جريدة الجرائد

تجربة "الإخوان" في الحكم ... معالم ونتائج

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

عمّار علي حسن

كانت تجربة "الإخوان" في الحكم فاشلة بكل المقاييس، هم ظلوا عقوداً من الزمن يزعمون أنهم "الحل" ولديهم "مشروع نهضة"، وأنهم يشكلون أملًا ووعداً للأغلبية الكاسحة من الناس، لكن حين حازوا السلطة ظهر أنهم بلا رجال دولة ولا مشروع ولا رؤية وثبت للمصريين المسافة الشاسعة بين أقوالهم وأفعالهم. الشعب المصري لم يصوت على مشروع "الإخوان"، إنْ كان لهم مشروع متماسك حقاً، إنما أراد أن يمنحهم فرصة، ويختبر مقولاتهم وشعاراتهم وادعاءاتهم، ولا تنسى أنهم أظهروا بعد رحيل مبارك انضباطاً في التعامل مع الجيش، وتحدثوا طويلًا عن الاستقرار ودوران عجلة الإنتاج واحترام مؤسسات الدولة وأن لديهم مشروعاً للنهضة. لكن ثبت أن كل هذا كان نوعا من التسويق السياسي الفارغ والدعاية الرخيصة والتحايل، وحين اكتشف المصريون هذا خرجوا ليخلعوهم وينزعوا منهم سلطة لم يفعلوا أي شيء يدل على أنهم يفهمون متطلباتها والتزاماتها ومهامها.

وكانت أولوية "الإخوان" هي الاستيلاء على الدولة المصرية، ثم تسخير كل إمكانياتها لخدمة تصورهم عبر العالم، لأنهم لا يؤمنون بالفكرة الوطنية، ويفكرون بطريقة "أممية" يصبح فيها "الإخواني"، ولو من كوريا أقرب إليهم من المسلمين المصريين الذين يعيشون معهم، ويقتسمون معهم الزاد والماء. وظني أن الجهد الذي بذلوه في الاستيلاء على الدولة لو كانوا قد وجهوه إلى ادراتها بما يليق بها لما سقطوا بهذه السرعة. وظل "الإخوان" يقولون للجميع: إنهم ليسوا "طلاب سلطة" وحتى حين بدت عليهم الرغبة رفعوا شعار "مشاركة لا مغالبة"، لكن لما دنت لهم الأمور سعوا إلى السيطرة على كل شيء من خلال عملية "أخونة" ممنهجة للدولة، ولو استمر حكمهم لصنعوا ميليشات مسلحة تابعة لهم، واستولوا على الجيش وحولوه إلى "جيش إخواني" مهمته الأولى هي قمع معارضيهم، وليس الدفاع عن البلاد.

لقد تعامل "الإخوان" مع الثورة على أنها مجرد فرصة للقفز على السلطة، وخانوا الثوار ومطالب ومبادئ الثورة حتى قبل تنحي مبارك، حين ذهبوا للتفاوض مع نظامه على حساب الشعب والثورة، ولو كان النظام قد منحهم شيئاً لباعوا الجميع من أجل مصالحهم، فهذه عادتهم طيلة حياتهم، خدمة السلطة والتحايل عليها، لحين تأتي الفرصة التي يأكلونها فيها. فعلوا هذا مع الملك فاروق وعبد الناصر والسادات ومبارك والمجلس العسكري بعد ثورة يناير. الثابت حقاً أن الإخوان، لم يلتحقوا بالثورة متأخراً فقط، إنما خططوا لسرقتها وخرجوا على خط الثورة ومطالب الثوار، حيث التنكيل بالشباب، وخطف الدستور في ليلة لا تنسى، والانفراد بوضع قواعد المنافسة السياسية بما يمنع تداول السلطة، وغياب العدل الاجتماعي، وتضييق الحريات العامة، وتهديد الوحدة الوطنية والعيش المشترك، وإهانة المواطنين، واستعلاء الجماعة الحاكمة، رغم تخلفها ورجعيتها، عليهم، علاوة على تقليص الديمقراطية في مجرد "صندوق انتخاب"، وهو مجرد إجراء من إجراءاتها العديدة إلى جانب قيمها وأنساقها التي غابت تماماً عن الذهنية "الإخوانية" المثقلة بعبء الاستبداد على مستوى الخطاب والممارسة والتاريخ والبنية الداخلية للجماعة. كما حصرت الجماعة الشرعية في عملية "شكلية" تتمثل في حصد الأصوات، وتصرفت على أنها قد حازت صكاً على بياض من المصريين تفعل بهم ما تشاء، ونسيت أن الشرعية مشروطة باحترام الدستور والقانون وتنفيذ الوعود وتقديم الإنجازات.

ورافق هذا غياب أي مشروع للتنمية، وتراجع الاقتصاد بطريقة مخيفة، حيث زيادة معدلات التضخم والبطالة وارتفاع الأسعار بمستوى غير مسبوق، في مقابل ارتفاع نسبة من وقعوا تحت خط الفقر، وتدني قدرة الدولة على تقديم الخدمات للمواطنين، بينما استمر "الإخوان" في معالجة هذا الأمر بالطريقة التي ألفوها طيلة حياتهم، وهي تقديم الصدقات السياسية، وهي مسألة كان الناس يقبلها منهم حين كانوا في المعارضة، لكنها لم تكن مرضية على الإطلاق من سلطة تقدمت إلى الكراسي الكبرى تزفها وعود مفرطة زائفة.

وأمامنا تجربتان "إخوانيتان" في الحكم، قبل التجربة المصرية، تجربة السودان التي تقول بوضوح إنهم يأكلون حلفاءهم، ويتشبثون بالسلطة حتى لو على حساب وحدة التراب الوطني، ويمنعون غيرهم من الوصول إليها حتى لو سعى إلى ذلك بالطرق الشرعية السلمية، ويفشلون في تحقيق ما وعدوا به الجماهير. أما في غزة فإننا أمام تجربة "القرصنة السياسية" بكل معنى الكلمة، واستعمال الديمقراطية لمرة واحدة، والقسوة الشديدة في معاملة المختلفين، والتآمر على المستقبل، والمتاجرة بالدماء، وبيع القضية ورهنها لحساب أطراف خارجية.

لكن إخفاقهم في مصر مختلف، لأن مصر هي التي صُنعت فيها جماعة "الإخوان المسلمين" سنة 1928 فصنعوا ظاهرة "الإسلام السياسي" في العالم بأسره، إما انسلاخاً منهم أو تأسياً بهم أو مضاهاة لهم أو امتداداً لجماعتهم التي جعلت مقصدها ما تسميه "أستاذية العالم" فساحت في الأرض وراء هذا الحلم بعيد المنال. وبانكسار "الإخوان" بعد إزاحة حكمهم في مصر، تتعرض فكرتهم للانطفاء، وتتساقط شعاراتهم الأخلاقية، ويتصدع تنظيمهم، ما يفتح باباً وسيعاً أمام أسئلة منطقية عن مستقبل الإسلام السياسي برمته، لاسيما أن سقوط "الإخوان" في مصر تبعه مظاهرات لأعضاء التنظيم في بلدان شتى. وأعتقد أن السقوط الأخلاقي والسياسي للجماعة الأم سيؤدي إلى سقوطها في بقية الدول العربية والإسلامية لكن تباعاً.

في الختام أعتقد أن خبرة سنة مع "الإخوان" ألغت ادعاءات خمسة وثمانين عاما، ولو لم يصلوا إلى السلطة ويجربهم الناس، لظلوا بالنسبة لهم هم "الوعد" و"الأمل" و"الحل"، ورب ضارة نافعة، فلهفتهم على الحكم كشفت نواياهم، وعرت المكبوت والمضمر سنوات طويلة، وأجابت على آلاف الأسئلة المعلقة في أذهان الناس. ولو أنفق خصوم "الإخوان" السياسيين تريليون دولار لإقناع المصريين بحقيقتهم ما نجحوا في إزالة التعاطف معهم، والتعامل معهم على أنهم أصحاب "مظلومية" كما يروجون عن أنفسهم، لكن حيازة الحكم حققت هذا الهدف بأيدي "الإخوان" أنفسهم.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف