هل تنسف معركة القلمون مبررات «جنيف 2»؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
إياد أبو شقرا
أي المواقف نصدق؟ وهل يمكن الرهان على العهود؟
خلال ساعات كرر الرئيس السوري بشار الأسد كلاما يوحي بأن لا جديد لديه على صعيد إنهاء معاناة الشعب السوري عبر قوله البليغ إنه لا يرى ما يمنع ترشحه مجددا للانتخابات الرئاسية المقبلة، وقال وزير الخارجية الأميركي جون كيري إن "جنيف 2" يأتي لتطبيق مقررات "جنيف 1".. وهذا يعني سلطة انتقالية لها دور فاعل ولا مكان لرئيس فعل ما فعله الأسد بشعبه وبلده.
في أي دولة في العالم، يستقيل الرئيس - التنفيذي - أحيانا إذا ما قصرت حكومته في التعامل مع كارثة طبيعية أو مع فضيحة أخلاقية لأحد أعضاء الحكومة.. والاستقالات كثيرة في تاريخ الديمقراطيات الأوروبية، ويذكر أنه في بريطانيا كاد هارولد ماكميلان يستقيل مع حكومته بسبب فضيحة وزير دفاع (جون بروفيومو) كان على علاقة مع فتاة هوى كانت في الوقت نفسه على علاقة بمسؤول أمني روسي.
القصد أن الرئيس مسؤول - على الأقل - معنويا عما يصيب بلده، أو عن أخطاء وزرائه ومستشاريه، فكيف إذا كان هو من يصدر الأوامر لقصف المدن وإرسال "الشبيحة" لقتل المواطنين وتهجيرهم وتجويعهم وتدمير بيوتهم. لكننا هنا نصل إلى موضوع حساس لا يجوز التقليل من شأنه.
هل بشار الأسد حقا في موقع المسؤولية؟ هل هو من يخطط وينسق وينفذ؟ هل هو من يدير المعارك.. وقبلها، يعرف لماذا تخاض؟
جون كيري، شخصيا وعلنا، قال بالأمس إن جيش الأسد ما كان ليصمد لولا دعم مقاتلي "حزب الله" والميليشيات العراقية الشيعية. والقاصي والداني يعرفان دور "الحرس الثوري" الإيراني في القتال الدائر في سوريا، بل إن السيد حسن نصر الله، الأمين العام لـ"حزب الله"، له تصريح شهير قال فيه - بفخر - إنه يعتز بكونه جنديا في جيش "الولي الفقيه".. مما يعني أنه ينفذ أوامر، وليس - بالتالي - صاحب الكلمة النهائية، في زج ألوف الشبان الشيعة اللبنانيين في معارك العمق السوري.
تطورات الأيام الأخيرة تشير إلى معركة جديدة ذات أبعاد استراتيجية خطيرة موكلة إلى "حزب الله" والميليشيات العراقية عبر حدود لبنان الشرقية مع سوريا في منطقة القلمون.. أو سلسلة جبال لبنان الشرقية.
الجهة التي تدير معركة نظام الأسد، ومعها استعراضاته الإعلامية، تخطط الآن لتشديد ضغطها على ثوار المعارضة السورية و"الجيش الحر" والقوى الإسلامية التي تدعمه عبر تكثيف الهجوم المستمر على ضواحي دمشق الجنوبية لقطع طرق اتصالها بمنطقة حوران (درعا)، وشن هجوم واسع في الزبداني والقلمون بغرب دمشق وشمال غربها لقطع أي اتصال للثوار مع لبنان. ووفق التقارير الأخيرة جهز "حزب الله" نحو 15 ألف مقاتل لهذه المعركة التي ستكون لها، إذا قيض له كسبها، تداعيات في غاية الخطورة على الجيوب السكانية السنية المحاصرة في شمال شرقي لبنان.
النشاط الدبلوماسي - بما فيه "مؤتمر لندن" أمس، وجولة المفاوض الدولي الأخضر الإبراهيمي - يسير خطوة بخطوة مع تحضيرات نظام دمشق وأسياده لفرض واقع ميداني على الأرض. وكان الأسد قد شكك صراحة بالأمس في إمكانية انعقاد "جنيف 2".. وفي توصله إلى أي نتائج ملموسة إذا عقد!
وهذا الوضع الضبابي لا يمكن أن يشجع أي جهة حريصة على نهاية حقيقية لمحنة الشعب السوري.
إصرار واشنطن على القول بأنه لا حل عسكريا للأزمة.. تفسره طهران وموسكو وبكين ودمشق بأن واشنطن حريصة على "صفقة".. على غرار صفقة موضوع السلاح الكيماوي. وبناء عليه، تتحول الأزمة برمتها إلى مساومة على ثمن في "بازار"، وترضيات هنا وهناك على حساب مصير شعب وسيادة دولة ما عادت عمليا موجودة.
في المقابل، مطلوب من المعارضة السورية - الفعلية الحقيقية - التي لا تتفق فيما بينها إلا على مطلب إنهاء النظام، أن تأتي إلى جنيف من دون شروط!
لقد كررت قوى المعارضة منذ اندلعت الثورة الشعبية السلمية، في حينه، على أنها لا تريد أكثر من ذهاب الأسد وأعوانه المتورطين في القمع.. ولا تسعى مطلقا إلى تدمير بنية الدولة أو اجتثاث مؤسساتها. غير أن المجتمع الدولي، ممثلا بـ"أصدقاء" الأسد و"أصدقاء" سوريا المزعومين، تجاوز هذا الطلب وسمح للأسد ومحركيه وداعميه بتحويل النزاع إلى مجازر ضد المدنيين، ومن ثم أسس لنشوء بيئة حاضنة للقوى الجهادية والتكفيرية.
هذه الجماعات التي غدت الآن "ذريعة" المجتمع الدولي للإحجام عن الحسم، لم يطل بها المقام حتى توترت علاقتها ببيئتها الحاضنة في أماكن عدة من شمال سوريا وشرقها. والواقع أنه لولا قمع النظام ولعبه بصورة مفضوحة بالورقة الطائفية المذهبية لكانت الجماعات المذكورة خسرت كثيرا من الدعم في مناطق كثيرة أخرى من البلاد، بما فيها دمشق.
ميوعة الموقف الدولي، إذا استمرت، ستعطي طهران "الضوء الأخضر" لبدء معركة القلمون. ومن ثم، التعجيل بتنفيذ "سيناريو" الفرز الميداني الطائفي في لبنان، الذي هو الخاصرة الرخوة لسوريا، والسند الطائفي الرابط الجاهز لـ"سوريا الغربية" في حال سار مخطط التقسيم وفق رغبات بعض اللاعبين الإقليميين والدوليين. وإذا قسمت سوريا بالفعل، فلن تبقى هناك محظورات. لا لبنان بتوازنه الهش يستطيع أن "ينأى بنفسه" عن الواقع الجيو سياسي الجديد، ولا الأردن والعراق يمكن أن يتجاوزا التداعيات العقائدية والعصبية للفرز الطائفي. بل لا إسرائيل ولا تركيا ستتمكنان إلى ما لا نهاية من تحمل تبعات تغيير خارطة المنطقة وإهداء التشدد المذهبي زمام المبادرة.
في هذه الفترة فإن الثقة بجدية المقاربات الدولية، وبالأخص المقاربة الأميركية، متواضعة جدا في أوساط السوريين أولا، وعلى مستوى العالم العربي ثانيا. وإذا كان للدبلوماسية العربية اللباقة الكافية لتحاشي تسمية الحقائق بأسمائها، سيكون من الحكمة تحاشي المجتمع الدولي مواصلة الهروب إلى الأمام.
إسرائيل مرتاحة للاستقطاب التناحري السني الشيعي، وروسيا سعيدة بـ"مستنقع" المتشددين القوقازيين وإحراج أنقرة، وطهران مستفيدة من عرض عضلاتها وتقديمها أوراق اعتمادها إلى واشنطن بوصفها جزءا ضامنا للحل و"حليفا" موثوقا ومسؤولا إقليميا.
أما المجتمع الدولي.. فيبدو منشغلا بمن سيفوز بـ"نوبل السلام" في العام المقبل!