إيران تتحايل على العقوبات الدولية من سويسرا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
هدى الحسيني
خرجت دول "5+1" من اجتماع ألمآتي الثاني مع إيران تجر أذيال الخيبة.. وقال البيت الأبيض مبررا الفشل، إن الأمر كان متوقعا؛ إذ لا يمكن لإيران اتخاذ موقف حاسم في شأن قضية حاسمة مثل برنامجها النووي، وانتخاباتها الرئاسية على الأبواب.
تعرف إيران كيف تكسب الوقت إلى جانبها، وكيف تجعل الدول الغربية تصطدم دائما بحائط مسدود، رغم رؤيتها المسبقة لهذا الحائط السميك جدا. قد تكون الدول الغربية تعتمد على أمل وحيد أن تفعل المقاطعة الدولية فعلها. على الشعب الإيراني صار تأثير المقاطعة واضحا، لكن النظام الإيراني يستمر في جهوده لتجاوز العقوبات خصوصا عبر سويسرا.
العام الماضي رسمت الدول الغربية الطريق بالإقدام على خطوات حاسمة لإلحاق الضرر بالاقتصاد الإيراني من خلال تقييد قدراته في قطاعات الطاقة والمال وغيرها. العقوبات الجديدة التي فرضتها المجموعة الأوروبية في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي كان القصد منها وضع شركات أوروبية متعاونة مع إيران على اللائحة السوداء، جنبا إلى جنب مع الشركات التي حددتها الولايات المتحدة. وكانت الولايات المتحدة فرضت عقوبات تتجاوز الحدود الإقليمية، بهدف ردع الدول الأخرى عن الاحتفاظ بعقود نفطية أو تجارية مع إيران، من خلال التهديد بفرض عقوبة مادية على هذا السلوك من حيث الوصول إلى الأسواق الأميركية.
وليس من قبيل الصدفة أن هناك اليوم التزاما دوليا بفرض العقوبات، أكبر بكثير مما كان عليه الأمر قبل سنتين، وبالتالي هناك إجماع واسع النطاق بأن نظام العقوبات الأخير يترك تأثيرا واضحا على الداخل الإيراني.
لكن في الوقت نفسه، هناك إحباط دولي من أن العقوبات لا تترك، وبسرعة، التأثير المقصود منها، الذي هو في النهاية دفع إيران إلى التخلي عن طموحاتها النووية العسكرية وانتهاج الشفافية التامة بحيث يمكن التحقق من أن سياستها النووية سلمية ولأغراض مدنية فقط. حتى الآن لم يصدر مثل هذا القرار عن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي.
السرعة كي تثبت هذه التدابير فعاليتها، تتضاءل بتعاون الشركات متعددة الجنسيات مع الجهود التي يبذلها النظام الإيراني للتحايل على العقوبات كلما سنحت له الفرصة.
لجنة خبراء الأمم المتحدة التي أنشئت للتحقق من مدى امتثال إيران للقرار الدولي "1929"، أطلعت المجتمع الدولي على الجهود الإيرانية الحثيثة للتهرب من العقوبات. نجم هذا عن تطوير إيران شبكة معقدة من الشركات الوهمية والممارسات التجارية غير المشروعة تستخدمها لإخفاء الشركات الموضوعة على اللائحة السوداء والأفراد الذين يلعبون دورا رئيسا في مساعدتها كي تصبح دولة نووية من شأنها تغيير التوازن العسكري والسياسي في منطقة الشرق الأوسط وربما أبعد منه.
طريقة التعاون مع هذه الشركات تعتمد على صفقات متكافئة، مما زعم أخيرا عن تورط شركتين عملاقتين مقرهما سويسرا هما "غلينكور" و"ترافيغورا" مع شركة على علاقة قوية بنشاطات إيران النووية ("ديلي تليغراف" البريطانية 2013/3/1). الشهر الماضي تبين أن شركة "غلينكور" أكبر شركة في العالم للسلع الأساسية، وشركة "ترافيغورا" ثالث أكبر شركة في العالم في تجارة المواد الخام، وفرتا آلاف الأطنان من الألمنيوم لشركة الألمنيوم الإيراني "إيرلاكو". ورغم انتشار واستعمال الألمنيوم في العالم، فإن هناك حاجة خاصة له في إيران لإنتاج أنابيب تستخدم في صنع أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم.
