جريدة الجرائد

القمة الخليجية: تطلعات وآراء

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

أسعد عبد الرحمن

لطالما كانت الوحدة العربية هدفاً وحلماً سامياً يراود كثيرين من العرب على اختلاف مشاربهم السياسية ومعتقداتهم ومذاهبهم، أساسها دمج جميع أو بعض الأقطار العربية في إطار سياسي واقتصادي واحد يزيل الحدود بين الدول، وينشئ دولة قوية اقتصادياً وبشرياً وعسكرياً. وإن كان "الاتحاد الأوروبي"، قد ضم دولاً ذات لغات عدة واثنيات مختلفة، وأصبح من أنجح تجارب الوحدة، بعد أن تأسس على مبادئ نقل صلاحيات الدول القومية إلى المؤسسات الإقليمية الأوروبية، بوجود سوق موحد ذي عملة واحدة هي اليورو... فإن الأولى بنا الحديث عن نجاح تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة، وما تشهده من نقلة نوعية وما حققته من إنجازات سياسية واقتصادية وثقافية على المستويين العربي والعالمي خلال41 عاماً، حيث استطاعت أن تتخطى العقبات بسلاسة أثبتت فعالية معنى الوحدة.

وفي الأسبوع الماضي، اختتمت في المنامة قمة مجلس دول مجلس التعاون الخليجي الـ 33، التي صادقت على قرارات مجلس الدفاع المشترك، وبارَكَت إنشاء قيادة عسكرية موحّدة تقوم بالتنسيق والتخطيط والقيادة للقوات البرية والبحرية والجوية. كما أقرت الاتفاقية الأمنية لدول المجلس بصيغتها المعدّلة التي أقرها وزراء الداخلية في نوفمبر الماضي. وأكدت القمة الالتزام بتطبيق قرارات المجلس الأعلى المتعلقة بالتكامل الخليجي في جميع المجالات، لاسيما الالتزام بالجدول الزمني لإنشاء السوق الخليجية المشتركة والعمل على إزالة المعوقات التي تعترض تطبيق الاتحاد الجمركي. بل إن القمة كلفت لجنة التعاون المالي والاقتصادي بتقديم برامج عملية وفق جداول زمنية للانتقال إلى آفاق أرحب للتكامل والاندماج الاقتصادي بين دول المجلس. وهذه التوجهات تعني أن جل الاتفاقيات تصب في خانة الوحدة العضوية الكاملة بين دول مجلس التعاون الست، وهو ما تبين جلياً في إشادة القمة بمبادرة العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز للانتقال من مرحلة "التعاون" إلى مرحلة "الاتحاد"، لتشكل دول مجلس التعاون كياناً واحداً "يحقق الخير والتكامل، وذلك استجابة لتطلعات مواطني دول المجلس ومواجهة التحديات التي تواجهها". وقد أكد ولي العهد السعودي الذي رأس وفد المملكة في القمة أن "الجهود التي ستبذل في الفترة المقبلة ستدفع بمسيرة المجلس نحو الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد"، وعبّر عن أمله في "أن تتبنى دول الخليج الإعلان عن الاتحاد الخليجي في قمة الرياض المقبلة".





ذلك جانب من طروحات المسؤولين الذين شاركوا في القمة. أما على صعيد عصف الأفكار بين الأكاديميين، فمما يجدر تذكره، أنه بالتزامن مع ذكرى صدورها الـ "43"، نظمت جريدة "الاتحاد" الإماراتية منتداها السنوي السابع في أكتوبر الماضي، والذي حمل عنوان "المشهد العربي... ومسارات التحول". يومها ناقش "المنتدى"، على مدار جلستين، محورين رئيسين؛ أولهما يتعلق بمشهد التغيير في العالم العربي، وما يتضمنه من تحديات، تتمثل في المراحل الانتقالية التي مرت ولا تزال تمر بها دول مثل تونس ومصر وليبيا، فيما سلطت الجلسة الثانية، الضوء على فكرة الاتحاد الخليجي، كأطروحة كان لها أصداء مهمة، ولا تزال تدور حول إمكانية تحقيقها، تساؤلات كثيرة تتعلق بالعقبات التي تحول دون تفعيلها، خاصة في ظل معطيات إقليمية ودولية يغلب عليها الاضطراب بقوة الحراكات التي يشهدها العالم العربي.

فكرة الوحدة الخليجية، التي تطرح اليوم، في ظرف تموج خلال المنطقة بتقلبات سياسية، تواجه في أوساط الأكاديميين البارزين اختلافاً في وجهات النظر بين متحمس ومطالب بالتريث. فبحسب بعضهم، فإنه رغم الانتقادات الموجهة لمجلس التعاون الخليجي، لكن يُحسب له بقاؤه وصموده في وجه التحولات العاصفة في المنطقة، ومع ذلك فمن غير الواقعي أن نتوقع قيام وحدة اندماجية خليجية في المرحلة الحالية، ذلك أنه رغم صدق النوايا وراء دعوات الوحدة الخليجية، إلا أنها تتعارض مع معطيات واقع فعلي تجعل من تحقيقها مسألة صعبة للغاية في وقتنا الحالي على الأقل.

لكن أكاديمياً مثل الدكتور صالح عبد الرحمن المانع، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك سعود، تعرض في "المنتدى" لجملة من الآراء التي رحبت بفكرة الوحدة الخليجية، وتلك التي دعت للتريث في طرحها، حيث تطرق في ورقته للبيئة الأمنية والاستراتيجية التي تمر بها المنطقة في الوقت الراهن، طارحاً تصنيفين لموقف الخليجيين من فكرة الوحدة الخليجية: أحدهما يتسم بالحماسة، والآخر يدعو إلى التريث في التعامل مع الفكرة، فهناك من انتقد الانتقال السريع من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، معتبراً بأنّ "مجلس التعاون لم يُكمل بعد مستلزمات التعاون بعد اثنين وثلاثين عاماً من إنشائه". وفي هذا السياق، يعرض المانع لآراء تقول إن "الوحدة الاقتصادية في مجلس التعاون، قد تعثَّرت، وكذلك الحال في تبنِّي العملة الموحدة والسوق المشتركة"، مشيرا إلى مقولة لأحد الوزراء الخليجيين تنص على أن "التحول في ذاته يمثل عقبة من العقبات التي يصعب حلها". وهكذا يتوصل المانع إلى نتيجة تتمثل في أن "حساسيات السيادة الخاصة بكل دولة من دول المجلس الست، ربما تقف في وجه محاولات التكتل الجماعية. كما أن الطبقة السياسية في بعض الدول الأعضاء تخشى من أعباء إدارة كيان سياسي واقتصادي واسع في ظل تباين المصالح والاعتبارات الوطنية بين الدول الأعضاء".

الوحدة العربية مطلوبة سواء بمعناها الشمولي أو "المناطقي". وهي هنا بين ست دول خليجية ترى أن وحدتها باتت مطلباً مُلحاً للعديد من الأسباب السياسية والعسكرية والاقتصادية. وهذا المطلب يستهوي كل دول المجلس ولو بدرجات متفاوتة، الأمر الذي يؤكد أنه ليس ضرورياً أن تكون الوحدة كاملة أو فيدرالية، ذلك أن المسألة الضرورية تتجسد في المثابرة على الارتقاء، ولو ببطء، من حالة "التعاون" إلى حالة "الوحدة".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف