جريدة الجرائد

أحمد فؤاد نجم... «الفاجومي» رحل عن 84 عاماً بين الشعر والسجون والثورات

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

القاهرة

سقط أحد أعمدة الشعر الرئيسة في مصر فجر أمس، برحيل الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم، بعد حياة استمرت 84 عاما، من دون إنذار.
رحل قبل أن يرى ثمار ثورة الثلاثين من يونيو، التي شارك فيها مثل غيرها من الثورات والانتفاضات السياسية والاجتماعية التي جعل فيها شعره سلاحا قويا يحارب به الفساد ويدافع به عن الفقراء. رحل بعد حياة لا يستطيع إنسان أن يمسك بها بين دفتي كتاب أو عمل درامي، فقط يظل الفاجومي يملكها كاملة، ونحن لا نملك سوى الحكايات التي كان يرويها لنا عن السجون والمعتقلات، عن الزعماء وضباط الشرطة، عن مواقفه مع رفيق دربه الشيخ إمام، نستمتع بالحكايات رغم ما يصاحبها من بعض الألفاظ الخادشة للحياء التي كان يطلقها كالقذائف في وجه المستمعين.
رحل "أبوالنجوم"، تاركا مئات البسطاء الذين كتب عنهم وكتب لهم يحملون نعشه بعد أن صلوا عليه صلاة الجنازة في مسجد "الحسين" ليدفن في مقابر "المجاورين".
الجثمان خرج من ذلك الحي الذي عاش فيه لسنوات طويلة في "حوش آدم" حتى أصبح جزءًا من تاريخ مصر الثقافي والسياسي لا يمكن أن ينكره أحد.
يذكر أن أحمد فؤاد نجم "23 مايو 1929 - 3 ديسمبر 2013" قد ولد لأم فلاحة أميّة من محافظة الشرقية، وأب يعمل ضابط شرطة وكان ضمن 17 ابنا لم يتبق منهم سوى 5، والسادس فقدته الأسرة ولم يره، التحق بكتّاب القرية كعادة أهل القرى في ذلك الزمن.


وأدت وفاة والده إلى انتقاله للعيش في بيت خاله بمدينة الزقازيق، والتحق بعد ذلك بملجأ أيتام العام 1936 ـ الذي قابل فيه عبدالحليم حافظ - ليخرج منه العام 1945 وعمره 17 عاما، بعد ذلك عاد لقريته للعمل راعيا للبهائم، ثم انتقل للقاهرة عند شقيقه إلا أنه طرده بعد ذلك ليعود إلى قريته.
وعمل نجم في معسكرات الجيش الإنكليزي متنقلا بين مهن كثيرة: كيَّاء، لاعب كرة، بائع، عامل بناء وترزي.
وفي الفترة ما بين 51 إلى 56، اشتغل عاملا في السكك الحديد. وبعد معركة السويس قررت الحكومة المصرية أن تستولي على القاعدة البريطانية الموجودة في منطقة القنال فانتقل للعمل في البريد، وفي العام 1959 الذي شهد الصدام الضاري بين السلطة واليسار في مصر على أثر أحداث العراق، انتقل الشاعر من البريد إلى النقل الميكانيكي في العباسية.
ويقول نجم: "وفي يوم لا يغيب عن ذاكرتي أخذوني مع أربعة آخرين من العمال المتهمين بالتحريض والمشاغبة إلى قسم البوليس، وهناك ضربنا بقسوة حتى مات أحد العمال، وبعد أن أعادونا إلى المصنع طلبوا إلينا أن نوقع إقرارا يقول إن العامل الذي مات كان مشاغبا وأنه قتل في مشاجرة مع أحد زملائه، ورفضت أن أوقع، فضربت ووجهت إليَّ تهمة الاختلاس، ووضعت في السجن 33 شهرا.
سيبقى أبوالنجوم دائما في ذاكراتنا وحكاياتنا سيرته لن تغيب، سينتظره الأصدقاء في "ميريت" ليجلس معهم على "الكنبة" العتيقة يتسامرون ويتناقشون، وينتظره رفقاء المظاهرات ليهتف معهم مطالبا بالحرية والديموقراطية، كأنه ابن العشرين، سينتظر المصريون كلماته التي كانت تبعث لهم الأمل حين يقول: "ليس هناك قوة على وجه الأرض تستطيع هزيمة الشعب المصري، ماتخافوش على مصر، ولا على ثورة مصر، وبالتالي ماتخافوش على قضية فلسطين، ولا على قضايا الوطن العربي كله، والمجد للشهداء".


قالوا... إن سفير الفقراء يغادر إلى الآخرة

مثقفون مصريون لـ "الراي": برحيله... ننعي الشعر لا الشاعر

القاهرة ـ من تامر الدريدي :
استيقظت مصر أمس، مبكرا، على خبر وفاة الشاعر أحمد فؤاد نجم، بعد أن تداولته مواقع التواصل الاجتماعي، وسادت حال من الحزن تبعها نشر لقصائده، عبر عنها العديد من المثقفين والسياسيين في كلمات قصيرة لـ"الراي".
وقال المرشح السابق لرئاسة الجمهورية حمدين صباحي،: "عمال وفلاحين وطلبة، يودعون صوتهم العفي النقي الجسور، وداعا يا شاعر الشعب أحمد فؤاد نجم"..
وقال القيادي في جبهة الإنقاذ الدكتور وحيد عبدالمجيد، إن الشاعر أحمد فؤاد نجم كان لسان حال الحركة الديموقراطية في مصر خلال نصف قرن. مشيرا إلى أنه عبر عن جوهر هذه الحركة ورؤيتها بأشعار ستظل خالدة للأبد، وأن الفاجومي ملأ حياة المصريين بالسعي للنضال من أجل حقوقهم.
الشاعر سيد حجاب، الذي كان على خصومة مع نجم انتهت قبل عام تقريبا، خرجت كلماته متلعثمة من فرط حزنه قائلا: "تقف كل العبارات عاجزة عن وصف نجم.. هو قال عن نفسه ما يمكن أن يقال، وقدم نفسه كما أراد، لم ينحن قط، ولم يعرف المهادنات، أحب مصر إلى حد الجنون، وهي أحبته فجعلته درة في قلوب أبنائها.. وداعا يا نجم، ستظل باقيا ما دامت الحياة باقية".
الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة، قال: "اليوم ننعي الشعر لا الشاعر، ننعي الكلمة لا القائل، ننعي الثورة والثوار لسقوط عمودها الرئيس، الذي عبر عن المصريين فكان طبيبا يداويهم لحظات الألم، ونبراسا يضيء لهم طريق الأمل.. مع السلامة يا نجم إلى أن نلتقي.. لا تنسى سلامي إلى من تقابلهم هناك ممن أحبهم، فلتهنأ يا نجم، فالشيخ إمام سيسعد بلقائك".
الشاعر عبدالستار سليم، قال بلهجة صعيدية: "واه يا فاجومي على وجع القلب من فراقك.. مش كنت تستنى يا واد عمي لما مصر تتعافى وتجيك تشكرك على وقفتك جنبها في محنتها، تعبت وياها وويانا شايلين جميلتك فوق رؤوسنا، ومادام ده اختيارك فسافر بالسلامة، وفي قلب مصر أشعارك متصانة، مع السلامة يا واد عمي".
الكاتب محمد المخزنجي، قال: "شاعر شرب من نيل مصر وتغذى من طميها، عاش طويلا يناضل ويكافح بقلمه الجريء، عوقب من حكومات كثيرة كان ضد أفعالها وفسادها، هو شاعر من طراز فريد استطاع أن يسكن قلوب كل الفقراء والغلابة وأحبه كل مصري أصيل، كان ثورة متحركة بذاته، وكانت حروفه طلقات في وجه الفساد، كتب في حب الوطن والناس، وعاش ومات على فيض الكريم، رحل في هدوء ولكنه حي في قلوب الناس بأشعاره وأقواله".
وقال الشاعر محمد الشهاوي: "نجم واحد من كبار الشعراء الذين أزعجوا السلطة كثيرًا، وستبقى كلماته التي طالما عارض بها الأنظمة الديكتاتورية شاهدًا على المقاومة، وكان صاحب لغة شعرية خاصة.. فرحم الله الشاعر الكبير وأسكنه فسيح جناته".
ونعت الكاتبة فاطمة ناعوت، الفاجومي قائلة: "مصر فقدت اليوم صوتًا شعريا عابرًا للتاريخ والجغرافيا".
وأشارت إلى أن نجم كسر الـ"تابو" اللغوي والشعري، واجترأ على اللغة الشعرية العادية ليخلق معجما جديدا.
وأضافت : "نجم كان دائما يقف إلى يسار كل حاكم ولم يكن يوما على يمين السلطة، لأنه كان صوت الرافضين للحكام الطغاة، ويحسب له أنه الشاعر الثوري الذي تنبأ بسقوط الإخوان عن عرش مصر بهذه السرعة".


العربي نعى "نجم": أثرى الحياة الثقافية

القاهرة - من محمد عمرو :


نعى الأمين العام للجامعة العربية الدكتور نبيل العربي، فقيد مصر والعالم العربي الشاعر الكبير الراحل أحمد فؤاد نجم، الذي أثرى الحياة الثقافية المصرية بأشعاره العامية التي عبرت عن الروح المصرية الأصيلة ووقفت ضد الظلم والطغيان على مر العصور.
وقال العربي: "إن "نجم" سيظل علما من أعلام شعراء العامية المصرية ورمزا للنضال والكفاح على مر الأجيال، مقدما خالص تعازيه لأسرة الفقيد ولمحبيه وللشعب المصري".


تظاهر ضد الإنكليز وهزيمة يونيو والسادات ومبارك ومرسي

المتمرد... حاضر في كل ثورة وميدان


تمرد نجم ضد كل أنظمة الحكم التي مرت به، فاشترك مع الآلاف في التظاهرات التي اجتاحت مصر العام 1946 ضد الاحتلال الإنكليزي، واعتقل في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ودخل السجن مرات عدة.
وهناك أصدر الديوان الأول له "صور من الحياة والسجن"، بعدها بدأت رحلته مع الشيخ إمام في حارة "قدم الخير".
في نكسة العام 1967، "ناح النواح والنواحة على بقرة حاحا" في أول رد على الهزيمة.
بعدها لم يسلم الرئيس السادات من أشعاره، فأطلق عليه رصاصات قلمه في "شرفت يا نيكسون بابا"، بل ناله النصيب الأكبر، ما جعل السادات يطلق عليه الشاعر "البذيء".
أما في عهد الرئيس الأسبق مبارك، فكان لنجم رأي واضح في قصائده فقالها في عهده "كأنك مفيش".
وجاءت ثورة يناير، وهتف الملايين في الميدان "الجدع جدع والجبان جبان واحنا يا جدع ننزل الميدان". وظلت أشعار فؤاد نجم والشيخ إمام تردد في الميدان طيلة 18 يوما إلى أن سقط نظام مبارك، وعادت مصر لأهلها، وعاشت "مصر البهية"، وظل "الفاجومي" يهتف بأشعاره ضد الظلم إلى أن صرخ صرخته الأخيرة في عهد مرسي والإخوان "عيني عليه ساعة القضا... يطلع أنينه للفضا... يزعق ولا مين يسمعه".
وكانت له رؤية وبُعد نظر، حيث قال عندما تولى الفريق أول عبدالفتاح السيسي وزارة الدفاع في عهد الرئيس المعزول: نصًا "قولت ده جمال عبدالناصر الثاني، وواضح إنه فلاح أصيل وعارف إبليس مخبي ابنه فين".


حكاية كلب الست


لم يسلم مسؤول أو مثقف أو فنان أخطأ من كلمات أبوالنجوم، وبالطبع الرؤساء الأربعة الذين حكموا مصر "عبدالناصر- السادات - مبارك - مرسي"، وهو ما كان سببا رئيسا في سجنه أكثر من مرة، بل حتى فنانة مثل أم كلثوم التي كان يحبها ويستمع لأغانيها.
فقد كتب قصيدة شهيرة عن أم كلثوم بعنوان "كلب الست"، بعد حادث شهير تناولته الصحف وقتها، فقد قام "فوكس" - كلب أم كلثوم - بعضّ مواطن بسيط كان يسير بجوار سور فيلتها الشهيرة في حي الزمالك.
وعندما تقدم ببلاغ، علق أحد المسؤولين وقتها بكلمة معناها أن كلب الست ليس ككل الكلاب، وسخر نجم من الصحف القومية التي نشرت خبرا يبرئ أم كلثوم وكلبها من الجريمة بحجة أنها قدمت للدولة خدمات جليلة.
ونشرت الصحف وقتها تحقيقا نسبت فيه للطالب الفقير إسماعيل خلوصي الذي عضه الكلب: "أنا سعيد لأن كلب أم كلثوم عضني"، وعلق أحمد فؤاد نجم على ذلك قائلا: عندما قرأت ذلك رغم حبي لأم كلثوم، ألفت قصيدة "كلب الست" فكانت هذه نهاية فرقتي فرقة عكاشة المسرحية، فمن وقتها بدأوا اعتقالي، وكلما أفرجوا عني يعتقلونني مرة أخرى.

كلب الست

في الزمالك من سنين
وف حما النيل القديم
قصر من عصر اليمين
ملك واحدة من الحريم
صيتها اكتر م الادان
يسمعوه المسلمين
والتتر والتركمان
والهنود والمنبوذين
ست فاقت ع الرجال
في المقام والاحترام
صيت وشهرة وتل مال
يعني في غاية التمام
قصره يعني هي كلمة
ليها كلمة في الحكومة


نجم يلحق برفيق دربه إمام... من حارة "حوش قدم" إلى "مقابر المجاورين"

القاهرة - من تامر الدريدي:

في عالم آخر سيتكرر اللقاء بينهما، بين الشاعر والموسيقي بعد سنوات من الاغتراب قضاها الشاعر نجم بعيدا عن رفيقه الشيخ إمام، فجأة لحق نجم بصديقه في "مقابر المجاورين"، ربما لأنه اشتاق إلى لحنه وسمره بعد سنوات عاش فيها على ما تركه له من أنغام.
في العام 1962 التقى أحمد فؤاد نجم بالشيخ إمام، وتم التعارف بينهما عن طريق زميل لابن عم نجم كان جارًا للشيخ إمام، فعرض على نجم الذهاب للشيخ إمام والتعرف عليه، وبالفعل ذهب نجم للقاء الشيخ إمام وأعجب كل منهما بكلام الآخر، وسكنا حارة "خوش قدم"، معناها بالتركية "قدم الخير"، أو حوش آدم بالعامية، حتى أصبحوا ثنائيا معروفا وأصبحت الحارة ملتقى المثقفين. وقد نجحا في إثارة الشعب وحفزا هممه قديما ضد الاستعمار ثم ضد الديكتاتورية الحاكمة، ثم ضد غيبة الوعي الشعبي.
وقال نجم، (رحمه الله)، عن إمام: "إنه أول موسيقي تم حبسه في المعتقلات من أجل موسيقاه، وإذا كان الشعر يمكن فهم معناه فهل اكتشف هؤلاء أن موسيقى إمام تسبهم وتفضحهم؟!".
وعندما سأل نجم الشيخ إمام: لماذا لم يلحن؟ أجابه الشيخ إمام، أنه لا يجد كلاما يشجعه، ومن هذا الوقت بدأت الثنائية بين الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم، وتأسست شراكة دامت سنوات طويلة بينهما.
ذاع صيت الثنائي نجم وإمام والتف حولهما المثقفون والصحافيون خاصة بعد أغنية: "أنا أتوب عن حبك أنا"، ثم "عشق الصبايا"، و"ساعة العصاري"، واتسعت الشراكة فضمت عازف الإيقاع محمد علي، فكان ثالث ثلاثة كونوا فرقة للتأليف والتلحين والغناء التي سرعان ما ساهم فيها العديد.
ويرى أحمد فؤاد نجم، أن العامية أهم شعر عند المصريين لأنهم شعب متكلم فصيح، وأن العامية المصرية أكبر من أن تكون لهجة وأكبر من أن تكون لغة، فالعامية المصرية روح، وهي من وجهة نظره أنها أهم إنجاز حضاري للشعب المصري.
في كتاب الفاجومي السيرة الذاتية لأحمد فؤاد نجم، سرد مفصل لتلك العلاقة التي شهدت عليها عقود من الزمن بين عملاقين تربعا على قلوب المصريين.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف