إياد مدني المختلف لـ«منظمة التعاون الإسلامي»
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
فؤاد مطر
عند تأسيس "منظمة التعاون الإسلامي" بتاريخ 25 سبتمبر (أيلول) 1969 غمرت النفوس العربية والإسلامية مشاعر من الارتياح وذلك لأن الآمال المعقودة على الجامعة العربية خابت للمرة الثالثة عندما تحدت إسرائيل الأمتين وأشعلت حريقا في المسجد الأقصى. أما الخيبة الأولى فكانت عند اغتصاب فلسطين ثم تلتها الثانية متمثلة بهزيمة الخامس من يونيو 1967. وكان رد الفعل لدى الجمع العربي - الإسلامي بعد اجتماع قادة العالم الإسلامي الآتين إلى الرباط بدعوة من الملك الحسن الثاني هو أن الحريق الذي أحدثته الأيادي الصهيونية الآثمة في رحاب الحرم الثالث، لا بد سيضع القلوب المتباغضة على خارطة طريق للمرحلة المقبلة تؤكد أن الأمة هي خير أمة أخرجت للناس. كما أن المسارعة إلى إنشاء أمانة عامة للمنظمة بعد ستة أشهر من اجتماع القادة في الرباط واختيار مدينة جدة التي تتوسط الحرمين مقرا مؤقتا للمنظمة في انتظار أن تتحرر القدس ويصبح بالتالي المقر الدائم فيها، أضفى المزيد من الجدية وأشاع الكثير من الآمال في النفوس. وهكذا بات لأمة المليار ونصف المليار نسمة منظمة مثل منظمة الأمم المتحدة، ذات مؤسسات وأجهزة متنوعة الاختصاصات من السياسي إلى الإعلامي والثقافي إلى العلمي والاقتصادي والتجاري. والأهم من ذلك أنه بات للقدس لجنة أُنيطت رئاستها بالملك الحسن الثاني.
وحتى عام 2001 كان عدد الدول الأعضاء في المنظمة بين دول التأسيس (25 دولة) ودول الانتساب (57 دولة) يؤهل هذه المنظمة الإسلامية إلى أن تكون بمقياس العدد والتنوع والتوزيع الجغرافي الذي يشمل ثلاث قارات، الثانية من حيث الأهمية بعد منظمة الأمم المتحدة التي تتخذ من نيويورك مقرا لها، مع ملاحظة أن ثمة دولا يشكل المسلمون فيها نسبة ملحوظة مثل الهند والفلبين طلبت الانضمام إلى عضوية المنظمة لكن الذي حال دون الموافقة أن شرط الانتساب لأي دولة أن تكون إسلامية. كما أن دولا أخرى يشكل المسلمون فيها أقلية مثل تايلاند وروسيا فتم تصنيفها على أنها دول مشاركة بصفة مراقبة شأنها في ذلك شأن منظمات دولية تتم دعوتها إلى حضور مؤتمرات القمة.
بين قمة الرباط عام 1969 والقمة الثانية عشرة التي استضافتها مصر في عهدها الإخواني يوم الأربعاء 6 فبراير (شباط) 2013 عاشت الأمة الإسلامية ومعظم دولها ظروفا مأساوية وصدمات جعلت حالة الإحباط تتسع. وباستثناء خطوتين تأديبيتين لم تسجل "منظمة التعاون الإسلامي" موقفا يتسم بالحزم. ونشير هنا إلى أن الخطوة الأولى تمثلت في تعليق عضوية مصر عام 1979 لمدة خمس سنوات ردا على إبرام الرئيس أنور السادات معاهدة سلام مع إسرائيل وتكرر الإجراء العقابي في أغسطس (آب) 2012 في حق سوريا كمحاولة للضغط على الرئيس بشار الأسد كي يعيد النظر في الحل الأمني الذي تسبب في تدمير لم يفعله حاكم ببلده من قبل فضلا عن نزوح وتشريد أكثر من ثلاثة ملايين إلى جانب قتلى بالألوف وجرحى بعشرات الألوف.
وأما دور الأمناء الذين تعاقبوا على الأمانة العامة من الأول محمود السفياني الذي كان شغل منصب وزير الحج في الحكومة السعودية إلى فؤاد الفارسي الذي شغل قبل ذلك منصب وزير الثقافة والإعلام في الحكومة السعودية إلى التركي أكمل الدين إحسان أوغلي، فإنه كان دور من يواكب الأزمة التي تعيشها الدول الإسلامية، أو فلنقل إن الدور لم يختلف عن الدور الذي أداه، وما زال الحالي نبيل العربي يؤديه، أمناء الجامعة العربية من عبد الرحمن عزام إلى عبد الخالق حسونة إلى محمود رياض إلى الشاذلي القليبي إلى عصمت عبد المجيد إلى عمرو موسى.
هنا نجد أنفسنا وقد تم اختيار إياد مدني المتنوع الاهتمامات والكفاءات وصاحب التجربة الاستشارية - الإعلامية - الوزارية - السياسية - الاجتماعية. هل يا ترى سيكون مجرد الأمين الرابع للمنظمة يدير شؤونها لبضع سنوات ثم بعد ذلك يسلِّم المنصب إلى أمين عام جديد، مكتفيا بوسام أتاتوركي رفيع يقلده إياه الرئيس أردوغان بافتراض أنه سيكون زعيم تركيا القوي ويستضيف بالتالي القمة الإسلامية الثالثة عشرة عام 2016 على نحو تقليد الأمين السلف أكمل إحسان أوغلي من جانب الرئيس المصري المضيف للقمة الثانية عشرة وشاح النيل.
لقد عوَّضنا اختيار إياد مدني أمينا عاما "منظمة التعاون الإسلامي" فرصة ضيعتها المناورات العربية وكان بموجبها سيحظى المرحوم الدكتور غازي القصيبي بمنصب مدير منظمة "اليونيسكو" وهو منصب يليق به. وبعد إفشال محاولات في الكواليس كتلك التي حدثت بالنسبة إلى مدير "اليونيسكو" وتفضيل بعض العرب ضمنا للياباني على العربي السعودي، فإن آمالا عريضة نتوقع أن يحفل بها المشهد الإسلامي في ظل إسناد منصب الأمين العام "منظمة التعاون الإسلامي" إلى إياد مدني كونه يرى أن المنظمة ليست مجرد تجمع للدول "بل هي تعبير صادق عن صوت الأمة وتجسيد لروحها وهي تنتهج قيما فريدة جوهرها الوسطية وروحها المساواة وإعمار الأرض فضلا عن أنه لا حراك للأمة دون إرادة ولا إرادة دون زعامة ولا زعامة دون رؤية".
وهذه المفردات التي طالما كان يتسم بها خطابه عندما يستشار في مرحلة تجربة حفلت بالتحديات تبدو بمثابة ترجمة من جانبه لرؤية القيادة السعودية التي تريد على ما يجوز الاعتقاد نقلة نوعية في مسيرة منظمة استحدثت ردا على حريق أشعله الآثمون الصهاينة في المسجد الأقصى وما زال هذا المسجد في انتظار من ينقذه من العابثين، وجاء اختيار إياد مدني من أجل تلك النقلة مع الأمل بأن يدعم العمل الإسلامي في سنوات قمة الدورة الثانية عشرة "منظمة التعاون الإسلامي" المسعى الحثيث الفلسطيني الذي بدأ بحصول فلسطين على مقعد الدولة المراقب على أمل، وبعد أن تتحقق المصالحة الفلسطينية التي لا رجوع عنها، إعلان قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
وتلك خطوة ستحسم الحيرة في أمر الرئيس باراك أوباما الآتي قريبا إلى المنطقة بحيث يتبين أهو لاعب يعد ويفي أم أنه فيما يخص الموضوع الفلسطيني مجرد متلاعب مثل سائر المتلاعبين الذين تعاقبوا على الإدارة الأميركية من الرئيس الـ33 هاري ترومان إلى الرئيس الـ43 جورج بوش الابن باستثناء الرئيس الـ34 أيزنهاور الوحيد الذي جاء إلى الرئاسة من المؤسسة العسكرية. وربما لأنه لا يشكو عقدة الانتصار في الحرب والمكانة شأنه في ذلك شأن الجنرال الآخر شارل ديغول الذي جاء إلى الرئاسة الفرنسية منتصرا على عار احتلال بلاده للجزائر، فإن هذين الجنرالين كانا أكثر تفهما للضيق العربي - الإسلامي الناشئ عن انتزاع فلسطين من أمتها العربية والإسلامية وتسليمها للصهيونية.
لذا، عسى ولعل يكون الرئيس أوباما من السائرين في ولايته الثانية على طريق الجنرالين الصالحين وليس رقما في قائمة المتلاعبين خصوصا أن قساوة استمرار هذا الضيق هي أبرز التحديات التي تواجهها "منظمة التعاون الإسلامي" في ظل الأمانة الواعدة التي يتولاها إياد مدني. والله الموفق.