جريدة الجرائد

«الإسلام السياسي» وتناقضات السلطة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

عبدالله بن بجاد العتيبي



كان واحداً من أهمّ ركائز الإسلام السياسي التي يعتمد عليها ما يمكن تسميته "زمن الانتظار"، وهو الزمن التي تعمل فيه تحت السرّ والتخفّي وهو ما يقابل "زمن الغيبة" لدى الشيعة، هو العداء للصهيونية العالمية، والصليبية الغربية، وربما أضاف بعضهم استعارةً الإمبريالية العالمية، وقد خرجت تحت هذه الشعارات جماعات ونشأت تحالفات وحدثت استقطابات كبرى، يشهد لها التاريخ والواقع.

ولم يزل "الإسلام السياسي" يهدّد خصومه بكل ما يملك من أسلحة الدين أو الأيديولوجيا، أمّا وقد بدأت تلك التهديدات تؤتي ثمارها، فإنّ التصعيد هو شعار المرحلة.

لقد أضحت كتائب الإسلام السياسي، الحقيقية والافتراضية، تسير في اتجاهات وإنْ تعددت فإن هدفها واحد، من القرضاوي وتحريضه قبل أشهرٍ على تحويل الصراع مع إيران لصراعٍ في "الحج" يمرّ عبر العقيدة والمشاعر المقدسة ليمرّر مشروعاً سياسياً إلى بقية مواقفه، إلى الرئيس المصري الجديد، الذي صنع ما لم يجرؤ على صنعه رئيس عربي في حقبة جمهوريات العسكر حتى بعد حقبة السلام، وذلك بوصفه رئيس إسرائيل بعزيزي وصديقي العظيم، ولم تدر عجلة إعلامية واحدة من وسائل الإعلام المنحازة لـ"الإخوان المسلمين" حول مساءلته أو الاعتراض عليه، أو وضع ذلك التعبير بكل دلالاته موضع مساءلةٍ أو نقاشٍ، وقد خنست كل الرموز "الإخوانية" في الدول العربية ودول الخليج خاصةً عن أي إشارةٍ لهذا الخطاب أو تعليق عليه ولو لبراءة الذمة.

ربما كانت هذه الشواهد من الماضي القريب، ولكننا نشهد اليوم تطوراً نوعياً إنْ في الداخل المصري وإنْ في الصراعات الإقليمية، داخلياً: أصبحت جماعة "الإخوان" في السلطة تحتقر وتهاجم وتحاصر مؤسسات الدولة، فتخرس الرموز "الإخوانية" التي تتشدق بالدعوة للدولة الحديثة، ويحاصر القضاء وتعلن الخطط لاستهدافه تحت شعارات التطهير، فلا ينبس ناشطو استقلال القضاء والحقوق ببنت شفةٍ تجاه تلك السياسات، وتقوم محاولات حثيثة للسيطرة على الأزهر، وتصل لمحاولة تشويه سمعة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب عبر حملات مشبوهة كعمليات التسميم الجماعية لطلاب الأزهر، فيلتزم الصمت دعاة التسامح الديني من المنتمين للإسلام السياسي أو الموالين له. ولا يقف أحد منهم ليتساءل كيف تقوم السلطة بمهاجمة ومحاصرة مؤسسات دولة تقودها عبر مظاهرات واعتصامات وشعارات متطرفة يقوم بها أتباعها وحلفاؤها؟ ومن آخر تلك التناقضات محاصرة أولئك الأتباع لجهاز الأمن الوطني ورفع شعارات "القاعدة" حوله!

وإقليمياً: فقد زايد كثير من رموز الإسلام السياسي على مواقف دولهم وبخاصة في الخليج تجاه الأوضاع المستعرة في سوريا، ورفعوا العقائر ببطالٍ وبحق يراد به باطل، وها هي مصر تحت سلطة "الإخوان" تتحالف بشكل مباشر مع كل أعداء الشعب السوري وقتلته، من روسيا التي زارها قادة "الإخوان" في السلطة بمصر على أعلى مستوى إلى إيران التي لم تكتف هذه السلطة الجديدة بتطبيع العلاقات معها، بل ذهبت حدّ التحالف المعلن وفتحت لها أبواب مصر الموصدة في وجهها لأكثر من ثلاثين عاماً على مصراعيها، وأكثر من هذا أنها ومع تصعيد نظام بشار للفظائع والمجازر وجرائم حرب التي لا تخطر ببالٍ تجاه شعبه تقوم بإعادة العلاقات الدبلوماسية معه وكأن شيئاً لم يكن، ويستمر التابعون والمؤيدون والمزايدون في الصمت المطبق.

لا، بل أكثر من هذا، فإن بعض من لم يستوعب اللعبة من أتباع الإسلام السياسي ومن لم يفهم ما يجري، أو من يتخابث مستمر على عمائه القديم، يرمي بتهم الصهيونية والصليبية على خصومه دون أن يشعر بأن المشهد قد تغيّر كثيراً، فصار أربابه الذي يتبعهم وقادته الذين بايعهم في الفكر والتنظيم والتوجه يتخذون من القرارات والمواقف السياسية ما لا يمكن له أن يحيط به علماً أو فهماً، فهم يقومون بكل إجراءاتهم لخدمة مصالحهم الخاصة، وإنْ خالفت عقيدته التي لقّنوه صغيراً فيقولون للإسرائيليين نحن معكم قلباً وقالباً، ونحن برسم حمايتكم، ويقدّمون من فروض الطاعة والولاء للغرب كل طاقتهم ليحظوا بفرصة لإكمال المشوار.

إن الأنباء التي تجيء من برّ مصر لا يمكن جمعها تحت شعارٍ أفضل من شعار "استقرار الفوضى"، الذي سبق لكاتب هذه السطور التطرق له سابقاً، فالاتجاه بالاقتصاد لما يشبه الانهيار قائم، والاتجاه بالدولة بأسرها لتصبح دولةً فاشلةً قائم على قدمٍ وساقٍ، وجرّ المجتمع إلى صراعات أيديولوجية وطائفية لا يكلّ ولا يمل، فالدستور مفصل لفئة واحدة، والقضاء يتعرض لانتهاك سيادته بكرةً وعشياً، وأوهام وأحلام نموذج "دولة المرشد" تجول في أذهان قيادات جماعة "الإخوان المسلمين"، وتعبر عنها تصريحات ومواقف وقرارات معلنة ضمن استراتيجية متكاملة للاستحواذ على الدولة والمجتمع.

نعم، عدد من هذه الأفكار وهذا التحليل قد قيل من قبل، ولكنه في ظروف كالتي تمرّ بها المنطقة بحاجة إلى الإعادة والتكرار أحياناً، مع تنويع العرض وتبسيط الصياغة وتدوير زوايا النظر، وذلك لضمان ألا تندثر أفكار لم تزل معطياتها واقعاً معيشاً يتكرر ويستمر في العمل والتأثير، ولتسليط مزيدٍ من الضوء وتجديد التذكير بما يستجد من مواقف تؤكد ما سبقت الإشارة إليه، وإثارة الجدل والأسئلة على وقائع ومواقف وأحداث وقرارات وسياسات تمعن في إثبات الطرح وربما تجاوزته تطرفاً في بعض الأحيان.

ليس جيداً أبداً أن تمرّ الشعوب بمثل هذه المراحل المضطربة التي يحكم عليها بمزيدٍ من الضياع والحيرة والتيه، ولكن من الجيد أن تتعرف هذه الشعوب على حجم أوحال الفكر وتطرف الأيديولوجيا وشهوات الاستحواذ والتسلط والرغبات الدنيوية المستحكمة التي تقود تفكير جماعات، قامت من الأصل على توظيف الدين لخدمة أغراضها الذاتية وخلطه بالسياسة لذات الهدف ونفس الغاية.

من الجيد كذلك أن عدداً من النخب والأفراد بدؤوا يستعيدون شيئاً من الوعي الذي غيبته ضخامة الأحلام ووردية الآمال في لحظة سابقةٍ، وأخذوا يعيدون قراءة المشهد من جديدٍ، ويدأبون على إعادة التموضع وتجديد القراءة.

أخيراً، يبدو أن جماعات الإسلام السياسي في السلطة، وبعد أن جربت على نحو متدرج الابتعاد عن خيارات الطرح المعتدل الذي اضطرت له بعد أحداث ما كان يسمى بـ"الربيع العربي" قد خلصت إلى أن لا مناص لها من أن تأرز إلى خطابها القديم وأيديولوجيتها العتيقة وألا تعبأ بفرقاء السياسة ولا بالشعب نفسه.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
النظريّات ينقصها شيء
فاروق-لبنان -

مشكور أستاذ عبد الله على الموضوع.. لكن موضوعك ينقصه ربط هذه الأفعال بـالتدخّلات الخارجيّة و اللعبة الدوليّة.. فما تقوم به هذه الجماعات التي تنسب نفسها للأسلام.. لا تستطيع أن ترجعه لـتخبّطها أو أنّها تحكم في الظاهر شيئا و تضمر في قلبها شيئا اخر.. فـكثير من هذه الجماعات تدّعي الأسلام في الظاهر لكنّها في الحقيقة عدوّة له.. و لن أتحدّث عن رفع بعض الدّول لـشعار الأسلام .. وهي في الحقيقة تعمل على محاربته.. و البعض من هذه الجماعات مهمّته الردّ على الجماعات الأخرى عبر انتقاضها .. و البعض تلعب به المخابرات الدوليّة و الداخليّة.. و البعض يعطى له مجالا لأبراز فكرته.. فـان برزها سجنوه.. و البعض ما يكاد يرتفع الا أنزلوه.. و صوت من هنا و صوت هناك.. و لعبة مخابراتيّة هنا و لعبة مخابراتيّة هناك.. و هذه الأسباب تعود لـغياب الحريّة و الهيمنة.. فـالبلاد الاسلاميّة تعاني من الاحتلال ممّا جعل حريّتها منقوصة و هيمنتها الفعليّة مفقودة.. بل هيمنة شكليّة في الشعارات فقط أمّا العمل ممنوع.. و لـكثرة الطوائف و كثرة الاراء حول وجهة البلاد.. تحصل البلبلة و عدم الرضى و اتّهامات بـكبت الحريّات و الفوضى و غيرها...... و هذا ما جعل البلدات الغربيّة تخفّف الفوارق بين شعوبها و اقتصاره على اليسار و اليمين و أحزاب عديدة لكنّها توافق أحد الطرفين......... في كلّ الأحوال.. نلاحظ أنّ العلماء و الفقهاء و غيرهم من الدّعاة.. ينؤؤون بـأنفسهم عن السياسة.. و يدعون الى ما أمر الله به و رسوله دون نقص أو مداورة.. و رغم ذلك البعض منهم يدخلون السّجون السياسيّة عبر الدولة التي تحكم بـالسياسة

النظريّات ينقصها شيء
فاروق-لبنان -

مشكور أستاذ عبد الله على الموضوع.. لكن موضوعك ينقصه ربط هذه الأفعال بـالتدخّلات الخارجيّة و اللعبة الدوليّة.. فما تقوم به هذه الجماعات التي تنسب نفسها للأسلام.. لا تستطيع أن ترجعه لـتخبّطها أو أنّها تحكم في الظاهر شيئا و تضمر في قلبها شيئا اخر.. فـكثير من هذه الجماعات تدّعي الأسلام في الظاهر لكنّها في الحقيقة عدوّة له.. و لن أتحدّث عن رفع بعض الدّول لـشعار الأسلام .. وهي في الحقيقة تعمل على محاربته.. و البعض من هذه الجماعات مهمّته الردّ على الجماعات الأخرى عبر انتقاضها .. و البعض تلعب به المخابرات الدوليّة و الداخليّة.. و البعض يعطى له مجالا لأبراز فكرته.. فـان برزها سجنوه.. و البعض ما يكاد يرتفع الا أنزلوه.. و صوت من هنا و صوت هناك.. و لعبة مخابراتيّة هنا و لعبة مخابراتيّة هناك.. و هذه الأسباب تعود لـغياب الحريّة و الهيمنة.. فـالبلاد الاسلاميّة تعاني من الاحتلال ممّا جعل حريّتها منقوصة و هيمنتها الفعليّة مفقودة.. بل هيمنة شكليّة في الشعارات فقط أمّا العمل ممنوع.. و لـكثرة الطوائف و كثرة الاراء حول وجهة البلاد.. تحصل البلبلة و عدم الرضى و اتّهامات بـكبت الحريّات و الفوضى و غيرها...... و هذا ما جعل البلدات الغربيّة تخفّف الفوارق بين شعوبها و اقتصاره على اليسار و اليمين و أحزاب عديدة لكنّها توافق أحد الطرفين......... في كلّ الأحوال.. نلاحظ أنّ العلماء و الفقهاء و غيرهم من الدّعاة.. ينؤؤون بـأنفسهم عن السياسة.. و يدعون الى ما أمر الله به و رسوله دون نقص أو مداورة.. و رغم ذلك البعض منهم يدخلون السّجون السياسيّة عبر الدولة التي تحكم بـالسياسة