الحوار السياسي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
طيب تيزيني
قبل سنتين تقريباً، أي في يوم الخامس عشر من شهر مارس، اندلعت انتفاضة الشباب في سوريا، مطالبة بالحرية والعدالة والكرامة، بهدوء وسلمية، وبكيفية مُفعمة بالدهشة والغبطة. أما العبارة التي راح الناس يطلقونها، فكانت واضحة: لقد سقط الخوف! وكانت هذه العبارة رسالة ثمينة إلى النظام السوري، الذي- للأسف- لم يلتقطها في حينه ولم يفهمها بعقل سياسي وطني متواضع، وإذا رغبنا في قراءة ردِّ الفعل هذا، خصوصاً فيما فعله مسؤولان اثنان بمدينة درعا كانا هما اللذان اندلعت الأحداث في عهدهما هناك (محافظ المدينة وأمين فرع الحزب الحاكم)، دون مساءلتهما من القضاء، حتى الآن كما نعلم، نقول، إذا رغبنا في قراءة ذلك بأبسط لغة إعلامية سياسية، فإننا نقف مذهولين أمام النتيجة التالية: لم يوجد في حيازة النظام أية إجابة عليه، سوى إبقاء الأمور على ما انتهت إليه. إن هذه النتيجة تُظهر شُحَّ خياراته في الأوضاع المختلفة، التي يمر بها أو يُدفَع إليها أو يختارها داخلاً وخارجاً.
مع تلك الوضعية من شُح الخيارات، وجد النظام السوري نفسه، كما قد نقول، "مُستَفرَداً به"، والحق، إن هذه النتيجة المأساوية التي استفردت بالنظام المذكور، لم تكن مفاجئة ربما إلا له هو نفسه، قد راح -تحت تأثير رموز الدولة الأمنية الكُثُر والمتكاثرين بتسارع- يجد نفسه وجهاً لوجه أمام قرار السلاح، بدءاً بفشكة الرصاص وانتهاءً بصاروخ سكود. ومن خصوصيات هذا القرار أنه يتعاظم باضطراد مع تعاظم النتائج المأساوية في البلاد، خصوصاً وتحديداً في مجال البنية التحتية (زراعة وصناعة وتعليماً...إلخ)، كما في مجال تمزُّق النسيج المجتمعي الوطني فيما يتعلق بالطائفية والإثنية والمذهبية والعرقية ... إلخ. وحين نتابع مسار ذلك الموقف الحاد، فإننا سنكون وجهاً لوجه أمام نتائج عظمى، في خطرها على سوريا جغرافياً وسياسياً وتكوينياً وثقافياً وتاريخياً. أما أهم هذه النتائج فلعلها تتمثل في ترك السلاح والمسْلك العسكري يتحولان إلى المدخليْن أو إلى المدخل إلى الحل الناجز.
ويهمنا الآن، وبعد أن ضبطنا البدايات والنهايات، حتى حينه، التي مرّت بها أحداث سوريا، أن نلاحظ أن النظام السوري، قد راح يضيّق على نفسه الخناق، حين أفصح عن نفسه بما يصبح "الكلام الأخير"، وهو التالي: ليس أمامه (أي النظام) إلا واحد من اثنين قاطعين ، هما إما النصر الكلّي المؤزّر، وإما السقوط الحتمي. ولما كان هذا النظام قد انطلق من أنه هو الحقيقة التاريخية الوحيدة، ذاتها لسوريا، التي لا ينازعها أحد، ولا يجوز أن ينازعها أحد، فقد كان على "الأطراف الأخرى" أن "تفهم وتنفذ"! ومن شأن هذا أن يقود، إذا قمنا بتدقيقات واستنباطات كافية، إلى الأطروحة الأخيرة في المصائر التاريخية، التي تنتظر الأحداث الدموية التي يوظف فيها النظام كل الطاقة والإمكانات، فإنه سيتضح بالضرورة ما أعلنّا عنه تحت "الكلام الأخير" في سوريا الراهنة، وهو: إن ما يقبل به النظام، إنما هو ذلك الذي لا يقلّ عن كل الأشياء!
فلقد كان البدء بتفكيك الدولة الأمنية في سياق إنجاز ثلاث خطوات، مطلباً حاسماً قدمتُه في اللقاء الاستشاري في دمشق وفي بداية الأحداث. أما هذه الثلاث فهي إيقاف الصراع المسلح الذي لجأ إليه النظام، في حين كان الناس يخرجون إلى الشوارع، لينادوا: سِلمية حرية. وتأتي الخطوة الثانية وتقوم على إطلاق سجناء ثلاث فئات، سجناء الرأي، والسجناء السياسيين وسجناء الضمير (وقد حددناهم في مقالة سابقة بأنهم من تضامنوا أخلاقياً مع القتلى والجرحى). أما الخطوة الثالثة الأخيرة، فتتمثل في محاكمة مَن أمر باستخدام السلاح ومنْ روّج له ومن استخدمه، محاكمة تضبطها مراقبة حقوقية دولية، هل تحقق شيء من ذلك، وأين نحن من هذا كله؟!