المتغيرات ومجلس التعاون
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يعقوب أحمد الشراح
في المشهد السياسي الخليجي يتفق الكثيرون أن المواطن في دول مجلس التعاون لا يشعر بالتكامل على كل الأصعدة بين دول المجلس رغم مرور عقود على إنشاء المجلس، وتمكن المجلس فيها من اكتساب تجارب سياسية وأمنية وعسكرية جعلته أكثر استعداداً وقدرة على تحمل أعباء المستقبل، وكذلك تمكن من الانتقال إلى نظام يفي باحتياجات الناس في المنطقة.
لكن الواقع ما زال يعكس أن كل دولة لها سياستها الخارجية، ونظامها الأمني وعملتها واقتصادياتها وتفردها في اتخاذ قرارات سياسية وغير ذلك من مسائل يفترض أن تتبلور في نظام موحد وتنسيق كامل يعبر عن توافق أو اتحاد، لا نقول يماثل ما هو قائم حالياً في الاتحاد الأوروبي، ولكن يقترب منه في الهدف والمضمون. بما يتلاءم مع ظروف المنطقة، خصوصا وأن عوامل الانصهار في كيان واحد متوافرة، وتشمل الجغرافيا والسكان والبيئة واللغة والدين والثقافة وغيرها.
لقد طرحت المملكة العربية السعودية فكرة الانتقال من التعاون إلى الاتحاد، خصوصاً أن السنوات التي مرت كانت كافية لبناء أساس صلب لهذا الاتحاد، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، فقد تباينت الآراء، وتعقدت الأمور على نحو لا يشجع على الرغبة في تطبيق فكرة الاتحاد الخليجي بسبب وجود بعض التباينات المحلية بين الدول الأعضاء في المجلس.
والسؤال المهم، لماذا التخلي عن فكرة الاتحاد إذا كان ذلك يشكل قوة مضاعفة ومكانة دولية وحماية لدوله؟ إن الاختلافات المحلية بين دول المجلس لا ينبغي أن تكون مبرراً لرفض الاتحاد كمشروع مستقبلي ضامن وقادر على التصدي للمخاطر الكثيرة التي تواجه دول مجلس التعاون الخليجي، خصوصا وأن هذه الدول دخلت في حروب، وتدخلات دولية، وما زالت تعاني من الارهاب والطائفية وتهديدات أمنية رغم أنها تتبع سياسات معتدلة، وتسعى للسلام والاستقرار.
إن الانتقال من التعاون إلى الاتحاد ليس بالضرورة يؤدي إلى ذوبان كل دولة أو التخلي عن خصوصياتها أمام الحاجة الملحة إلى تكامل عسكري وأمني واقتصادي وسياسي يجعل الاتحاد كياناً قوياً له دور مهم في الشأن الدولي، وصوت يعلو فيسمعه الآخرون. فدول مجلس التعاون ليست فقط دولاً تصدر النفط أو تسعى لها الدول للحصول على المعونات المالية، وإنما يجب أن تكون لها كلمة واحدة، ورأي موحد، وهدف واضح، ونظام مؤثر وفاعل في السياسة العالمية، خصوصا وأن النفط مورد ناضب، والأموال لن تدوم أمام المتغيرات العالمية التي تشكل مخاطر وتهديدات غير مسبوقة تتطلب التكامل على المستويات كافة، ليس فقط من أجل خلق مكانة ودور أكبر في المنظومة العالمية، وإنما أيضاً من أجل القدرة على الدفاع عن النفس، وصد الأخطار، وحماية المكتسبات. فالأصدقاء لن يكونوا أصدقاء إلى الأبد، كما أن الأعداء لن يظلوا أعداء إلى الأبد.. الواقع الدولي في حراكه وتحولاته مبني على المصالح، وبناء القدرات التي تمكن الدول من حماية نفسها، وفي الوقت نفسه تستطيع أن تتقدم وتزدهر. نتمنى جدية تفعيل دور مجلس التعاون، والانتقال به إلى نظام أكثر شمولية وفاعلية وقدرة على التصدي والاستمرار بما يتناسب مع المتغيرات المحلية والدولية.