آراء في الأزمة السورية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عائشة المري
أخذت الحرب في سوريا منعطفاً مصيرياً الأسبوع الماضي بعد أن شغلت المعارضة كرسي الرئاسة السورية في جامعة الدول العربية، وفتح الائتلاف الوطني السوري المعارض أول سفارة له في قطر، وأقر القادة العرب في ختام القمة العربية الرابعة والعشرين التي عقدت في الدوحة بحق كل دولة عربية في تسليح الجيش السوري الحر، مع تأكيد القادة على أهمية الجهود الرامية للتوصل إلى حل سياسي كأولوية للأزمة السورية. لقد بات جلياً أن مستقبل سوريا سيقرره الصراع المسلح، وليس المفاوضات السياسية. فهل هذا يعني العسكرة الرسمية للأزمة السورية؟ وهل يعني تسليح المعارضة أن تنتقل القوى الإقليمية والدولية لمقاعد المتفرجين على الأزمة السورية حتى يحسم الصراع لصالح أحد الطرفين؟ ولماذا انحسر الحديث عن ضرورة التوصل إلى إجماع دولي حول "التدخل الإنساني" في سوريا؟
منذ البداية، اختار الأسد الحسم العسكري، وراهن على الانقسامات الدولية لتحجيم القرار الدولي، ومع استمرار الحرب في سوريا تتباعد فرص التسوية السلمية، فحتى عندما كانت المعارضة مستعدة للتفاوض ظلت متفقه على أن خيار التفاوض يشترط انتقالاً للسلطة من الأسد لبداية التغيير الديمقراطي في سوريا. لقد أظهر الأسد عناداً عير عادي فعلى رغم حمامات الدماء رفض التنحي، وظلت الحلقة الضيقة المحيطة به والتي ربطت مصيرها به تعتبر بقاء النظام مسألة حياة أو موت. والحرب مستمرة بين قوات النظام السوري والجيش الحر، أسلحة ثقيلة مقابل حرب العصابات، فيما يشن الطيران الحربي غارات يومية على مختلف المحافظات السورية التي تشهد معارك بين جيش النظام والجيش الحر، والمدنيون هم من يدفعون ضريبة هذه الحرب. وفي الأسابيع الأخيرة بدأت قوات الأسد بإطلاق صواريخ "سكود" بعيدة المدى على المناطق الشمالية في سوريا الخاضعة للجيش الحر، وخاصة في محافظة حلب موقعة المئات من القتلى والجرحى.
وقد صرح الأخضر الإبراهيمي المبعوث الأممي إلى سوريا بأنه لا يرى نهاية قريبة للحرب الأهلية العنيفة الجارية داعياً المجتمع الدولي إلى تكثيف الضغوط الدبلوماسية على طرفي النزاع، مؤكداً على أن تسليح المعارضة السورية ليس حلاً للأزمة. وفي تصريح مشابه لكوفي عنان، المبعوث الأممي السابق إلى سوريا قال: "لقد فات أوان التدخل العسكري هناك. وإن تسليح معارضي الأسد لن ينهي الأزمة المستمرة منذ عامين". وكذلك صرح رئيس بعثة المراقبين الدوليين السابقة في سوريا الجنرال النرويجي روبرت مود بأنه لابد من وجود تكافؤ عسكري بين النظام والمعارضة السورية في الميدان، قائلاً إن تحقيق التكافؤ في الملعب الآن بالمعنى العسكري يعني بحث فرض مناطق لحظر الطيران، وبحث ما إذا كانت منظومة صواريخ باتريوت في تركيا قد تلعب دوراً أيضاً في الاضطلاع بقدر من المسؤولية في المناطق الشمالية من سوريا. إلا أنه عارض تسليح المعارضة السورية.
وتأتي هذه التصريحات بعد أن رفضت دول حلف الأطلسي توسيع نطاق صواريخ باتريوت التي نشرت مطلع هذا العام في جنوب تركيا على مسافة تقارب أربعين كيلومتراً من الحدود مع سوريا، كما تراجعت فرنسا عن قرارها بتسليح المعارضة حيث قال أولاند، إن بلاده ستتمسك بالحظر الأوروبي على توريد أسلحة لسوريا، وأنها لن ترسل أسلحة إلى مقاتلي المعارضة طالما أنها لم تتأكد بشكل قاطع من أن هذه الأسلحة لن تقع في أيدي "جماعات إرهابية".
لقد تركت التجاذبات السياسية والقانونية والعسكرية وحتى الإنسانية الشعب السوري أمام الآلة العسكرية لنظام الأسد، ولكن تزويد المعارضة بالسلاح سيؤجج الصراع في سوريا، فبعض الأطراف الدولية والإقليمية ستزايد على تأجيج الحرب الأهلية في سوريا وستزيد الصراع حدة ودموية، ولا تزال الخيارات السياسية والدبلوماسية ممكنة والتسوية السياسية كذلك. ولا توجد إجابات سهلة على أوضاع معقدة كالوضع السوري بكافة التجاذبات الإقليمية والدولية للصراع، ولكن سيبقى خيار التدخل الإنساني الدولي هو أفضل الخيارات السيئة في الحالة السورية.