جريدة الجرائد

تسليح المعارضة السورية... ما وراء الرفض الأوروبي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

مخاوف من تأجيج الطائفية والنوازع الإجرامية

باريس - إدوارد كودي

رفضت الحكومات الأوروبية يوم الاثنين الماضي اقتراحاً بريطانياً بإمداد الثوار السوريين بالسلاح، مبررين ذلك بمخاوفهم من أن تساهم تلك الأسلحة في إراقة المزيد من الدماء في صراع كلف حتى الآن أكثر من 70 ألف قتيل حسب التقديرات الأممية. هذا القرار الذي اتخذه وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في اجتماع لهم ببروكسل يبرز بوضوح الصعوبات التي تواجهها أوروبا والولايات المتحدة في التعامل مع الحرب الأهلية السورية الممتدة لأكثر من عامين، وذلك بالرغم من إدانتهم المتكررة لنظام الأسد ومحاولاته المستميتة للبقاء في السلطة حتى لو كلفه ذلك قتل الشعب والتنكيل بالمعارضين.

غير أن رفض تسليح المعارضة السورية من خلال التحفظ على قرار رفع حظر الأسلحة على سوريا لا يقتصر على الاتحاد الأوروبي، بل يمتد أيضاً إلى إدارة أوباما التي وإنْ كانت تصر على تنحي الأسد والانتقال إلى حكم ديمقراطي، إلا أنها رفضت طلبات المعارضة المستمرة حصولها على أسلحة متطورة، لا سيما صواريخ (أرض- جو) الضرورية لمواجهة طائرات النظام التي تقصف معاقل المعارضة بالصواريخ، والمروحيات التي تتعقب الثوار، وقد أبدى المسؤولون الأميركيون والقادة الأوروبيون خشيتهم من وقوع الأسلحة في أيدي المتشددين الإسلاميين الذين يشكلون جزءاً مهماً ومتنامياً ضمن القوات المسلحة الثائرة على النظام.

ولعل ما يدعم هذه المخاوف ما أشار إليه التقرير الصادر يوم الاثنين الماضي في جنيف عن لجنة التحقيق الأممية المستقلة حول سوريا من أن هناك عدداً من المقاتلين الأجانب الذين انضموا إلى المعارك في سوريا أتوا من بلدان مختلفة، مثل ليبيا وتونس ولبنان والعراق ومصر، للمشاركة في حرب يعتبرونها جهاداً سنياً ضد نظام الأسد، الذي وإن كان علمانياً، إلا أنه يغلب عليه العلويون.

ومع أن نسبة هؤلاء المقاتلين الأجانب من عموم الثوار تظل صغيرة حسب تقارير وكالات الأنباء التي نقلت عن التقرير الأممي، إلا أن مشاركتهم تبقى مهمة بالنظر إلى خبرتهم المعتبرة في شن حرب العصابات واستخدام المتفجرات المصنعة محلياً، وهو ما دفع بلجنة التحقيق المستقلة التابعة للأمم المتحدة التي أعدت التقرير إلى حث قادة الثوار داخل المظلة السياسية التي تجمعهم، والمتمثلة في الائتلاف الوطني للثورة السورية، وقوى المعارضة للنأي بأنفسهم عن الجماعات الإسلامية المشاركة في المعارك ضد الأسد لأن ذلك، كما جاء في التقرير، من شأنه تسهيل المأمورية على أوروبا والولايات المتحدة، وباقي الأطراف لتقديم الدعم والمساعدات للثوار.وأضاف التقرير أن "الحرب اصطبغت بلون الطائفية وتخللتها النوازع الإجرامية الأصولية، بل وتفاقمت بسبب وجود المقاتلين الأجانب والجماعات المتشددة".

وكان الاتحاد الأوروبي قد فرض حظراً للأسلحة على سوريا في مايو عام 2011، ليشمل كلا من الحكومة والمعارضة على حد سواء، بحيث كان من المفترض أن تنقضي فترة صلاحية الحظر في الأول من شهر مارس المقبل.

لكن قرار يوم الاثنين الماضي بتمديد الحظر لثلاثة أشهر أخرى قوض آمال المعارضة في احتمال حصولهم على السلاح، وإن كان القرار حمل في المقابل بعض الترضية، حيث نص على تعديل بنود الحظر، ليتيح تزويد المعارضة بالمزيد من المعدات غير القتالية الموجهة لحماية المدنيين. هذا ولم يحدد وزراء الخارجية الأوروبيون المشاركون في الاجتماع المقصود بزيادة المساعدات التي قالوا إنها تخص المعدات غير القتالية، لا سيما وأن بريطانيا وباقي الحكومات الأوروبية كانت بالفعل تمد المعارضة بتلك المعدات مثل وسائل الاتصال.

وحسب دبلوماسيين حضروا اجتماع بروكسل اقترحت الحكومة البريطانية رفع حظر الأسلحة على الثوار وإبقاءه على الحكومة السورية، الأمر الذي كان سيفتح الباب أمام وصول الأسلحة للمقاتلين، لكن الاقتراح عورض من قبل أغلب الحكومات الأوروبية، ليتم التخلي عن فكرة مد الثوار بالأسلحة في الوقت الحالي على الأقل.

وعن هذا الموضوع قالت وزارة الخارجية البريطانية في بيان لها: "تعتقد المملكة المتحدة أن التحرك الدولي خذل حتى هذه اللحظة التطلعات المشروعة للشعب السوري، وفي غياب حل سياسي، أو اختراق دبلوماسي فمن المهم طرح جميع الاقتراحات على الطاولة لحماية المدنيين".

ويشار إلى أن المبعوث الأممي العربي المشترك إلى سوريا، الأخضر الإبراهيمي، انخرط مؤخراً في محاولات سياسية تروم عقد مفاوضات بين حكومة الأسد وأطراف في المعارضة للتوصل إلى حل دبلوماسي يوقف نزيف الدم، وتزامن ذلك مع اقتراح زعيم ائتلاف المعارضة، معاذ الخطيب، إجراء حوار مع النظام على أن يكون الطرف المحاور من خارج الأجهزة الأمنية، مقترحاً في هذا السياق اسم فاروق الشرع، نائب الرئيس السوري، كطرف يمكن الجلوس معه إلى طاولة المفاوضات في مكان خارج سوريا.

وكانت فرنسا من الدول المؤيدة للمعارضة السورية، معترفة بها كممثل شرعي للشعب السوري، بل إنها دافعت في البداية مثل بريطانيا عن قرار تسليح المعارضة لمواجهة الآلة القمعية للنظام من خلال رفع حظر السلاح الأوروبي المفروض على سوريا، لكن باريس عادت لتغير من موقفها، حيث أكد فرانسوا أولاند مؤخراً أن إرسال السلاح إلى الثوار في سوريا سيبعث برسالة سلبية إلى الجهود الدبلوماسية التي يبذلها الإبراهيمي. وربما يفسر القرار الفرنسي المعارض لتسليح المعارضة بعدما كان مدافعاً عنها التجربة الفرنسية الأخيرة في مالي عندما شهدت كيف سقطت أسلحة القذافي التي زوده بها الغرب في مرحلة ما في يد المتشددين الإسلاميين الذين يواجههم الجنود الفرنسيون في شمال مالي.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة

"واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف