جريدة الجرائد

«إخوان سوريا» ارتكبوا خطأ قاتلا وأربكوا المعارضة السورية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

صالح القلاب

أعطى "إخوان سوريا" مؤشرا على أنهم قد ينقلبون على كل ما تعهدوا به في بدايات انطلاقة الثورة السورية عندما لجأوا إلى فرض مرشحهم لرئاسة الحكومة المؤقتة غسان هيتو، الذي لا اعتراض عليه لا لشخصه ولا لتجربته ولا لـ"كرديته"، بطريقة التحايل والتسلل وفرض الأمر الواقع، وهي الطريقة نفسها التي اتبعها "إخوان مصر" للقبض على مقاليد الأمور هناك، وكانت النتيجة كل هذه الفوضى العارمة، وكل هذا الانفلات الأمني الذي بعد استفحاله بات يهدد بعواقب وخيمة.

ولعل ما ينذر بعواقب وخيمة، إذا لم يتم تدارك الأمور بسرعة، وتصحيح مسار العلاقات بين أطراف وقوى المعارضة السورية، وبين هذه الأطراف والقوى وبعض الدول العربية، أن ما جرى في إسطنبول بالنسبة لـ"المسرحية" الإخوانية في اختيار زميلهم غسان هيتو رئيسا للحكومة المؤقتة كان بتخطيط وإشراف طرف عربي بات بروزه في معادلة المعارضين السوريين ليس مزعجا فقط، وإنما أيضا مثيرا لمخاوف محقة من أن يحدث في سوريا، التي أوضاعها أكثر تعقيدا وتداخلا، ما يجري الآن في مصر، وربما أشد خطرا وأكثر مأساوية.

وللتذكير فقط فإن "إخوان سوريا"، الذين فعلوا ما فعلوه بالنسبة لأسلوب وطريقة اختيار رئيس الحكومة المؤقتة، والذين لجأوا إلى انتخابات كانت مهزلة بالفعل، كانوا قد أصدروا "عهدا وميثاقا" قالوا فيه إنه يؤسس لعلاقة وطنية معاصرة وآمنة بين مكونات المجتمع السوري بكل أطيافه الدينية والمذهبية والعرقية، وتياراته الفكرية والسياسية.

لقد جاء في هذا العهد والميثاق الذي أعلن الإخوان المسلمون التزامهم به، ولكنهم - كما يبدو - قد تخلوا عنه وعن كل ما ورد، عند أول منعطف فعلي، الذي هو منعطف اختيار رئيس الحكومة المؤقتة:

أولا: دولة مدنية حديثة تقوم على دستور مدني منبثق عن إرادة أبناء الشعب السوري، قائم على توافقية وطنية، تضعه جمعية تأسيسية منتخبة انتخابا نزيها يحمي الحقوق الأساسية للأفراد والجماعات من أي تعسف أو تجاوز، ويضمن التمثيل العادل لكل مكونات المجتمع.

ثانيا: دولة ديمقراطية تعددية تداولية وفق أرقى ما وصل إليه الفكر الإنساني الحديث، ذات نظام حكم جمهوري نيابي، يختار فيها الشعب من يمثله ومن يحكمه عبر صناديق الاقتراع في انتخابات حرة نزيهة شفافة.

ثالثا: دولة مواطنة ومساواة، يتساوى فيها المواطنون جميعا على اختلاف أعراقهم وأديانهم ومذاهبهم واتجاهاتهم، تقوم على مبدأ المواطنة التي يحق لأي مواطن، على أساسها، الوصول إلى أعلى المناصب استنادا إلى قاعدتي الانتخاب والكفاءة، كما يتساوى فيها الرجال والنساء في الكرامة الإنسانية والأهلية، وتتمتع فيها المرأة بحقوقها الكاملة.

رابعا: دولة تلتزم بحقوق الإنسان كما أقرتها الشرائع السماوية والمواثيق الدولية، من الكرامة والمساواة، وحرية التفكير والتعبير، وحرية الاعتقاد والعبادة، وحرية الإعلام، والمشاركة السياسية، وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية، وتوفير الاحتياجات الأساسية للعيش الكريم.. لا يضام فيها مواطن في عقيدته، ولا في عبادته، ولا يضيق عليه في خاص أو عام من أمره.. دولة ترفض التمييز، وتمنع التعذيب وتجرمه.

إن هذه هي البنود الأربعة الأساسية من "ميثاق إخوان سوريا" الذي تم إعلانه في الخامس والعشرين من مارس (آذار) 2012، وهي جزء من عشرة بنود جاء في البند العاشر منها: إن دولة المستقبل ستكون دولة تعاون وألفة ومحبة بين أبناء الأسرة السورية الكبيرة، في ظل مصالحة وطنية شاملة تسقط فيها كل الذرائع الزائفة التي اعتمدها نظام الفساد والاستبداد لتخويف أبناء الوطن الواحد بعضهم من بعض، ولإطالة أمد حكمه، وإدامة تحكمه برقاب الجميع.

فما الذي جرى منذ مارس الماضي حتى مارس الحالي عام 2013؛ أي خلال عام واحد؟ وكيف تصرف الإخوان المسلمون السوريون خلال هذا العام؟ وكيف تعاملوا مع زملائهم في المعارضة السورية؟ وهل هم فعلا قد رعوا تطبيق هذا الميثاق المشار إليه أم أن "حليمة" قد بقيت تتمسك بعادتها القديمة، مما عزز المخاوف من تجربة سورية جديدة كتجربة الأربعين سنة الماضية، ومن أن كل هذه التضحيات التي قدمت، وكل هذه الدماء التي سالت، هي من أجل استبدال حزب استبدادي جديد بحزب استبدادي قديم، وأن الأمور في الجوهر ستكون بقاء كل شيء على ما كان عليه..؟!

إن هذه مجرد مخاوف، وهي مخاوف محقة؛ فالأمور في العادة بخواتمها، وليس بالبيانات وبالمواثيق التي سبقتها، وحقيقة أن ممارسات الإخوان المسلمين، وإن هم بقوا يحركون "البيادق" من خلف الستارة على غرار ما يجري في مسرح العرائس، خلال كل هذه الفترة، من تجربة قوى المعارضة وأطرافها وتآلفاتها واختلافاتها، لا تبشر بالخير، وتدل على أن كل ما جاء في الميثاق الآنف ذكره هو من قبيل ذر الرماد في عيون الآخرين، ومن قبيل الضحك على ذقونهم؛ فهم، أي "الإخوان"، بقوا يفرضون "أجنداتهم" على رفاق المسيرة فرضا، وعلى أساس الاستعانة ببعض مصادر الدعم العربي، والانصياع ليس لتوجيهات بل لأوامر من اعتبر نفسه منذ اليوم الأول، "ولي فقيه" ثورات الربيع العربي، وعلى أساس أن مكانته فيها ليست كمكانة علي خامنئي وإنما كمكانة الإمام الخميني بالنسبة للثورة الإيرانية.

لقد أثبت الإخوان المسلمون، خلافا لكل ما قالوه وما أكدوا عليه في هذا "الميثاق" الذي استقبل في سوريا وفي هذه المنطقة كلها بفرح غامر، أنهم يقولون شيئا ويفعلون شيئا آخر، وأن كلام الليل بالنسبة إليهم يمحوه النهار، فهم منذ اليوم الأول واللحظة الأولى، قد تعاملوا مع باقي أطراف وقوى المعارضة السورية بتعال، وبصورة فوقية، وهم حاولوا - وقد حققوا بعض النجاح في هذه المحاولات - أن يحولوا هذه القوى وهذه الأطراف إلى مجرد "ديكور" تزييني، إنْ في المجلس الوطني، وإنْ في "الائتلاف" الذي جرى اختراعه لاحقا، وكل هذا استنادا إلى جهة عربية لا بد من توجيه الشكر الجزيل إليها على كل ما قدمته وما تقدمه، لضمان انتصار الشعب السوري في معركته المصيرية مع هذا النظام الاستبدادي، الذي لم يعد له أي مثيل في كل الكرة الأرضية.

ولعل ما لم يسترعِ انتباه الإخوان المسلمين، وهم منشغلون بمسرحية ومناورة انتخاب رئيس الحكومة المؤقتة، ويقيمون الأفراح ويحيون الليالي الملاح بعد نجاحهم في هذه المناورة، أنهم بما فعلوه وما بقوا يفعلونه قد أعطوا مصداقية لادعاءات بشار الأسد، التي أخاف بها الأقليات المذهبية: العلويين والدروز الموحدين والشيعة والمسيحيين، القائلة إن ما حصل في مصر ضد "الأقباط" والقوى الليبرالية والعلمانية سوف يحصل في سوريا إذا انتصرت هذه الثورة، وإن الشعب السوري في انتظار استبداد ديني وطائفي على غرار ما حصل في أوروبا والغرب عموما في العصور الوسطى، وعلى غرار ما زال يحصل في بعض الدول الأفريقية وفي بعض الدول الآسيوية.

لقد كانت تجربة اختيار غسان هيتو "الإخواني"، الذي بعد فوزه بادر الشيخ الإخواني أيضا صدر الدين البيانوني إلى احتضانه واعتصاره حتى كاد أن يكسر "أضلاعه". تجربة بائسة ومرعبة ومخيفة، وذلك لأنها دقت في أوساط المعارضة "إسفينا" سيؤدي حتما - هذا إن لم تتم تسوية الأمور بسرعة ويتخلَّ "الإخوان" عن هذا النهج الانفرادي والاستفرادي المدمر - إلى حرب أهلية جديدة ستكون أشد وطأة وتدميرا من هذه الحرب المحتدمة الآن، حيث كما يبدو أن هذا النظام الغاشم والمجرم قد حقق نجاحات لا يمكن إنكارها في تحويلها إلى حرب مذهبية وطائفية.

إنه على "الإخوان" بعد هذه التجربة التي عززت مخاوف الجيش السوري الحر، والتي هزت وزعزعت أركان المعارضة السورية، أن يعودوا عن هذا الخطأ القاتل، وعلى أساس أن العودة عن الخطأ فضيلة، فهم كانوا قد أصدروا هذا الميثاق الواعد والهام، الذي استقبله الشعب السوري بالفرح وبالآمال العريضة، وبأن سوريا التي ينتظرها هذا الشعب ستكون دولة ديمقراطية تعددية وتداولية، وأنها ستكون دولة حقوق أساسية للأفراد والجماعات، وخالية من أي تعسف أو تجاوز، وستكون محكومة بعلاقات معاصرة وآمنة بين كل مكونات المجتمع السوري بكل أطيافه الدينية والمذهبية والعرقية، وكل تياراته الفكرية والسياسية.. فهل سيفعلها هؤلاء يا ترى، أم أنهم سيبقون يركبون رؤوسهم، وسيبقون أوفياء لفتاوى الشيخ يوسف القرضاوي وتعليماته، فيأخذون بلدهم، هذا البلد العظيم، إلى تجربة أكثر مرارة ومأساوية من التجربة البعثية الدامية والطويلة التي باتت تنفث أنفاسها الأخيرة؟



التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
اغتيال الشرف
احمد -

للأسف انحدر برهان غليون الى اسفل الدرك الأخواني , فبعد فشل هيتو في الأنتخابات التمهيدية , انسحب غليون لصالح هيتو للمشاركة في الأنتخابات النهائية , ولاندري كم قبض غليون من قطر .

كبوش الفداء
علي البصري -

تعجبت لتولي الاخوان في مصر السلطة والاحزاب الدينية في العراق (الدعوة والمجلس الاعلى)ونفس الموضوع في تونس وكانت امريكا غير متحمسة ان يصعد انصارها لهذه المرحلة لحسابات دقيقة وانما مرحلتهم لاحقة بعد حرق هذه الاحزاب والتخلص منها وتجاوز موجة الصفحة الاسلامية وتناقضاتها واخطائها المميتة ،وفعلا سيسقط هؤلاء ويغادرون الساحة ويكفيهم الحملات الاعلامية العنيفة لهزهم واسقاطهم ،واما اذا تشبثوا فسيكون مصيرهم مصير الشموليات الساقطة الا اذا ساروا ضمن المخطط الموضوع ،ونفس الشيء سيحدث لسورية ابتدا الامر بجيش النصرة الذي استفادت المعارضة من انتحاريهم ومجهاديهم لسقوط النظام وتحطيم روحه المعنوية ثم الاخوان قاعدتهم اكبر وهم اعرق ليكملوا الدور وينتهي الامر ويبدو ان العد التنازلي بدا من الان لقناعة البعض ان النظام ساقط لامحالة وقد عبر الخطيب في كتاب استقالته عن الامر بطريقة او اخرى.

======
lolo -

استغرب ممن يصدق حزب ما لمجرد انه اصدر بيانا هنا وتصريحا هناك. يعني الاخوان شطبوا بجرة قلم تاريخهم الحزبي خلال عقود لمجرد اصدار بيان في بداية الثورة. هل نسوا بيان تعليق المعارضة للنظام بحجة احداث غزة وبسبب الاتصالات الغير مباشرة مع النظام من خلال حماس المدللة في دمشق حينها ووقتها نسوا حماة وابو حماة. وقادتهم خلال احداث الثمانينات هم نفسهم الان الا من توفاه الله يعني مالفرق بينهم وبين النظام حتى توريث المناصب شغال عندهم والا فما هي مؤهلات ياسر سعد الدين سوى انه ابن عدنان سعد الدين وهذا كاف ليبرز في صفوف الاخوان الاولى.

دود الجبنة
خوليو -

المشكلة الرئيسية والهامة في مواضيع الحكم السياسي هو أن الشريعة الدينية لاتصلح للحكم في هذا العصر ، صالحة لمن يعتنقها للعبادة فليكن كذلك ، دستور سورية القادم إن نجحت الثورة فيها (لأن جماعات تكبير أفسدوها وحولوها عن مسارها فهي تتجه نحو جنة الدين بدل أن تتجه نحو جنة الأرض) ، غير مفهوم لماذا يرفض الذين آمنوا فصل العبادة عن القيادة ،الحكم المدني يكفل لهم صيامهم وصلاتهم وحجهم وزكاتهم وشهادتهم وكل مايمت لهذه الطقوس من صلة ، كيف سيحكمون في مجتمع تعددي بفرض عقيدتهم عليه ؟ خاصة وأن هذا الحكم الشرعي لايصلح للحكم ، عليهم يقع واجب تقديم النموذج ولو في دولة واحدة اليوم ، بينما نرى أن الدول التي تطبق الشرع في الحكم هي من أكثر البلاد تخلفاً من الناحية الاجتماعية والسياسية والتقدم العلمي ، وهذا التخلف تتراوح نسبته حسب نسبة تطبيق ذلك الشرع فهي نسبة مطردة تصاعدية أي كلما زادت نسبة التطبيق تزيد نسبة التخلف ، وهذا حال جميع الدول التي تعتمد في دساتيرها عى هذا الشرع ، انظروا ليبيا بعد الثورة يخافون من كتب تبشيرية مثلاً كما يقولون ومستعدون للتعذيب والقتل والاغتصاب كما كان يفعل أمير المؤمنين وملك ملوك أفريقيا الغائب الحاضر في أذهان وأفعال الذين آمنوا ويخلطون إيمانهم بالسياسة ، فدود الجبنة أو الخل منه وفيه.