جريدة الجرائد

تونس مُصدقة قصص «الحب في بلاد الشام»... لكن لا أثر لـ«الفتيات العائدات من الجهاد»

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

تونس - حازم الأمين

"أيها العشاق في شارع الحبيب بورقيبة... لا، ليس حباً ما ذهبت بناتنا للإتيان به في سورية! ثمة من أقدم على كِرائهن وإرسالهن الى هناك". هذه العبارة هي جملة من خطاب كامل ألقاه كهل ثمل بعد منتصف الليل على العابرين في شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة التونسية، وفي مقابل وزارة الداخلية التي كان الوزير فيها قد فجر قنبلة "الفتيات المئة التونسيات العائدات من جهاد النكاح"!

خطاب الوزير لطفي بن جدو أمام الجمعية التأسيسية التونسية الذي تطرق فيه لـ "جهاد النكاح" قبل نحو ثلاثة أسابيع استدعى تقاطر عشرات وسائل الإعلام العالمية الى تونس، وباشرت فرقها منذ ذلك الوقت البحث عن "نساء جهاد النكاح"، وحتى الآن لا أثر لواحدة منهن. لكن الصحيح أيضاً أن ثمة أثراً، هو طيف الشابة لميا التي أوردت صحيفة تونسية قصتها المتمثلة في ذهابها الى سورية وعودتها حاملاً لجنين ولفيروس الإيدز. إنها هناك حبيسة منزلها في مدينة بنزرت في أقصى الشمال التونسي. إذاً الى بنزرت أيها الصحافيون بحثاً عن لميا التي صار العالم كله يعرفها... لكن، لا أثر لـ "لميا".

الجمعيات النسائية، في معظمها، جزء من الإنقسام السياسي، وهي ترغب في أن يكون كلام الوزير صحيحاً، وبما أن لا قرائن صلبة تؤكده، فإن الصمت أبلغ، إذ أن الكلام في هذه الحال سيكون في مصلحة حركة النهضة الإسلامية، الخصم التقليدي للجمعيات، والمتهمة بتسهيل توجه التونسيين الى "الجهاد" في سورية.

أمام مسجد الفاتح في العاصمة حيث كان يُصلي "أبو عياض" أمير جماعة أنصار الشريعة المنحلة، وقف أحمد، الداعية السلفي حائراً في السؤال عن فتوى "النكاح". قال: "نحن نصطحب زوجاتنا الى سورية، أو نتزوج هناك من سوريات. هذا ما فعلناه في العراق وفي أفغانستان".

ولكن لماذا قال الوزير ما قاله؟ التفسير في ظل غياب أي دليل على كلامه حتى الآن هو أنه وفي يوم انعقاد جلسة الجمعية التأسيسية كان من المفترض أن يطرح موضوع التقرير الأميركي حول إبلاغ وزارة الداخلية عن نية لاغتيال المعارض محمد البراهيمي قبل 11 يوماً من مقتله باطلاق النار عليه، وعلى رغم ذلك لم تتخذ الوزارة أي إجراء حول الموضوع، فما كان من الوزير إلا أن رمى بقنبلة "المئة الشابة التونسيات اللواتي عدنا من سورية حاملات". حركة النهضة قبلت بقنبلة بن جدو مفضلة تجرع كأس "جهاد النكاح" تجنباً لفضيحة كانت لتجعل من حكومتها طرفاً في عملية اغتيال المعارض البراهيمي.

والفضيحة التي دفعها الوزير عن وزارته عبر حكاية "جهاد النكاح" ستستبدل بفضيحة أخرى إذا لم يسعَ الوزير إلى تفاديها. فالحديث عن مئة شابة عدن من سورية حاملات أجنة، لن يمر مرور الكرام إذا لم يكن صحيحاً، ومن المتوقع أن تظهر نساء قليلات قريباً يغطين فضيحة الوزير المحتملة على ما يُرجح مراقبون هنا، وبن جدو بادر الى تخفيض الرقم في حديث لوسيلة إعلام فرنسية، قال فيه أن لديه 15 حالة موثقة.

الصحافيون المتقاطرون الى تونس، وفي ظل تقاعس وسطائهم المحليين عن إيجاد حالة واحدة من المئة حالة التي تحدث عنها الوزير، باشروا بحثاً عن أصل حكاية جهاد النكاح. الداعية محمد العريفي الذي نُسبت فتوى "جهاد النكاح" اليه نفى أن يكون قد أصدر هذه الفتوى، والفرق الفنية لوسائل الإعلام العالمية، وتجنباً لبطالة مقنعة أثناء إقامة أعضائها في تونس، تأكدت من أن التغريدة على "تويتر" التي نسبت للعريفي يفوق عدد كلماتها ما يتيحه "تويتر" في التغريدة الواحدة. إذاً هي مزورة. الخبر الأول عن "جهاد النكاح" بثته قناة تلفزيونية لبنانية قريبة من النظام في سورية.

تونس مصدقة حكاية "جهاد النكاح". الجميع هنا يعرف أن الحكومة أتاحت لآلاف الشباب التوجه لـ "الجهاد" في سورية، فما الذي يمنع من توجه شابات. ثم أن ثمة ما يُغري الخيال في حكاية هؤلاء الفتيات، وتونس خيالها خصب، وهي في ظل حكم حركة النهضة ضَجرة من رتابة الوجوه "الإخوانية". ثم أن حكاية بيع متعة في ظل تنظيم "القاعدة" و "دولة العراق والشام" مسألة فائقة الإثارة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف