جريدة الجرائد

الغرب والحرب السورية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

غازي العريضي


عندما أعلن أن أوباما حسم أمره بعدم الموافقة على تسليح المعارضة السورية قيل إنه أخذ بعين الاعتبار مصالح إسرائيل! وقيل سابقاً: "إن أميركا ترفض التسليح خوفاً من وقوع السلاح بيد المتطرفين. وخوفاً من اتساع دائرة العنف وانزلاق البلاد نحو الحرب الأهلية". وكل هذا حصل، أي البلاد هي في حالة حرب حقيقية تشمل غالبية المحافظات والمدن والبلدات وصولاً إلى قلب دمشق. ودائرة العنف باتت أكبر. والسلاح أصبح في أيدي الجميع وثمة قوى متطرفة تملكه. والمصادر هي: مخازن جيش النظام التي استولى عليها المسلحون. والسوق المفتوحة. والحدود المفتوحة. والمال الذي يقدم، كذلك فإن مصالح إسرائيل مؤمنة. سوريا تدمّر. تحترق. يتقاتل أبناؤها. يجوع شعبها. يفتقر إلى الحد الأدنى من إمكانيات العيش الكريم. الملايين مهجّرون في الداخل والخارج ويعانون. والحرب مفتوحة وطويلة. وعندما شعرت إسرائيل أن ثمة ضرورة لعمل ما يحمي "أمنها" ومصالحها وسياساتها ضربت قافلة تنقل معدات عسكرية على الأراضي السورية! وكان ذلك بعلم الإدارة الأميركية المُسبق! أعلن رسمياً أن إسرائيل أبلغت الإدارة أنها ستقوم بهذا العمل وتبقي خياراتها مفتوحة لاحتمالات أعمال جديدة في الاتجاه ذاته.

ومنذ أيام أعلن وزير خارجية أوباما الجديد "جون كيري" أنه "يؤيد الحل الدبلوماسي". ويسعى إلى "بلورة أفكار أو مبادرات تقنع الرئيس الأسد بالتنحي" لتجنيب البلاد مشاكل إضافية". "وأنه لا يوافق على التسليح"، ورغم ذلك انتظر أياماً ليوافق نظيره الروسي سيرغي لافروف على الردّ على مكالمته الهاتفية التي انتهت باتفاق على لقاء!

هكذا أصبح الرهان الأميركي على "حكمة" و"وطنية" و"عقلانية" الرئيس الأسد المنتظر منه أن يتنحى، وهو الذي أبلغ الجميع أنه لن يترك السلطة، ولا يوافق على الحوار مع "المعارضة المأجورة". وهو الذي يشعر أنه استعاد المبادرة. والجيش النظامي استعاد بلدات ومدناً ومواقع. ويحظى بدعم روسي بالغ. وبعمل ميداني مباشر إيراني لتثبيت حكمه مهما كلّف الأمر. فإيران قالت: لا نسمح بسقوط الأسد! وسقوط سوريا يعني سقوط إيران. وخرج أحدهم ليقول: "أسهل علينا أن نخسر الأهواز العربية من أن نخسر سوريا. فإذا خسرنا الأهواز يمكننا استعادتها. ولكن إذا خسرنا سوريا يعني خسرنا طهران"! ويشعر الأسد بالتراجع الغربي والأوروبي والتركي والخلافات العربية - العربية، وهي عوامل أدّت إلى تراجع المجلس الوطني، ودفعت برئيس الائتلاف المعارض معاذ الخطيب إلى الإعلان عن خيبته ورغبته في الحوار ولو المشروط مع النظام.

وأعلن قدري جميل نائب رئيس الوزراء السوري أيضاً أن سوريا ستحاسب الذين يحاصرونها ويفرضون العقوبات عليها، وهي أدت إلى مقتل عدد من أبناء الشعب السوري!

إذن، لن يتراجع الأسد. لن يتنحى وأحلام "كيري" أو رهاناته وحساباته أوهام!

في هذا الوقت، يندفع وزير خارجية بريطانيا في اتجاه الموافقة على تسليح المعارضة.

لكنه في الوقت ذاته يقول: "إن القوى الجهادية في سوريا هي الأخطر على الغرب"، وهذا يفيد النظام في سوريا عن غير قصد. النظام الذي من الأساس كان يؤكد أن "القوى الإرهابية" المتطرفة هي الخطر الأكبر وهو يواجهها!

المستشارة الألمانية، ترفض تقديم السلاح للمعارضة، ووزير خارجيتها قال:"إن رفع حظر السلاح يعني مزيداً من العنف، وسيفتح الباب أمام سباق للتسلح"!

ويأتي هذا الكلام والعنف يزداد والسباق على التسلّح قائم. ووردت معلومات تقول إن ألمانيا لا تريد اهتزاز علاقاتها مع طهران، وهي تستفيد منها في أكثر من اتجاه، وهذا سبب رئيسي في عدم إقدامها على الموافقة على تسليح المعارضة السورية. بل قيل إن ألمانيا بوسائل مختلفة تخترق قرارات العقوبات على إيران، وهذا يفيد الدولة الفارسية كثيراً.

أما وزير خارجية لوكسمبورج "جان أسيلبورن"، فقد قال:"لا أظن أن هناك أزمة في السلاح. فهناك ما يكفي من أسلحة وسوريا تحتاج إلى أشياء أخرى خلافاً لما يدعو إليه البعض من حلول ذات طابع عسكري ويجب التركيز على الحل الدبلوماسي".

وهذا يؤكد ما ذكرناه عن أن السلاح موجود ويأتي بقوة إلى سوريا... لكنه ليس سلاحاً نوعياً يوازي ما يمتلكه الجيش النظامي، ومع ذلك توسعت دائرة سيطرة المعارضة.

وزير خارجية بلجيكا، قال: "لا بد من الحصول على ضمانات بشأن كيفية وماهية الأطراف التي ستستفيد من وصول أسلحة إلى سوريا..." وإلى أن تأتي هذه الضمانات، ولا ندري ممن ومن أين ستأتي، يكون الخراب والدمار والعنف قد ازداد والشعب السوري قد عانى أكثر ووصل إلى مراحل صعبة وتكون سوريا تدمّر أكثر فأكثر.

بدأت المواقف الأميركية والغربية والأوروبية والعربية والتركية منذ اندلاع المواجهات في سوريا بالحديث عن انتهاء شرعية الأسد، وعن سقوطه الحتمي خلال أشهر، عسكرياً، أمنياً، مالياً من خلال العقوبات والحصار. انتهت المواقف إلى حديث عن تخفيف العنف، والاهتمام بالنواحي الإنسانية والحلول الدبلوماسية، وليس ثمة شيء جدّي في الأفق.

وهذا يعني أن الحرب ستبقى مستمرة. وهي جولات. فإذا كان النظام يشعر أنه ارتاح الآن، فهذا لا يعني أنه ذاهب وقادر في اتجاه الحسم.

والمعارضة إذا تراجعت فهذا، لا يعني أنها خسرت. هي جولات من الحروب والتسابق تسير على إيقاع الحركة الدبلوماسية السياسية الجارية، والتي أسميتها في مقالة سابقة البازار الدولي المفتوح حول سوريا، ولم تأتِ لحظة الاتفاق.

وإلى أن تأتي ستبقى سوريا في دائرة العنف والخطر والدم والخراب والقتل. وهذا يفيد إسرائيل ولا يقلق أميركا... وواهم من يعتقد أنه سيكون بمنأى عن نتائج هذه الحرب. ستتوقف الحرب يوماً ما في سوريا، لكنها ستنتقل إلى مكان آخر!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف