جريدة الجرائد

الصحافة الفرنسية: «مالي» وسياسة أولاند الأفريقية... وعودة الاحتقان للحالة التونسية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

باريس

أبعاد المهمة العسكرية الفرنسية في شمال مالي، وعودة عدم الاستقرار إلى تونس، وجولة أوباما المقبلة في الشرق الأوسط، ثلاثة موضوعات استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية.


المهمة في مالي

صحيفة لوموند نشرت افتتاحية بعنوان "خطاب باريس الجديد في أفريقيا" قالت فيها إن الرئيس أولاند أعلن خلال زيارته إلى مدينة تومبكتو التاريخية بشمال مالي، في بداية هذا الشهر، أن التزام فرنسا تجاه مستعمرتها السابقة تلك، إنما ينسجم مع توجهها لمساعدة الدول الأفريقية عموماً، وهي إذ تتدخل عسكرياً هناك لطرد الجماعات المتطرفة تفعل ذلك دون أية عُقد استعمارية أو أعباء ذاكرة. كما أن التزامها سيمتد أيضاً طيلة الوقت الكافي لذلك. وقد ظلت باريس، لوقت طويل، حريصة على ألا تظهر في الصفوف الأمامية للصراع الدائر في شمال مالي، وكان لوجود رهائن فرنسيين محتجزين لدى "القاعدة" في شمال أفريقيا، علاقة بذلك الحذر، دون شك. ولكن منذ البداية ظلت فرنسا منخرطة في مساعدة شركائها الأفارقة، حيث نشط دبلوماسيوها في الأمم المتحدة في الجهود التي أثمرت إصدار قرار دولي يضفي الشرعية على عملية تحرير شمال مالي، كما واظب خبراؤها على العمل سوياً مع نظرائهم العسكريين في دول غرب أفريقيا من أجل الترتيب لإنشاء قوات تدخل إقليمية، تكون قادرة على المساهمة في تحرير شمال مالي، وحفظ الاستقرار في تلك المنطقة التي تعادل ثلثي مساحة مالي، بعدما استولى عليها المتطرفون الإسلاميون لمدة قرابة عام كامل.

وتذهب الصحيفة إلى أن مشكلة مالي تتجاوز بكثير في مخاطرها تلك الدولة، كما أن فرنسا ليست أيضاً هي المتضرر الوحيد منها، بل إن التحالف المتمرد الذي كان يسيطر على شمال البلاد -وهو خليط من الجماعات الإرهابية ومهربي المخدرات وعناصر الجريمة المنظمة- لم يكن ليتوقف عند حدود دولة معينة، بل إن شره كان سينال جميع دول المنطقة الأخرى، القريبة والبعيدة. ولاشك أن عملية احتجاز الرهائن الاستعراضية في منشأة الغاز الجزائرية بعين أميناس، تزامناً مع نشوب حرب شمال مالي، أظهرت مدى الخطر الذي تمثله جماعات الإرهاب في الساحل على الجميع. فقد كشفت بوضوح أن شعاع تحرك تلك الجماعات الإرهابية لا يتوقف عند قواعدها الخلفية السابقة في تومبكتو أو جاو، وإنما يمتد إلى مناطق بعيدة في دول الجوار.

ولكي نقتنع جميعاً بحجم الخطر، تقول لوموند، يكفي أن نتأمل في حجم التعبئة والتوجس الذي وصل إلى دول بعيدة مثل ساحل العاج ونيجيريا والسنغال والنيجر وتشاد. ودون شك أن بعض دول المنطقة تسعى أيضاً لتحقيق مكاسب جيوبوليتيكية محلية. ولكن مالي أيضاً ليست الكونجو- كينشاسا. وأرضها لا تكتنز من المعادن الثمينة ما يثير شهية كل أنواع المتصارعين والطامعين. ولذا فإن المسألة المركزية في هذا الصراع ظلت على الدوام متمثلة في التحدي الأمني، الذي كان يتهدد من وراء مالي نطاقاً أوسع يشمل منطقة رمادية من إقليم الساحل وأفريقيا تمتد من موريتانيا إلى جيبوتي. ولذلك لم تخف فرنسا منذ البداية دواعي قلقها، وقد عبر عن ذلك أولاند بصراحة، حين حذر من خطر العبث بالاستقرار الإقليمي. وكانت الرسالة المتضمنة في ذلك أيضاً هي أن فرنسا لا تأتي للدفاع عن نظام أفريقي صديق، معرض للسقوط، وخاصة أن الرئيس الفرنسي كان قد تعهد بتجنب أخطاء سياسة "فرانس- آفريك" التدخلية المثيرة للجدل، التي كان سلفه يتبناها، وجرت عليه كثيراً من النقد. وقد كان محقاً في ذلك، تقول الصحيفة، التي تختم افتتاحيتها بالتساؤل عن المخارج المتصورة والنهايات الممكنة لهذا التدخل، وخاصة أن باريس تعول على القوات الأفريقية لكي تحل محلها، ولكن هذه القوات غير جاهزة. وهذه مشكلة حقيقية.

