خِدَعُ الإسلاميين!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أحمد أميري
في حوار صحفي مطول أجرته صحيفة "الشرق الأوسط" قبل سنوات مع حجّة الإسلام محسن كديور، وهو أستاذ معمم أمضى نحو 17 سنة من عمره يدرس في الحوزة الدينية بقم، أشار فيه إلى وجود أربع نسخ من الزعيم الإيراني الراحل: إمام قم، إمام النجف، إمام باريس، إمام طهران.
فقد قضى الخميني في كل واحدة من هذه المدن ردحاً من الزمن، وفي كل مدينة كان له رأي "شرعي" مختلف في نظرية الحكم، وهي آراء متداولة إما من خلال كتب مطبوعة أو حوارات منشورة أو خطب مسموعة.
فعندما كان في قم نادى بالملكية الدستورية، ونفى وجود دور للفقهاء في إدارة شؤون الحكم. وبعد أن نفاه الشاه إلى النجف، خرج إلى الناس بنظرية "ولاية الفقيه" التي تثبت الولاية العامة المطلقة للفقهاء. وبعد مغادرته إلى باريس، وضع إمضاءه مع عدد من آيات الله على مسودّة لدستور جديد لإيران ليس فيه أي ذكر لولاية الفقيه، وإنما جمهورية حديثة ديمقراطية، ونظام مثل النظام الفرنسي تماماً. وحين عاد إلى طهران عشية انتصار الثورة، أصبح يؤمن بالولاية المطلقة للفقيه، مشيراً إلى أنه معينٌ من الله، واستمر يحكم لمدة عشر سنوات تحت هذا العنوان. ولا تزال إيران تُدار من قبل وريثه من خلال المنظور نفسه.
ويمكن القول إن "الإخوان المسلمين" في مصر بدّلوا أكثر من قناع خلال أقل من سنتين من عمر الثورة المصرية، ولا تزال في مخازن الجماعة بالمقطم كراتين لأقنعة مختلفة الشكل، فقد أعلنوا عدم مشاركتهم في ثورة 25 يناير، وبعد أسابيع قليلة أعلنوا أنهم لن ينافسوا إلا على 30 بالمئة من مقاعد مجلس الشعب الجديد، وبعد شهر من ذلك أعلنوا أنهم لن يدفعوا بمرشح من الجماعة لمنصب رئيس الجمهورية، ثم بعد أشهر قليلة تقدموا بمرشحهم للرئاسة، ثم وقفوا إلى جانب القضاء ضد العسكر، ثم أصبحوا ضد القضاء بعد أن وضعوا الدستور بأنفسهم تقريباً واستفتوا عليه وأقرّوه وأصبح نافذاً.
وفي شريط فيديو يتحدث الشيخ ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية في مصر، إحدى القوى المتحالفة مع "الإخوان"، عن ملابسات تمرير بعض المواد المثيرة للجدل في الدستور المصري الجديد، فيصف الأمر بطريقة يُفهم منها أن الأعضاء المسيحيين والعلمانيين في الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور قد تعرضوا للخداع من قِبل الإسلاميين، ويتباهى بوجود قيود كاملة لم توجد في أي دستور مصري سابق، وبالطبع تم تمريرها بالمكر والدهاء والفهلوة، كما يُستشف من كلامه.
ويعرف الإيرانيون أكثر من غيرهم كيف وقعوا في فخ الملالي حتى أصبح خروجهم منه دونه أنهار من الدماء، ويبدو أن المصريين يكتشفون يوماً بعد آخر أساليب جديدة للخداع من قِبل تيار الإسلام السياسي. ولأن أفضل شيء في الكارثة هو عدم وقوعها، فإن الأمل معقود على بقية الشعوب العربية التي لم تجرّب الإسلاميين بعد أن تضع هذه الشواهد نصب أعينها، وأن تنظر إلى هذه الجماعات نظرة سياسية بحتة، ودنيوية خالصة، منزوع منها دسم الورع والتقوى والوفاء بالعهد.