شركة "إيرلاكو" الإيرانية اتهمت بشكل مباشر في تنمية قدرات إيران النووية من خلال تعاملها مع شركة "الطرد المركزي التكنولوجية" المعروفة، باسم "تيزا"، وهذه شركة فرعية "لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية (A.E.O.I)". كبار المسؤولين في الشركتين تعرضوا لعقوبات دولية بقرار من مجلس الأمن، و"إيرلاكو" نفسها عوقبت من قبل الاتحاد الأوروبي في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي. إضافة إلى ذلك، وقبل ثلاث سنوات، أصدر مجلس الأمن الدولي قرارا ملزما يحظر على الحكومات القيام بأنشطة يمكنها أن تسهم في "إثراء التخصيب". واليوم تزداد الصعوبة على إيران والشركات الإيرانية لإجراء معاملات مالية لأغراض التجارة الخارجية، إلا أنه لا يزال لديها شريان حياة تجاري مهم.
على سبيل المثال، حققت إيران فائدة كبيرة في السنوات الأخيرة من أحد المصارف السويسرية الخاصة، وهو عائد لشخصية هندية، وتتركز أعماله بشكل رئيس على الأسواق الناشئة. صفقات "متكافئة" من النوع المذكور ساعدت إيران في التغلب على عقوبات المقاطعة من خلال الدفع بالسلع بدلا من المال. من هنا، لا يزال هناك المزيد مما ينبغي عمله قبل أن تعجز إيران عن القيام بأعمال تجارية مع بقية أنحاء العالم.
من المتوقع أن تبقى نوايا إيران في ما تريد تحقيقه ثابتة، بغض النظر عن استئناف المحادثات معها أو عدمه حول برنامجها النووي.. إذ تم أخيرا الكشف عن بيان وزعه مكتب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد على كل الأطراف المعنية داخل الحكومة الإيرانية بوجوب توسيع العلاقات الاقتصادية مع الشركات السويسرية في ضوء التسميات الجديدة للاتحاد الأوروبي.
جاء هذا البيان بعد توصية سابقة من قبل البنك المركزي الإيراني لتكثيف الأنشطة مع الشركات التي تتخذ من سويسرا ودول أخرى خارج منظومة الاتحاد الأوروبي، مقرا لها.
ومما لا شك فيه أن المسؤولين الإيرانيين ركزوا على إعلان الحكومة السويسرية في يوليو (تموز) 2012 أنها لا تنوي اعتماد جميع العقوبات الجديدة بحق إيران التي فرضتها أوروبا. رفضت وزارة الاتحاد للشؤون الاقتصادية فرض حظر على الاتفاقيات النفطية مع إيران، وسمحت للبنك المركزي الإيراني بمواصلة نشاطاته في سويسرا.
الخلاصة، أن سويسرا قبلت جزئيا العقوبات الجديدة، وبالتالي، فإن ما انكشف يدل على فيض من العلاقات التجارية الثنائية بين إيران وسويسرا في مختلف المجالات.
وفي حين لا تستورد سويسرا النفط من إيران، فإن تجارة النفط الإيراني تعمل فوق الأراضي السويسرية.. فمثلا، شركة "نفط إيران" التي هي جزء من "شركة النفط الوطنية الإيرانية" مقرها لوزان، والشركتان الإيرانيتان مشمولتان بنظام العقوبات الأميركي والأوروبي.
يستخدم الإيرانيون عدة شركات غطاء لتجاوز العقوبات الغربية، بما في ذلك شركة "بترو سويس للتجارة" وهي تعمل من المبنى نفسه في لوزان الذي يضم مكاتب شركة "نفط إيران". وحلت محل شركة "اللؤلؤ لخدمات الطاقة" التي وضعت على القائمة السوداء من قبل الولايات المتحدة.
العقوبات عمل صعب. أظهر التاريخ بعض الظروف حيث كانت العقوبات فعالة، وأخرى حيث باءت بالفشل.
وبالنسبة لإيران وعلى الرغم من كل التصريحات المتفائلة، فإنها لم تنجح بعد. وكي تتوفر فرصة لنجاحها من نافذة أخيرة لا تزال مفتوحة، فإن هناك حاجة لالتزام مطلق من قبل الشركات والدول في كل أنحاء العالم بتطبيق العقوبات بدقة صارمة، عندها فقط قد تعيد القيادة الإيرانية مراجعة حسابات مصالحها الوطنية بطريقة لا تعود تمثل خطرا إقليميا ودوليا كما هي الحال اليوم.
لكن مع انكشاف خلايا تجسسية تابعة لإيران في السعودية، ومع استمرار دعمها للنظام السوري الذي حتى وإن ربح الحرب، فإنه خسر سوريا ودمرها، ومع التحدي الكلامي الصادر عن كوريا الشمالية، وأخيرا مع الثناء على الموقف التركي تجاه إسرائيل حيث قال سفير طهران في أنقرة: "تعلمنا من تركيا أن إسرائيل لا ينفع معها سوى القوة والتحدي".. مع كل هذه المواقف، يتقلص الأمل في أن القيادة الإيرانية، بعد الانتخابات الرئاسية، قد تعتمد سياسة التهدئة، وضرورة بناء جسور الثقة بينها وبين بقية دول العالم!