باراك حسين أوباما الثاني
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عبدالله إسكندر
قد يكون الرئيس باراك أوباما خيّب آمالاً كانت تراهن، خصوصاً في منطقتنا، على أن ولايته الثانية ستكون متحررة من هواجس انتخابية مقبلة وأنه سيدفع في اتجاه سياسة خارجية تستجيب الطموحات التي أعلنها في خطاب القسم لولايته الأولى قبل أربع سنوات وبعدها في مناسبات لاحقة.
لكن خطاب القسم للرئيس باراك حسين أوباما في مطلع ولايته الثانية، والأخيرة، عكس هواجس وهموماً مغايرة تماماً لتلك الآمال. لقد ركز خطابه على مبادئ تتناول الشأن الداخلي الأميركي، مع إشارة إلى كيفية نظرته إلى السلام في العالم، بما يحدد الدور الأميركي كمساهم في هذا السلام. وهذا الدور هو الذي أملى عليه، ربما، الإشادة بما فعلته قوات بلاده في العالم لـ "حماية الأمن الأميركي". بما يضع نظرته إلى الدور العسكري لبلاده في إطار هذا الدور فحسب.
ويبقى أن الغالب في الخطاب هو التركيز على تلك القضايا الأساسية التي تشغل اليسار الديموقراطي في الولايات المتحدة، مثل العدالة والمساواة والمثلية الجنسية والحقوق والبيئة. وبهذا سعى أوباما إلى تشكيل صورة تاريخية لنفسه بين الرؤساء الأميركيين. وربما هذا هو الهاجس الأساسي لهذه الولاية الثانية لأول رئيس أميركي من أصل أفريقي.
وإذا كان هذا هو البرنامج الداخلي المعلن، فإن الإشارات التي يمكن فهمها من خلال التعيينات في مواقع إدارة السياسة الخارجية توحي بأن الدور الأميركي سيكون أقل اندفاعاً من الولاية الأولى، خصوصاً في منطقتنا.
وقد تكون هذه الاستنتاجات قد فهمتها الأطراف الإقليمية، خصوصاً إسرائيل وإيران، من خلال التعامل مع إدارة أوباما في الولاية الأولى ومن خلال حملته الانتخابية.
لقد حصّن بنيامين نتانياهو نفسه بأوسع ائتلاف يميني - استيطاني تشهده الدولة العبرية، بما يتيح له التحرر من كل "هواجس السلام" لدى الإدارة الثانية لأوباما. وليتحول تصور حل الدولتين، في الحكومة الإسرائيلية التي أفرزتها انتخابات الأمس، والذي روجت له الإدارة الأميركية وراهنت عليه، إلى هجوم استيطاني لا سابق له يقضي على أي احتمال ليس لإقامة دولة فلسطينية فقط وإنما على أي احتمال لقدرة السلطة الفلسطينية على الاستمرار.
كما أن مثل هذه الحكومة الإسرائيلية المغالية في تطرفها تحصّن نتانياهو إزاء أي قرار آحادي في شأن الملف النووي الإيراني. بما يخرجها من التزامات ما قد يتم التوصل إليه في إطار مفاوضات "5+1"، خصوصاً لجهة مقايضات ما بين خطوات البرنامج الإيراني والعقوبات الدولية.
كما أن إيران التي باتت تربط بين ملفها النووي والأزمة السورية استفادت من كل الوقت المستقطع في الشهور السابقة من أجل تثبيت قدميها على مستوى الأزمتين. وهي تدرك، رغم حماسة لفظية أميركية، أن أوباما الذي شغله في ولايته الأولى ضمان الانسحاب الآمن من العراق ومن ثم أفغانستان، ووقوعهما تالياً في دائرة الهيمنة الإيرانية، لن يكون متحمساً لإرسال قوات مجدداً إلى منطقة الخليج لمحاربتها. لا بل تتوقع أن دعواته السلمية ستنعكس تطويلاً على مفاوضات "5+1" والامتناع عن تحديد سقف زمني لها. كما ستنعكس امتناعاً عن تدخل مماثل في سورية، وربما العمل لمنع تدخل آخرين، بما يعطي دفعة للحل الأمني الذي يمارسه النظام السوري ضد المعارضين.
أدرك أوباما أن الولايات المتحدة منهكة بعد الحروب الفاشلة والمكلفة التي شنها سلفه الجمهوري جورج بوش والتي سعى إلى معالجة آثارها في ولايته الأولى، وأن الاقتصاد الأميركي شهد أسوأ أزماته في العقود الأخيرة، وأن معدلات البطالة والفقر بلغت مستويات قياسية، وأن التفاوت الاجتماعي والاقتصادي يزداد كثيراً، وأن فئات أميركية تُدفع إلى التهميش. وأراد أوباما، في مطلع ولايته الثانية، أن يخاطب الأميركيين الذين يعانون آثار هذه الأزمات، وأن تحمل هذه المخاطبة طابعاً تاريخياً.