جريدة الجرائد

كابريليس: بين مصارعة تشافيز وتهدئة الاحتراب

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

دبي

تلاحقت الأحداث والتطورات بوتيرة سريعة في فنزويلا خلال الأيام المنقضية على انتخاباتها الرئاسية بداية الأسبوع الماضي؛ فبعد الإعلان صبيحة الاثنين عن فوز نيكولاس مادورو، مرشح حزب الرئيس الراحل هوجو تشافيز، دعا منافسه ومرشح المعارضة إنريك كابريليس، جماهير مؤيديه للنزول إلى الشارع رفضاً للنتائج التي وصفها بالمزورة، فبدت فنزويلا على شفى حرب أهلية، خاصة بعد أن أظهرت نتائج الانتخابات ذلك الحجم المتزايد للمعارضة، والتي بدت مصممة على التصعيد والنزول للشارع. لكن انفراجاً سُجل عقب إعلان المجلس القومي للانتخابات، الخميس الماضي، عن البدء بإعادة فرز عدد من صناديق الاقتراع، بناءً على طلب المعارضة. ورغم أن كابريليس كان قد أعلن بأن إحصاءات فريقه توضح فوزه بالانتخابات، وهو تصريح تسبب في صدامات واسعة، فقد سارع بقبول قرار المجلس القومي للانتخابات، وإن لم يرق إلى مستوى عملية الفرز اليدوي التي طالب بها، قائلا إن "الحقيقة ستنجلي قريباً".

وكابريليس؛ محام وسياسي ورجل أعمال فنزويلي، كان قد أصبح برلمانياً قبل خمسة عشر عاماً، ثم رئيساً لبلدية، فحاكم إقليم. وهو مرشح المعارضة في الانتخابات الرئاسية لعام 2012 والتي حصل خلالها على نسبة 44.3 في المئة من الأصوات أمام تشافيز، كما أصبح مرشحها في الانتخابات التي أُجريت عقب وفاة تشافيز، حيث حصل على حوالي 49 في المئة من الأصوات.

وهنريك كابريليس من مواليد كراكاس عام 1972، وهو ينحدر من عائلتين غنيتين في فنزويلا، ووالده هو المقاول الشهير هنريك كابريليس جارسيا. وبعد أن تلقى تعليمه في مدرسة خاصة بكاراكاس، درس القانون في الجامعة الكاثوليكية ليصبح محامياً متخصصاً في الشؤون الاقتصادية. أما بداية مشواره السياسي فكانت في عام 1998 حين انتخب نائباً في البرلمان، ثم رئيساً لمجلس النواب في العام نفسه، وكان الأصغر سناً بين من تولوا هذا المنصب في تاريخ البلاد. وبعيد حل المجلس انتخب عضواً في مؤتمر الجمهورية (مجلس الشيوخ) ونائباً لرئيسه حتى مارس 2000. ومن بعد أصبح عمدة لبلدية "باروتا" (في كاراكاس)، قبل أن يفوز في نوفمبر 2008 بمنصب حاكم ولاية ميراندا، والذي شغله حتى مايو 2012، وأطلق منه مشروعاً لتوزيع حقائب الطعام المجانية على الفقراء في إطار مخططه "الجوع صفر".

وإلى ذلك فكابريليس هو الزعيم الحالي لحزب "العدل أولا" وأحد مؤسسيه في عام 1992، حينما قامت مجموعة من طلاب الجامعة بإنشاء "رابطة الحقوق المدنية" رداً على "تدهور النظام القضائي الفنزويلي". وبينما يصنف الحزب نفسه ضمن تيار الوسط الليبرالي، ويتحدث عن استلهام الأفكار الإنسانية في المجال السياسي، يتهمه أنصار تشافيز بالانتماء لليمين الفاشي.

وقد ظل حزب "العدالة أولا" غير مسجل رسمياً لدى "سلطة الأحزاب" حتى عام 2000 حين شارك في الانتخابات البرلمانية، والتي فاز فيها خمسة من أعضائه على رأسهم كابريليس، لكنه قاطع الانتخابات التشريعية لعام 2005، واصفاً إياها بالمزورة.

ووُجهت لكابريليس في عام 2002 تهمة المشاركة في اقتحام السفارة الكوبية في كاركاس، والتي لجأ إليها بعض وزراء تشافيز خلال الانقلاب عليه، وكان كابريليس رئيساً للبلدية التي شهدت الأحداث، فتم سجنه أربعة أشهر قبل تبرئته أخيراً.

وخلال انتخابات أولية داخل المعارضة الفنزويلية، في فبراير 2012، تم اختيار كابريليس كمرشح عن "الائتلاف من أجل الوحدة والديمقراطية" في انتخابات الرئاسة لعام 2012. ويضم الائتلاف مجموعة من القوى والأحزاب المعارضة، والتي تتنوع بين اليمين واليسار، وقد قررت التوحد خلف مرشح واحد منعاً لتفتت أصواتها في مواجهة الرئيس المنتهية ولايته في حينه تشافيز. ويعرّف الائتلاف نفسه بأنه يسار الوسط، مع تبنيه نسخة مطورة من البرنامج الاقتصادي للرئيس البرازيلي السابق "سيلفا" والذي تسير عليه من بعده "روسيف"، ويعد بانفتاح الاقتصاد، ووقف إمدادات النفط الفنزويلي لكوبا ونيكاراجوا، وإعادة تدعيم "البعثات" (برنامج اجتماعي تموله شركة النفط الحكومية)، وبزيادة الحد الأدنى للأجور بنسبة 25 في المئة، وتقليص مدة الولاية الرئاسية إلى أربع سنوات مع إمكانية تجديدها مرة واحدة فقط.

وخلال الحملة الانتخابية، اتهم تشافيز وأنصاره "الائتلاف من أجل الوحدة والديمقراطية" بتبني برنامج مختلف عما يعلنه. وقد كشف جزء من الصحافة الفنزويلية في نهاية الحملة ما يبدو أنها وثيقة داخلية للإتلاف تتحدث عن خفض لدعم المواد الغذائية، وإنهاء محلات السوبر ماركت المخصصة لإطعام الفقراء المدقعين. وهي فضيحة دفعت بثلاثة أحزاب لمغادرة الائتلاف، بينما قال كابريليس إن الوثيقة مزورة من جانب الحكومة، وإن اعترف بكونه أحد دعاة الخصخصة الواسعة، وخفض التدخل الحكومي في المجال العام.

وفي 7 أكتوبر 2012 خسر كابريليس الانتخابات الرئاسية بنسبة 44.31 في المئة من الأصوات، لصالح تشافيز الذي فاز بنسبة 55.07 في المئة، لكن نتيجة كابريليس كانت أفضل ما وصل إليه مرشح للمعارضة أمام تشافيز منذ انتخابه لأول مرة في عام 1998. غير أنه بعد بضعة أسابيع، استطاع كابريليس إلحاق الهزيمة بأحد أهم مرشحي حزب تشافيز في الانتخابات الإقليمية، حيث فاز الزعيم المعارض، وللمرة الثالثة، بمنصب حاكم ولاية ميراندا في شمال البلاد، وهي ثاني أكبر ولاية من حيث عدد السكان.

وندد كابريليس مراراً بحجب المعلومات الحقيقية حول الحالة الصحية لتشافيز الذي عاد إلى كوبا لتلقي العلاج بعد وقت قصير من إعادة انتخابه لرئاسة الجمهورية، قبل الإعلان عن وفاته يوم 5 مارس 2013. وبعد ذلك بخمسة أيام أعلن كابريليس ترشحه للانتخابات الرئاسية المبكرة في 14 أبريل.

وبعد حملة انتخابية قصيرة جداً، حصل كابريليس على حوالي 48٫98 في المئة من الأصوات، فرفض الاعتراف بالنتائج مشيراً إلى وجود آلاف المخالفات الانتخابية، فضلا عن اختراق الحيادية من طرف المجلس القومي للانتخابات، والذي تنتمي أغلبية أعضائه لحزب تشافيز. فانطلقت المظاهرات والاشتباكات بعد يوم واحد من الانتخابات، مما تسبب في مقتل 8 أشخاص وإصابة المئات في أنحاء البلاد، فبدا أن فنزويلا تمر بمنعطف يحمل الكثير من نذر الحرب الأهلية.

لكن إعلان زعيم المعارضة، كابريليس، إلغاء التظاهرات التي كانت مقررة الأربعاء الماضي، ودعوته للحوار، وقرار المجلس القومي للانتخابات بإعادة فرز بعض الأصوات... ساهمت في التهدئة وتخفيف الاحتقان. ورغم ذلك فليس من المتوقع أن تؤدي إعادة الفرز إلى تغيير كبير في النتائج يمكن أن يأتي بكابريليس إلى كرسي الرئاسة، وإن كان من شأنه أن ينزع فتيل احتراب داخلي في فنزويلا بدا حتمياً في الأيام الأخيرة الماضية.

محمد ولد المنى

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف