الشهيد جرادات يخيف الجميع
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد كريشان
فجأة وضع الكل يده على قلبه خشية تدهور الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة في أعقاب حادثة الشهيد عرفات جرادات في السجون الإسرائيلية: منسق الأمم المتحدة للشرق الأوسط روبرت سيري يحذر من احتمال اندلاع موجات عنف جديدة هناك، واشنطن تدعو على لسان المتحدث باسم وزارة خارجيتها الى 'الهدوء وضبط النفس'، موسكو كما قال وزيرخارجيتها سيرغي لافروف تحث إسرائيل وفلسطين على بدء حوار مباشر بأسرع ما يمكن داعيا إلى اجتماع عاجل للرباعية الــخاصة بالشرق الأوسط (الأمم المتحدة، روسيا، الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي). إسرائيل هي الأخرى بدت متوترة فقد اعتبر وزير الأمن السابق بنيامين بن إليعزر أن المنطقة على أبواب انتفاضة ثالثة 'ستكون أكثر دموية' داعيا رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى سرعة القيام بـ'عملية سياسية' قبل أن يتم فرض عملية كهذه عليه غير أن نتنياهو لم يفعل أكثر من إرسال إسحاق مولخو مبعوثه الشخصي لنقل رسالة إلى السلطة الفلسطينية مفادها 'مطالبة 'بشكل لا يقبل التأويل بالعمل على تهدئة الخواطر في المناطق الفلسطينية' كما قالت الإذاعة الإسرائيلية.
الكل تقريبا يعرب عن مخاوف أمنية خالية من أي دسم سياسي حقيقي وخالية بالخصوص من أي تحميل إسرائيل لمسؤولية ما آلت إليه الأمور من انسداد كبير في الآفاق وإحباط فلسطيني شبه كامل، فيما لا ترى تقديرات أجهزة الأمن الإسرائيلية حرجا في الزعم بأن المواجهات والتصعيد في الأيام الأخيرة في الضفة الغربية جاءت بمبادرة من السلطة الفلسطينية غايتها وضع الموضوع الفلسطيني على أجندة الرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال زيارته لإسرائيل الشهر المقبل!!
الكل يتحدث عن الموضوع كمسألة أمنية بحتة بمفردات من نوع الهدوء والتصعيد والمواجهات وكأنها تتعلق باضطرابات داخلية في بلاد ما ولا علاقة لها إطلاقا بشيء إسمه استمرار احتلال أراض وقهر شعب على الأقل منذ عام 1967 إذا اعتمدنا 'التقويم الدولي' لهذه المسألة، بل ولا علاقة لها بما جرى في أيلول/ سبتمبر من العام الماضي في الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي يفترض أن يجعل ما جرى في سياق مختلف: مواطن في الدولة الفلسطينية العضو المراقب في الأمم المتحدة والواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي يموت تحت التعذيب في سجن الدولة المحتلة .
قليلة جدا الأصوات الإسرائيلية التي وضعت قضية الشهيد جرادات في سياق أكبر وأخطر، من ذلك ما قالته صحيفة 'هآرتس' في افتتاحيتها من أن 'نشوب انتفاضة فلسطينية في الضفة مسألة وقت وانتظار الفرصة الملائمة' معتبرة الإضراب عن الطعام الذي أعلنه عدد من الأسرى الفلسطينيين وموت جرادات قد يشكلان 'عود الكبريت الذي يشــعل النار'. ورأت الصحيفة أن ما يجري الآن من مواجهات في مدن الضفة الغربية 'يجب ألا يفاجىء أحدا بعد أعوام من الجمود السياسي وبعد معركة انتخابية إسرائيلية تجاهلت إلى حد بعيد موضوع الاحتلال'.
القيادة الإسرائيلية لم تكتف بمواصلة غرس رأسها في الرمال متجاهلة أنها لا يمكن أن تدير احتلالها لشعب كامل إلى ما لا نهاية بل إنها تمادت في التعامل مع السلطة الفلسطينية على أنها وكيلة للإحتلال وتريدها أن تحتوي الموقف ولا تسمح للاحتجاجات أن تتواصل وتتصاعد وكأن الأمور تندلع وتهدأ بمجرد الضغط على الأزرار كما قال ياسر عبد ربه. وإذا كانت مثل هذا الموقف منتظرا من دولة احتلال فهو غريب من قوى دولية وعلى رأسها الولايات المتحدة.
لقد بدأ عهد باراك أوباما بآمال كبيرة تعتقد أنه آن أوان وصول رئيس أمريكي يتحلى بالشجاعة الشخصية والسياسية التي تتيح له الإشراف على تسوية سياسية تحترم قرارات الشرعية الدولية التي هي في النهاية حلول وسط بين تصورين متناقضين للقضية. قد يكون استشهاد جرادات وما أعقبه فرصة جديدة للإدارة الأمريكية حتى تتحرك من جديد بعد كسل مريب ولكن للأسف لا شيء يوحي بذلك. وعندما تنفجر الأمور نهائيا لن يعود بمقدور أي كان أن يفعل شيئا، لا واشنطن ولا غيرها.