التجاذب في تونس

اعتبر الكاتب بيير روسلين في افتتاحية لصحيفة لوفيغارو أن تونس بدأت تنزلق باتجاه العنف، وذلك بعد تنامي المصاعب التي تواجهها حكومة "النهضة" في الحفاظ على الاستقرار في الشارع. وقد كان مقتل القيادي في المعارضة، شكري بلعيد، مؤشراً على مدى صعوبة ضمان مرحلة انتقال سياسي هادئة. وقد مثلت ازدواجية الخطاب السياسي، والتسامح الذي تتعامل به أطراف مؤثرة في المشهد، مع بعض الجماعات السلفية المتشددة، خلفية لحالة التصعيد الراهنة، وأظهرت في الوقت نفسه أن التوافق للعبور إلى المرحلة التالية من التغيير السياسي لم يكن بالسهولة التي توقع كثير من المراقبين، خلال الأشهر الأولى التالية لنشوب الثورة التونسية، التي اعتبرت أصلاً هي فاتحة الحراك العربي. ومع أن تونس مثلت طليعة ذلك الحراك، فإن ما تعرفه هذه الأيام من تجاذب مثير للقلق ربما يصلح أيضاً للحكم على مآلات ما سمي "الربيع العربي".

وفي افتتاحية أخرى لصحيفة ليبراسيون قال الكاتب "فينسان جيريه"، إن مشاهد الاحتقان والحداد والشد والجذب تبدو اليوم هي العنوان الأبرز في تونس والقاهرة، في تعبير واضح عن دخول الحراك العربي في ما يشبه حالة انسداد سياسي. وفي كلا البلدين اللذين اعتبرا في البداية هما الأسهل تحولاً سياسياً والأقل ثمناً وتكلفة بشرية عادت حالة عدم الاستقرار مجدداً لتطل برأسها، كاشفة عن مدى استعصاء التغيير السياسي، وتسوية الاستقطاب والصراع الداخلي بين مختلف الفاعلين السياسيين، هذا زيادة على بقاء الاحتقانات الاجتماعية والمطلبية على حالها، بمشكلاتها وارتباكاتها، دون حلول أو أفق تسويات قريبة. ويذهب الكاتب إلى أن من أسباب تفاقم التصعيد وعدم الاستقرار السياسي، انعدام الخبرة في تسيير الشأن العام لدى النظم السياسية الجديدة الحاكمة في البلدين، هذا زيادة علي حقيقة أخرى هي أن المجتمعين المصري والتونسي ليسا هما ما كانت جماعات الإسلام السياسي تفكر فيه، حيث ينشط الشباب المتعلمون والنساء والطبقة الوسطى المتعلمة التي تنظر من أفق آخر إلى العالم، وبطريقة منفتحة وأكثر حداثية، بالمقارنة مع مقاربة جماعات الإسلام السياسي. وبعد تفصيله في أحوال كل من تونس ومصر وخصوصيات الحالتين، كلاً على حدة، ينتهي الكاتب إلى أن ما جرى يوم الجمعة الماضي في تونس على خلفية مقتل شكري بلعيد، يمكن أن يكون بداية تحول حقيقي، لمجريات الحراك لصالح القوى السياسية العلمانية والليبرالية التونسية، بعدما وجدت نفسها أخيراً متحدة، ومتفقة على الأساسيات.

جولة أوباما

صحيفة لوموند أكدت أن زيارة أوباما المتوقعة إلى منطقة الشرق الأوسط، في العشرين من الشهر المقبل، تمثل في الحقيقة خطوة ورسالة سياسية دالة في حد ذاتها، حيث إنه في ولايته الرئاسية الثانية لا يريد أن يتكرر أيضاً الإخفاق في مساعي واشنطن الرامية إلى اجتراح حل للصراع العربي/ الإسرائيلي. فبعد ما بذل من جهد في ولايته الرئاسية الأولى ابتداءً من أيام مجيئه إلى البيت الأبيض، حين سارع بتعيين مبعوثه الخاص السابق جورج ميتشل، قرر هذه المرة أن يذهب هو بنفسه إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية، والأردن. ولذا يتوقع أن تكون جهود إعادة إحياء عملية السلام هي الملف الأبرز خلال جولة أوباما، التي يتعين عليه فيها ممارسة مزيد من الضغط على مختلف الأطراف لجعل ذلك ممكناً، وخاصة أن قضية استمرار أعمال الاستيطان في الضفة الغربية كانت هي القشة التي قصمت ظهر الجهود الأميركية خلال الأشهر الماضية، بسبب تعنت نتنياهو وتحالف اليمين الإسرائيلي الحاكم معه، وهو تحالف يتوقع أن يبقى في الصورة في تل أبيب، بعد نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، التي سجل فيها اليمين تراجعاً بسيطاً، ولكن لا يحول دون توليه السلطة مجدداً. وإن كان بزوغ قوة الوسط المؤيدة نسبياً للتفاوض ورقة أيضاً تخدم جهود أوباما وضغوطه لإعادة قطار التسوية مجدداً إلى السكة.

إعداد: حسن ولد المختار

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف