في انتظار رفع الظلم عن لبنان...
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
خيرالله خيرالله
طوى لبنان إحدى أكثر الصفحات سوءاً وسواداً في تاريخه وذلك عندما تخلّص من حكومة "حزب الله" برئاسة نجيب ميقاتي. هل هي بداية مرحلة جديدة في البلد بعد تكليف تمّام صائب سلام تشكيل الحكومة الجديدة؟
سيتوقف الكثير على ما إذا كان تمام سلام سيكون قادرا على تشكيل الحكومة. كذلك سيتوقّف الكثير على طبيعة الحكومة التي يمكن ان يشكلها، خصوصا في ضوء اصرار "حزب الله"، الذي ليس سوى لواء في "الحرس الثوري" الايراني، على التمسّك بوزارة الخارجية من منطلق مذهبي ضيّق محض للأسف الشديد. وكأن الاتيان بوزير للخارجية غير شيعي، او شيعي ولاؤه للبنان أوّلا، ضربة للمحور الايراني- السوري الذي يعتبر هذا الموقع ملكا له وملحقية من ملحقيات السفارتين الايرانية والسورية في بيروت. لا يمكن بالطبع الاعتراض على أن يكون وزير الخارجية اللبنانية شيعيا. فالطائفة الكريمة تمتلك بعض افضل الشخصيات اللبنانية المستقلة التي تعبّر عن المصلحة الوطنية اللبنانية وعن العمق العربي للبنان في الوقت ذاته.
لكنّ الذي حصل هو أنّ هذه الوزارة تحوّلت اخيرا بفضل المحور الايراني- السوري إلى وسيلة تستخدم لخدمة اغراض سياسية لا علاقة للبنان بها من قريب او بعيد. من بين ذلك، المطالبة بإعادة النظر في تعليق عضوية سورية في جامعة الدول العربية. وهذا التعليق للعضوية لم يستهدف سورية العضو المؤسس في جامعة الدول العربية، بل استهدف نظاما يذبح شعبه يوميا...بل في كلّ ساعة، بدعم ايراني مكشوف وبمشاركة فاعلة من عناصر "حزب الله" تسللت إلى الاراضي السورية لتكون في خدمة النظام الفئوي الذي ارتضى ان تكون سورية مستعمرة إيرانية لا أكثر.
يشكّل تكليف تمّام سلام تشكيل الحكومة خطوة على طريق تحرير الوطن الصغير من الوصاية الايرانية التي كان افضل تعبير عن مدى نفوذها طريقة تشكيل الحكومة المستقيلة التي فرضت فرضا على اللبنانيين والتي كانت مجرد أداة في خدمة المحور الايراني- السوري من جهة وعصا غليظة تعمل على اذلال المسيحيين والسنّة من جهة اخرى...بعد اخضاع الدروز عن طريق الترهيب طبعا.
كانت تلك حكومة الانتقام من المسيحيين والسنّة بامتياز. التخلص منها لا يعني التخلص من وزراء لا همّ لهم سوى الاساءة بكلّ الوسائل إلى اللبنانيين الشرفاء فحسب، بل يعني ايضا أن لبنان سيكون قادرا على التطلع إلى مستقبل افضل ببعض الثقة وأنّ هناك بداية وعي لدى كبار المسؤولين وزعماء الاحزاب الكبيرة، بغض النظر عن انتمائهم المذهبي والمناطقي، لضرورة العمل لمصلحة لبنان.
من هذا المنطلق، كان الرئيس تمّام سلام على حق عندما قال، مباشرة بعد تكليفه رسميا تشكيل الحكومة، انه سيسعى إلى قيام حكومة "المصلحة الوطنية". نعم، مطلوب حكومة تحفظ مصلحة لبنان وليس حكومة تحفظ مصلحة النظام السوري الذي يرفض الاعتراف بأنّه انتهى نظرا إلى أن هدفه النهائي تفتيت سورية بدل الانسحاب من الساحة تمهيدا لمرحلة انتقالية. يمكن لهذه المرحلة أن تسمح بلملة الجراح ولملمة ما بقي من هذا البلد العربي المهمّ الذي استخدم طويلا في عملية ابتزاز يومية للعرب.
عمليا، لم يفعل هذا النظام في لبنان سوى السعي إلى تدمير ممنهج للبلد ومؤسساته وزيادة الانقسامات الطائفية والمذهبية فيه وترسيخها. اما فلسطينيا، فكان همّه محصورا في المتاجرة بهذا الشعب وقضيّته تحت شعاري "الممانعة" و"المقاومة"...
ما يبعث على بعض الأمل شخصية تمّام سلام الذي يرى في بيروت مدينة لكلّ اللبنانيين، وليس مربّعات طائفية ومذهبية. ويرى في لبنان نموذجا لما يفترض أن يكون عليه الوطن الصغير الذي لعب في الماضي دورا رائدا في محيطه على كلّ الصعد.
كان لبنان، قبل أن تمتد اليه يد النظام السوري الذي لعب دورا اساسيا في اندلاع الحرب الاهلية في العام 1975 عن طريق تسليح الفلسطينيين والميليشيات المسيحية والاسلامية ثم الميليشيا الايرانية التي يطلق عليها اسم "حزب الله"، نموذجا لما يمكن ان تكون عليه دولة شرق اوسطية متمسكة بثقافة الحياة والديموقراطية. كان لبنان بلدا قادرا على أن يحقق تقدما على كلّ المستويات، خصوصا في مجال تطوّر المجتمع نحو الافضل عن طريق التعليم. تكمن اهمّية تمّام سلام في أنه يعرف كلّ ذلك، ويعرف خصوصا أن والده صائب سلام تعرّض لاغتيال سياسي على يد النظام السوري. جعله ذلك يمضي سنوات طويلة في المنفى. كان السعي إلى اغتيال صائب سلام سياسيا جزءا لا يتجزّأ من عملية تستهدف القضاء على الشخصيات الوطنية اللبنانية القادرة على ان تقول لا لنظام طائفي لا يؤمن سوى بإلغاء الآخر.
لن تكون حكومة تمّام سلام، في حال تشكيلها، حكومة تصفية حسابات مع احد. ستكون حكومة كلّ لبنان واللبنانيين، حكومة الشعارات التي رفعها صائب سلام دائما وآمن بها مثل "لبنان واحد لا لبنانان" و"لا غالب ولا مغلوب".
في المقابل، ان وضع العراقيل امام تشكيل الحكومة عن طريق استخدام النائب المسيحي ميشال عون المتمسك بحقائب وزارية معيّنة يتولاها فاشلون في الانتخابات... أو عبر التمسّك بصيغة عفا عنها الزمن مثل "الشعب والجيش والمقاومة"، يشرّع الابواب امام الفراغ. الخوف، كلّ الخوف من أن يمون هذا الفراغ هو الذي يطمح اليه "حزب الله" كي يتخلّص من اتفاق الطائف والوصول إلى "المؤتمر التأسيسي" الذي يؤدي إلى المثالثة بدل المناصفة! الشيء الوحيد الاكيد حتى الآن، أن تكليف تمّام سلام تشكيل الحكومة يرفع بعض الظلم عن عائلة بيروتية محترمة لم تؤمن يوما سوى بالعيش المشترك. وفي انتظار رفع الظلم عن كلّ لبنان وكلّ عائلاته، يمكن الاكتفاء مرحليا بترديد لأنه لا يصحّ الا الصحيح...مهما طال الزمن.
التعليقات
عقيدة المسؤوليّة
فاطمة الزّهراء موسى -سألني مدرسي البريطاني أول ما التحقت بكلية الصحافة عن العقوبات بما فيها العقوبات الحبسية المفروضة على الصحافيين في المغرب، فأجبته أنهم يذهبون للسجون لفترات وجيزة، فلم يتمالك أن ضحك من كلامي! تذكرت حديثي معه حين شاهدت باسم يوسف يتحدث عن أوضاع السجون ومأل من يلجونها سواء دخلوها ظلما أو لجرائم ارتكبوها، وتذكرت حديثي معه اليوم أيضا حين شاهدت انسحاب القاضي المكلف بالنظر في قضية الرئيس المصري السابق محمّد حسني مبارك. لم أحمل يوما سكينا أو خنجرا أو سهما أو حتى حجرا في حقيبتي لأرد بها الاعتداءات عني أثناء عملي صحافية، ولم أرغب أيضا أن أدخل السجن ظلما وتركت المعتدين يفعلوا بي ما شاؤوا. لم أكن درست الصحافة ولا كنت أفكر بالعمل فيها حتى، ولم أفكر في ترك العمل في الصحافة حين التحقت بها فقد كنت تعرضت مرتين قبلها للطرد من العمل وفي كل مرة أطرد من العمل كنت أتعرض للتعيير ممن أعرفهم ومن أقاربي،و أجد صعوبة بالغة في تقبل التعيير، فاستمريت في العمل في الصحافة عملا بالمثل ايه للي رماك على المرّ للي أمرّ منه. وأعتقد أنني ظلمت نفسي حتما، حيث ما كان ينبغي أن أعمل في مكان عمل لا أجد أنه يناسبني فقط خشية التعيير. وأعتقد أن انتظار رفع الظلم سواء ظلم الشخص لنفسه أو ظلمه من قبل غيره أو سواء تعلق الأمر بالظلم الواقع على بلد ليس الصبر الذي تحث عليه الأديان والحكماء، فالمصلحة كما ذكرت سواء تعلق الأمر بمصلحة شخص أو بلد أن لا ينتظر رفع الظلم بل يبادر إلى إزالته حالما يقع