جريدة الجرائد

حرب مالي.. والسياسة الجزائرية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

خيرالله خيرالله

تبدو ازمة مالي متجهة الى مزيد من التصعيد والتعقيد، خصوصا ان المنطقة التي تحولت مسرحا لهذه الحرب شاسعة. لا تزال حرب مالي في بدايتها. الثابت أنها تحوّلت حربا اقليمية بعدما دخلتها الجزائر من البوابة التي لم تخطر على بال المسؤولين فيها. انّها بوابة احتجاز رهائن اجنبية وجزائرية على يد ارهابيين في حقل للغاز داخل اراضيها.
الملفت أنها المرة الاولى التي يقع فيها حادث بهذا الحجم في منطقة جزائرية غنية بالنفط والغاز. طوال المواجهات بين الجيش الجزائري والارهابيين التي امتدت الى ما يزيد على عشر سنوات في التسعينات من القرن الماضي، لم يتعرض اي طرف للنفط والغاز الجزائريين!
ما الذي طرأ في السنة 2013 وما الذي يمكن تعلمه من درس احتجاز الارهابيين لجزائريين واجانب في حقل الغاز الواقع في عين اميناس (ان اميناس)؟
اذا وضعنا جانبا تسرع السلطات الجزائرية في شن عملية عسكرية بهدف اطلاق الرهائن والنتائج المؤلمة التي ترتبت على ذلك، فإنّ اول ما يتبادر الى الذهن سؤال بديهي: كيف يمكن للسلطات الجزائرية تجاهل احتمال تمدد الارهاب في اتجاه اراضيها بمجرد بدء العملية الفرنسية في مالي؟ كيف يمكن لدولة مثل الجزائر عانت طويلا من الارهاب والارهابيين التغاضي عن قدرة هؤلاء على التسلل الى اراضيها وحقل الغاز في عين اميناس، خصوصا في ضوء حال الانفلات التي تمرّ فيها ليبيا؟
يظهر أنّ السلطات الجزائرية لم تقدّر انعكاسات العملية العسكرية الفرنسية في مالي. دعت طويلا الى تفادي اي مواجهات عسكرية في هذا البلد، على الرغم من تقدم المتطرفين في غير اتجاه. ولكن عندما بدأ التدخل العسكري الفرنسي، الذي يمكن فهم دوافعه، سمحت الجزائر لفرنسا باستخدام مجالها الجوي في اطار العملية العسكرية التي باشرتها.
استخفت الجزائر، في ما يبدو، بقدرة الارهابيين الذين يسيطرون على جزء من الاراضي المالية على الرد على تلك العملية الفرنسية، علما بأن هناك ديبلوماسيين جزائريين ما زالوا في يد هؤلاء الارهابيين منذ اشهر عدة، اي منذ نيسان- ابريل 2012 تاريخ استيلاء المتطرفين على مدينة غاو في شمال مالي واقتحامهم القنصلية الجزائرية.
كشفت عملية احتجاز الرهائن في عين اميناس، أوّل ما كشفت، الحاجة الى نظرة شاملة للامن في المنطقة الصحراوية، التي تسمّى منطقة الساحل، الممتدة من موريتانيا وصولا الى البحر الاحمر جنوب السودان. لا يمكن عزل ما يدور في مالي عمّا تشهده تلك المنطقة من تطورات متسارعة شملت انتشار الارهابيين المنتمين الى "القاعدة" فيها.
ربما كان في استطاعة الجزائر أن تعتبر نفسها في الماضي قوة اقليمية قادرة على الاستغناء عن التعاون الاقليمي في مواجهة الارهاب. من هذا المنطلق، كانت الجزائر تسمح لنفسها بشن حرب لا هوادة فيها على التطرف داخل اراضيها، وهي محقة في ذلك، وأن تتصرف خارج اراضيها بطريقة مختلفة. بكلام اوضح، كان الارهابي داخل الجزائر يستأهل القتل، فيما الارهابي خارج الجزائر مرحب به ما دام يعمل على ضرب الاستقرار في هذه الدولة الجارة او تلك، خصوصا في المغرب.
كلّ ما يمكن قوله في السنة 2013 ان المعطيات الاقليمية تغيّرت جذريا. ليبيا التي عرفناها لم تعد موجودة. على العكس من ذلك، صارت هناك مجموعات ارهابية تسرح وتمرح في الاراضي الليبية. ونظرا الى أن الحدود الليبية الجزائرية طويلة ولا سيطرة لأيّ جهة عليها، كان طبيعيا أن يأتي الارهابيون الذين احتجزوا الرهائن في عين اميناس من الاراضي الليبية. وما ينطبق على ليبيا ينطبق على تونس ايضا التي تعاني من تفكك للسلطة المركزية ووضع اجتماعي مقبل على مزيد من التدهور.
اكثر من ذلك، ان مالي، التي كانت في الماضي موضع رعاية جزائرية خاصة، صارت خطرا مباشرا على الجزائر...في حين ليس ما يشير الى أنّ موريتانيا ستستعيد مكانتها السابقة كدولة مركزية قوية، خصوصا في ضوء الحادث الغامض الذي تعرّض له الرئيس محمد عبدالعزيز الذي لم يستعد بعد كلّ عافيته، لا هو ولا نظامه. ولدى التطرق الى مدى الاهتمام الجزائري بمالي، تكفي الاشارة الى أنّ الجزائر كانت تضع في باماكو ديبلوماسيين استثنائيين سبق ان خدموا كسفراء في طهران وبيروت والرياض ولندن. وهذا يفسّر مدى اهمية مالي لها، خصوصا العلاقة التي تربطها بالطوارق الذين يمثلون جزءا مهما من التركيبة السكانية في هذا البلد.
بغض النظر عن العملية العسكرية الفرنسية في مالي وما اذا كان هناك اي امل باجتثاث الارهاب من هذا البلد، يظلّ أن الجزائر في حاجة الى اعادة النظر في سياستها التقليدية. كانت هذه السياسة تقوم على استبعاد المغرب من ايّ مشاركة حقيقية في الحرب على الارهاب وعلى استخدام الارهاب وما يسمّى قضية الصحراء لابتزاز الرباط.
ما حصل في حقل الغاز الجزائري نقطة تحوّل. هناك معطيات تغيّرت في المنطقة كلها. ما كان مقبولا في الماضي لم يعد مستساغا الآن. هل في استطاعة الجزائر أن تتغيّر وأن تتجاوز عقد الماضي التي بقيت اسيرة لها؟ المسألة مرتبطة بكل بساطة بالاعتراف بأن الحرب على الارهاب تحتاج الى تعاون بين كلّ دول المنطقة وأنه لم يعد طبيعيا محاربة الارهاب في الداخل والتغاضي عنه خارج الحدود الجزائرية...مثل هذه السياسة، التي تشبه في بعض جوانبها سياسة النظام السوري وتصرّفاته، تنتمي الى ماض عفا عنه الزمن. انه ماض لا بدّ من الاعتراف بأنّ لا مجال لاستعادته في ايّ شكل من الاشكال وفي أيّ ظرف من الظروف...

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف