرئاسيّة، ثمّ انتصرت الثورة الإيرانيّة ونشأ "حزب الله". تلك كانت ثورة شيعيّة متقاطعة، هي الأخرى، مع تيّارات عدّة وحاضنة لمستويات كثيرة. وقد زاد في تظهير صورتها كثورة شيعيّة ما رافقها من ضمور في مراكز التأثير السنّيّ: فمصر وُضعت جانباً بسبب كامب ديفيد. والعراق ابتلعته حرب الخليج التي بدأها بخفّته المعهودة صدّام حسين. والثورة الفلسطينيّة رحّلها الاجتياح الإسرائيليّ في 1982 إلى تونس.

وسيّء بما فيه الكفاية أن يطغى البُعد المذهبيّ على سائر أبعاد الوجود الاجتماعيّ والسياسيّ، لكنّ هذه "حجارة البيت" كما يقال. لكنّ الحكم الأخير على الثورة السنّـيّة، وهي في واقع الأمر ثورات عدّة ذات خاصيّات وطنيّة متفاوتة، يتّصل بالوليد السياسيّ الذي سوف تحمله. وهذا ما تردّنا احتمالاته إلى مرحلة أسبق: فمع احتكاك أوروبا بهذه المنطقة ظهر صوتان سنّيّان، أحدهما تمتدّ رموزه من الخديوي إسماعيل إلى رفيق الحريري مروراً بنوري السعيد، والثاني تمتدّ رموزه من أحمد عرابي إلى جمال عبد الناصر وصدّام حسين. والصوت الثاني هو الذي ارتفع في الخمسينات وما بعدها محطّماً الاحتمال الوحيد للاستقرار في دول وطنيّة كانت الهديّة التي قدّمها لنا ذاك الاحتكاك بأوروبا. آنذاك تأسّست اللعنة على أيدٍ سنّيّة وضعت "القضايا" في موضع الأوطان، قبل أن تتمادى تلك اللعنة، أقلّه في المشرق العربيّ الآسيويّ، على أيدٍ عسكريّة أقليّة.

واليوم يبقى الحكم الأخير على الثورة السّنيّة مرهوناً بقدرتها على استئناف ما انقطع مع رموز الصوت الأوّل. فهل يكون شعارها: إلى الأوطان درْ، وهل يكون لها سلوك يطابق هذا الشعار؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الى الارهاب سر
عادل المنصور -

إلى الأوطان درْ، هذا شعار لا يعرفه متاسلمون يجمعهم هوس التطرف والانتحار وتخوين الاخر واقصائه واخشى ان تتقسم هذه الدول كما قسمت الهند الى هنود وباكستانيين ويهجر كل طرف الى جهته وهذا ما سيحصل اذا سيطر التطرف الانداني .........اذ كيف يستطيع شخص يؤمن بدخول الجنه والغداء مع الرسول بقتل ناس ان يتعايش معهم في بلد واحد .....مستحيل وسيكون شعارهم :الى الارهاب سر

الى الارهاب سر
عادل المنصور -

إلى الأوطان درْ، هذا شعار لا يعرفه متاسلمون يجمعهم هوس التطرف والانتحار وتخوين الاخر واقصائه واخشى ان تتقسم هذه الدول كما قسمت الهند الى هنود وباكستانيين ويهجر كل طرف الى جهته وهذا ما سيحصل اذا سيطر التطرف الانداني .........اذ كيف يستطيع شخص يؤمن بدخول الجنه والغداء مع الرسول بقتل ناس ان يتعايش معهم في بلد واحد .....مستحيل وسيكون شعارهم :الى الارهاب سر

الطائفيات لاتصنع ثورة
علي البصري -

تعاني المنطقة العربية والاسلامية من تشويش وبلبلة فكرية وعندما نصع مسطرة ومقاييس الثورات لاتنطبق على هكذا احداث اولها ان الثورات حدا فاصلا بين زمنين مختلفين منقطعين ،الثورات تبني بينما ثوراتنا تهدم وتقطع وتشرذم ويقال عنها فوضى قسم يسميها خلاقة ولكنها هدامة ومقصودة في الهدم واني اتسال مالذي تغيير في مصر او تونس او لبيا او غيرها ،اضحكني تقرير محايد يقول ان ثوار سورية يتصارعون على المغانم !!! او ان قسم منهم يخطف افراد او سيارات ويطلب فدية لاستمرار الدعم المادي للثورة ،اعتقد ان هذه الثورات ستتحول الى افغانستانات متعددة او صومالات لتدمير هذه البلدان والتخلص منها والامر مفضوح وواضح لان الثورات الحقيقية لاتنفع من اجج ودعم وطبخ هذه الثورات!!.

الطائفيات لاتصنع ثورة
علي البصري -

تعاني المنطقة العربية والاسلامية من تشويش وبلبلة فكرية وعندما نصع مسطرة ومقاييس الثورات لاتنطبق على هكذا احداث اولها ان الثورات حدا فاصلا بين زمنين مختلفين منقطعين ،الثورات تبني بينما ثوراتنا تهدم وتقطع وتشرذم ويقال عنها فوضى قسم يسميها خلاقة ولكنها هدامة ومقصودة في الهدم واني اتسال مالذي تغيير في مصر او تونس او لبيا او غيرها ،اضحكني تقرير محايد يقول ان ثوار سورية يتصارعون على المغانم !!! او ان قسم منهم يخطف افراد او سيارات ويطلب فدية لاستمرار الدعم المادي للثورة ،اعتقد ان هذه الثورات ستتحول الى افغانستانات متعددة او صومالات لتدمير هذه البلدان والتخلص منها والامر مفضوح وواضح لان الثورات الحقيقية لاتنفع من اجج ودعم وطبخ هذه الثورات!!.