«سوق المناخ» وسوق الخزامى
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سمير عطا الله
هذا الشهر يطلع الخزامى في هولندا بكل ألوانه. من الأحمر النعماني إلى الأزرق السماوي. ومع أنه رمز هولندا وفخرها فإنه لم يولد فيها، بل حمله بحارتها من آسيا الوسطى، يوم كانت سيدة البحار أو المحيطات، قبل البرمائية الأخرى، بريطانيا. كانت سفنها تمضي عامين في الرحلة إلى الهند أو الصين وتعود محملة بالبهارات والحرير والسلع الغريبة. وكل رحلة كانت تحمل لصاحبها ربحا قدره 2000 في المائة.
عام 1593 وصلت على ظهر باخرة بصلة الخزامى. انتبهت المزارع إلى جمالها فرفعت سعرها. صارت تزين حدائق الأغنياء. من زهرة برية مهملة في بوادي آسيا إلى زهرة مدللة في البلاد الواطئة الواقعة دون سطح البحر. ثم حدث شيء مذهل ومثير. ضرب الزهرة مرض فأضعف براعمها، لكنه أيضا غير في ألوانها. ستة ألوان مختلفة بدلا من الأحمر وحده. وهام الناس بالألوان الجديدة. وصاروا ينتظرون السفن في المرافئ ليحصلوا على بصل الخزامى. وقبل أن تصل البصلة إلى مكانها في الحديقة كان يتداولها التجار من ثمن إلى ثمن مجنون إلى ثمن لا يصدق. ودخل جميع الهولنديين في تجارة الخزامى، أو التوليب. وصار سعر البصلة الواحدة أغلى من سعر منزل في أمستردام.
عام 1637 قرر أحد التجار أن يبيع كل مخزونه من بصل التوليب في المزاد. قبل ذلك بأيام كان المخزون يساوي الملايين، لكن في هذا اليوم لم يتقدم أحد للشراء. شاع الخبر وخلال ساعات بدأ الجميع ببيع ما لديهم، بنصف السعر ثم بربعه، ثم لم يعد للتوليب سعر ولا مشتر. وخسر الناس أموالهم وضاعفوا ديونهم وتبخرت 32 في المائة من ثروة البلاد. حتى الذين لم يستثمروا في بصل الخزامى لحقتهم الخسائر. وركد الاقتصاد. وهبطت حركة السفن. كانت تلك أول "فقاعة" تجارية في التاريخ. أخفق المضاربون في الانتباه إلى السعر الحقيقي للسلعة.
أوائل الثمانينات شاهدت الصورة تتكرر في "سوق المناخ" في الكويت. لم يندفع الكويتيون وحدهم إلى المضاربة فيها، بل جاء إليها أثرياء العرب. وعندما قام عدنان خاشقجي بزيارة "السوق" التي لم تكن سوى مبنى، زاد جنون المضاربين، لا بد أن خاشقجي يعرف عن كنوز مخبوءة لا يعرف أحد عنها.
تصاعدت الأسعار الوهمية مثل أسعار بصل الخزامى الهولندي في القرن السابع عشر. صار أصحابنا يحدثوننا عن الملايين كمن يحدث عن فطور فول من النوع الذي يسافر من أجله الصديق عماد الدين أديب إلى عمان. ثم فجأة صار الأصحاب يتحدثون عن ديون. ثم بدأنا نقرأ عن أن شركة الدجاج في أم القيوين لا دجاج فيها ولا بيض. لم يتضرر فقط المضاربون، بل أيضا الذين خشوا منذ اللحظة الأولى أن تكون سوق المناخ مثل سوق بصل الخزامى في أمستردام.
لا تزال تظهر كل فترة فقاعة ما في سوق ما. أنا أحببت من التوليب العنق وحمرة الخجل ذات ربيع من زمن طويل. البصل للأغبياء.