هل أصبحت الديمقراطية مرادفة للطوائفية؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عصام نعمان
الحياة مجموعة معاملات ومقدسات . المعاملات هي القاعدة بينما المقدسات هي الاستثناء، بمعنى أن المعاملات ترتيبات دنيوية لحياتنا اليومية ونسجيها الاجتماعي، بينما المقدسات ضوابط إلهية لإيماننا الديني وممارستها تتسم بخصوصية وطابع استثنائي .
في الدين، ثمة مقدسات ومعاملات . الإسلام دين وبالتالي ينطوي على مقدسات ومعاملات . السياسة في الإسلام ليست من المقدسات بل هي من المعاملات . وإذا كانت المقدسات تتصل بالمطلق الذي هو الله تعالى، فإن السياسة تتصل بمفردات الحياة الدنيوية، وبالتالي هي عرضة دائماً للتحوّل والتغيّر .
يرفع بعض الإسلاميين شعار ldquo;الإسلام هو الحلrdquo; . يبتغون من ورائه إضفاء قداسة وrdquo;مطلقيةrdquo; على مفاهيم ونظريات ينسبونها إلى الإسلام لتسهيل فرضها على المجتمع والدولة، ولتحصينها ضد النقد، ولاسيما ضد ناقديها غير الإسلاميين .
الإسلام السياسي، بما هو مجموعة دعاة وناشطين ينادون بمفاهيم ونُظُم ومعاملات ينسبونها إلى الدين الحنيف، ليس هو الحل المطلق وليس، على الأقل، الحل الدائم . ذلك أن ما ينادي به دعاته من مفاهيم ونظم ومعاملات تبقى مرهونة بشروطها الزمانية والمكانية، أي بالظروف الموضوعية السائدة، فتكون بالتالي عرضة للتحوّل والتغيّر .
نقع في حاضرنا، إلى جانب الإسلام السياسي ودعاته، على بعض الديمقراطيين الذين يرفعون شعار ldquo;الديمقراطية هي الحلrdquo; . هم يبتغون، شأن غرمائهم من الإسلاميين، إضفاء ldquo;مطلقيةrdquo; وديمومة ثابتة على الديمقراطية بما هي مجموعة مبادئ ومفاهيم ومؤسسات ونظم سياسية . والحال أن الديمقراطية كمنتَج دنيوي اجتماعي، مرهونة هي الأخرى بشروطها الزمانية والمكانية، أي بالظروف الموضوعية السائدة، فتكون بالتالي عرضة للتحوّل والتغيّر .
الإصلاح السياسي والاجتماعي ودعاته يعانون في عالم العرب، ولاسيما في البلدان التي عصفت بها حراكات ldquo;الربيع العربيrdquo;، من المتعصبين لمقولة ldquo;الإسلام هو الحلrdquo;، ومقولة ldquo;الديمقراطية هي الحلrdquo; وانغلاقهم عليهما، ما يعطّل الحوار بين الفريقين، بل الحوار الوطني العام، ويفسد عملية المفاضلة العلمية والموضوعية بين شتى المقولات والمفاهيم والنُظُم .
تواكب حالة ldquo;الحل الدائمrdquo;، سواء كان إسلامياً أو ديمقراطياً، ظاهرتان مَرَضيتان: الأولى، رفض الآخر المختلف ومحاولة تهميشه وحتى إلغائه . والثانية، تحوّل الديمقراطية إلى مرادف للطوائفية .
رفض الآخر حال مزمنة في تاريخ العرب السياسي والاجتماعي، فالآخر المختلف هو، في معظم الأحيان، غريم أو عدو . ثمة حاجة ملحّة إلى درس هذه الظاهرة المدمرة بغية الإحاطة بأسبابها ومسبباتها وصولاً إلى معالجتها . بوجودها واستمرارها لا فعالية أخلاقية وإصلاحية للإسلام أو للديمقراطية . الإسلام يدعو إلى الأخوة بين المؤمنين، فأي جدوى وفعالية لنظام سياسي إسلامي يقوم على جمهرة من الحكام والمحكومين المترعين بالعدواة والبغضاء؟ والديمقراطية تدعو إلى تنظيم التعددية على قواعد الحرية والمساواة أمام القانون، فأي جدوى وفعالية لنظام ديمقراطي يقوم على جمهرة من الحكام والمحكومين يمارسون التمييز العرقي أو الديني أو الاجتماعي ضد بعضهم بعضاً؟
الظاهرة الثانية، تحوّل الديمقراطية مرادفاً للطوائفية، ينطوي على خطورة بالغة، ذلك أن نشطاء الحراكات السياسية والاجتماعية ضد أنظمة الاستبداد قد استخدموا الديمقراطية في بعض البدان العربية على نحوٍ أدى خلال عملية الهدم كما البناء، إلى تصدّع المجتمع السياسي وتفككه . ففي العراق، تدخلت سلطة الاحتلال الأمريكي في ما أسمته ldquo;العملية السياسيةrdquo; على نحوٍ أدى إلى ldquo;إيقاظrdquo; مكوّنات المجتمع الأهلي وتفعيلها . والمؤسف ان القوى المناهضة للاستبداد انجرفت خلال الصراع على السلطة في حمأة التدخلات الأمريكية التقسيمية، الأمر الذي أدى إلى ldquo;إنضاجrdquo; عملية تفكيك المجتمع الاهلي إلى مكوّناته الأولى: الطائفية والمذهبية والقبلية والإثنية . ولا غلو في القول إن العراق مهدد حالياً بتقسيمه إلى ثلاث دويلات: كردية في الشمال، وسنيّة في الوسط، وشيعية في الجنوب .
في سوريا، تجري عملية مماثلة لما جرى ويجري في العراق، فالتدخلات الخارجية، الإقليمية والدولية، أسهمت في تفكيك المجتمع الأهلي، وخصوصاً من خلال أنشطة المجموعات السلفية المسلحة التي تعادي كل من لا يشاطرها طروحاتها المذهبية والسياسية، ولا سيما ما يتعلق منها بإقامة إمارات إسلامية منفصلة عن جسم الدولة السورية .
في مصر التي لم تعرف في تاريخها المعاصر صراعاً طائفياً، انزلقت تدريجاً إلى لون من ألوان الطوائفية نتيجة الصراعات الحادة التي عصفت بمجتمعها الأهلي بعد ثورة 25 يناير . صحيح أن للتدخلات الخارجية إسهاماً في توليد ظاهرة الطوائفية، لكنّ لسلوكية قيادات الفئات السياسية المتصارعة دوراً فاعلاً أيضاً في بلورتها . ولعل الجانب الأسوأ للطوائفية ذلك المتعلق بالتمييز ضد الأقباط، وهو تمييز يمارس على صعيد الحكام كما على صعيد المحكومين .
في لبنان، الطائفية ظاهرة مزمنة، لكن تزايد التدخلات الخارجية من جهة، وسوء إدارة أركان الشبكة السياسية للبلاد وفسادهم، من جهة أخرى، طوّرت الطائفية إلى حالة طوائفية، وليس أدل على ذلك من قيام عدة كتل برلمانية بتأييد مشروع قانون للانتخابات يدعو إلى أن ينتخب الناخبون في كل طائفة من طوائف لبنان ال 18 نواب طائفتهم بأنفسهم وبمعزل عن نواب الطوائف الأخرى، الأمر الذي قد يؤدي إلى قيام نظام كانتونات طوائفي .
في اليمن، تحتدم الصراعات الأهلية على نحوٍ أدى إلى إحداث تصدعات في المجتمع السياسي وبالتالي إلى تقوية الاتجاه المدعوم خارجياً، الداعي إلى قيام نظام سياسي كونفيدرالي على أسس طوائفية قبلية ومناطقية .
إلى ذلك، تقتضي الإشارة إلى أن الديمقراطية نجحت، بصورة عامة، في البلدان التي توافرت فيها ثلاثة شروط أساسية: التحرر من قوى الخارج والحرية في الداخل، ومستوى عالٍ من الوعي والمعرفة لدى مواطنيها، ومستوى مقبول من المعيشة اللائقة في مجتمعاتها . فلا ديمقراطية مع وجود سلطة مستعمِرة، ولا ديمقراطية مع الأميّة والتخلف، ولا ديمقراطية مع الفقر وشظف العيش .
أين العرب من هذه الشروط الثلاثة؟