الفسح.. وما أدراك ما الفسح؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
بدرية البشر
لولا معرفتي ببعض رجالات وزارة الثقافة والإعلام - وعلى رأسهم الأديب والشاعر والوزير عبدالعزيز خوجة والدكتور المثقف ناصر الحجيلان وغيرهما من المثقفين الذين يعملون في الوزارة، ممن يمتلكون رؤية مثقف حقيقي - لقلتُ إن موظفيها بعيدون عن الثقافة و"يخلطون" بين مهمة بيع الكتب والسلع الأخرى، ولقلتُ أيضاً إن الوزارة تظلم نفسها حين تستعين بحَمَلة الدكتوراه والمثقفين والشعراء والقاصين، كي تقوم في النهاية بعمل بيروقراطي لا ينتج الثقافة ومحفزاتها، بل ينتج قيوداً وكوابح. وإن كان التنظيم هو مهمة الجانب الحكومي المؤسساتي إلا أن الثقافة فعل تخمده القيود، فما بالك إذا تجاوزت منطق الثقافة ومعقولية الفهم؟ أنا هنا لا أتحدث عن غياب المــسرح ولا عن السينما ولا عن الحركة الثقافية، بل عن نظام فسح الكتب. المنطق يقول إنك لن تستطع مهما أوتيت من قوة وعلم أن تحيط بكل ما تطبعه مطبعات العالم وترجماته، لذا فإن منطق إلزام الكاتب كي يبيع كتابه في المكتبات باستصدار فسح من وزارة الثقافة والإعلام هو طلب أشبه بتسلق الحواجز الألف، لا سيما أن موظفي الوزارة قبل المعرض بأشهر غارقون في ترتيب وملاحقة إعدادات معرض الكتاب الدولي، ومن ثم فإنّ آخر توقعات الكاتب أن يحظى بفسح في وقت قصير. الأكثر غرابة هو أن يتأخر كاتب سعودي صدر له كتاب عن دار نشر سعودية عن توقيع كتابه في معرض الكتاب الدولي بالرياض بسبب انتظار الفسح، وإن لم يستطع الكاتب السعودي أن يوقِّع كتابه بحرية في هذا المعرض فأين يوقِّعه، في القاهرة أو بيروت مثلاً!.
القاعدة المعــمول بها عربياً وخليجياً تقول إن فسح الكتب هو الأصــل وإن من يعترض على كتاب في السوق فعليه أن يتــقدم للوزارة باعتراض، ثم تتأكد هي من صحة الاعتراض عليه ومنعه، أما أن تُلزم الوزارة نفســها بأن تفــسح كل كتاب يصدر ويباع في الســعودية فهذا ما ليس في طاقة البشر، ولا يتخيله عقل. أصدرت كتباً من بيــروت ومن دبي، ثم باعها الناشران في هذه المدن، ولم أسمع أحداً يطلب منا فسحاً، لكنـــني حـــين أقف عند بوابة بلادي أسمع أن أمامي تعقيدات طويلة، أولها: الفسح، ثم البحث عن الجملة السحرية: "تعرف أحد في الوزارة؟".
زملاؤنا المثقفون في وزارة الثقافة والإعلام يعرفون جيداً أن هناك فضاء إلكترونياً لا حدود له، وما أن يُعلن صدور كتاب حتى يخبرك القراء والمتابعون بأنهم طــلبوه من مواقع إلكترونية توفره لهم، إما نسخة إلكترونية أو ورقية، ولا تزال الوزارة - على رغم هذا - تكلف نفسها وضع طاقم "يراقب ويفسح"، والله - وحده - يعلم كم تكلف هذه العملية من الوقت والجهد والمال، وكم من كتابٍ يرفع المراقبون أقلامهم عنه عملاً بقاعدة: "ابعد عن الشر وغني له".
قد يقول أحد إن رفع "يد الوزارة" عن مراقبة الكتب يعني الفوضى، وهذا غير حقيقي، بل إن التزامك بمراقبتها كلها - وهذا خارج قدرتك - هو ما يُحدِث الفوضى، وكل ما ستفعله الوزارة هو مزيد من الحجب والمنع الاحتياطيين، فتقدم بهذا دعايةً مجانية للكتاب وتمنح صاحبه بطولة "مفتعلة" تؤثر في حكم القارئ وحكم السياق الذي تجري فيه الأقاويل حول الكتاب، فيصبح كتاباً تافهاً عظيم الأهمية، بينما يتوارى كتاب عظيم الأهمية عن الضوء.