جريدة الجرائد

بوتين يتلاعب بكيري في الشأن السوري

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

Michael Weiss

يتناقل السوريون المعارضون لنظام بشار الأسد الصور التي يبدو فيها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وهو يضحك ويصافح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، معتبرين إياها نعياً لقضيتهم، ألا يُفترض أن كلا الرجلَين يدعم طرفاً مختلفاً من طرفَي الصراع في سورية؟ ولمَ يبدو لافروف أكثر سعادة من نظيره الأميركي؟


تدّعي الصحيفة الموالية للكرملين Izvestia أن كيري كان "يعوّل على إقناع موسكو بألا تعرقل العقوبات التي ستُفرض على دمشق. إلا أن محاولته فشلت". حتى لو كان هذا الكلام غير صحيح، يمنحنا الإطار العام لهذا الخبر فكرة جيدة عن نظرة الحكومة الروسية إلى هذه المحادثات. ففي النهاية، أعطى كيري بوتين ما يرغب فيه بالتحديد: موافقة واشنطن على تجديد السعي لإجراء مفاوضات بهدف إنهاء الكارثة الجيو-سياسية في سورية.
قبل انقضاء شهر مايو، ستعقد الولايات المتحدة وروسيا مؤتمراً يرتكز على أطر بروتوكول جنيف، الذي جرى التوافق عليه في أواخر شهر يونيو عام 2012 تحت رعاية الأمم المتحدة. يدعو هذا البروتوكول إلى "عملية سياسية تقودها سورية تؤدي إلى مرحلة انتقالية تكون على قدر طموحات الشعب السوري الشرعية". وتمهيداً للتوصل إلى اتفاق مماثل، تطالب هذه الوثيقة بإنهاء كلا الطرفين كل أعمال العنف المسلحة، وإطلاق السجناء السياسيين، ومنح الصحافيين حرية التنقل في أرجاء البلد المختلفة، و"تعزيز الهدوء والاستقرار التامين". ولكن منذ وضع خارطة الطريق المحتملة هذه قبل سنة، لقي أكثر من 50 ألف سوري حتفهم في محاول نظام الأسد اليائسة لسحق الانتفاضة.
تشمل الافتراضات وراء هذا البروتوكول أن روسيا تستطيع إقناع الأسد أو ممثليه، ضاغطةً عليهم لحضور المؤتمر، وأن الولايات المتحدة تستطيع التأثير في الأجنحة السياسية والعسكرية في المعارضة السورية التي قررت الوقوف إلى جانبها، وخصوصاً الائتلاف الوطني السوري والقيادة العسكرية العليا في الجيش السوري الحر برئاسة الجنرال سليم إدريس. لكن تشكيلات المعارضة الأخيرة هذه ما كانت قائمة أساساً حين أبصر بروتوكول جنيف النور. ويجد إدريس نفسه اليوم مرغماً على القيام بما لا يُضطر حلفاء روسيا إلى فعله في هذا الصراع: الترجي والاستجداء.
لا ينفك الروس يذكّرون العالم أن بروتوكول جنيف لا يحتوي على أي بند يطالب الأسد بالاستقالة أو حتى يعِد بعدم تسلمه السلطة مجدداً في المستقبل. ويبدو أن جون كيري يوافقه الرأي: ففي مؤتمر صحافي مشترك في موسكو مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قدّم وزير الخارجي الأميركي مراجعة قاتمة عن إصرار الرئيس باراك أوباما المتكرر على رحيل الأسد. قال كيري: "من المستحيل أن أفهم أنا شخصياً كيف يمكن أن تخضع سورية في المستقبل لحكم رجل ارتكب كل ما حدث في ذلك البلد. لكنني لن أحسم هذه المسألة الليلة، ولا يعود القرار النهائي إليّ في مطلق الأحوال".
عكس تعليق كيري عن مستقبل الأسد "الخط الأحمر" الشهير، الذي حدده أوباما بشأن استعمال الأسلحة الكيماوية أو نقلها، فبعد أن أقرّ البيت الأبيض أن الأسد استخدم، على الأرجح، أسلحة كيماوية ضد شعبه (خطوة ذكر أوباما في الماضي أنها ستكون "خطأ فادحاً")، كانت الخطوة الدبلوماسية الأميركية التالية في الشأن السوري السعي لإعادة إحياء محادثات السلام المحكوم عليها بالفشل.
جاءت هذه المبادرة على خلفية جهود تشريعية حثيثة لمساعدة المعارضة، فقد طرح السيناتور روبرت منديز (ممثل نيوجرسي الديمقراطي) مشروع قانون في 6 مايو يشرّع تقديم أسلحة وتدريبات عسكرية أميركية لثوار مختارين بعناية. كذلك تحدث السيناتوران جون ماكين (ممثل أريزونا الجمهوري) وكارل ليفين (ممثل ميتشيغين الديمقراطي) خلال جلسة مجلس الشيوخ الأخيرة، مطالبَين بضربات جوية محددة تعتمد على أنظمة ثابتة تستهدف أسلحة الأسد من طائرات وقواعد إطلاق صواريخ. وما يستخلصه الكرملين بنجاح من هذه التبدلات الفجائية والكبيرة في السياسة والخطاب الأميركيين أن واشنطن لم تتوصل بعد إلى استراتيجية متماسكة. فلا شك أن أنصار بوتين لم يغفلوا عن كلمات لم تحظَ باهتمام كبير تفوه بها مسؤول أميركي لا يُذكر اسمه: "إذا ألقى الأسد غاز السارين على شعبه، فما دخلنا نحن؟".


سيعتبر المسؤولون الأمنيون الروس هذه الكلمات دعوة مفتوحة لروسيا كي تساعد البيت الأبيض في تأجيل التدخل في سورية. وسبق أن لبّوا دعوة مماثلة بسرور: بعد يوم من مغادرة كيري موسكو، تطرقت صحيفة وول ستريت جورنال إلى صفقة "وشيكة" بين روسيا وسورية يحصل بموجبها الأسد على صواريخ من نوع S-300، علماً أن هذه الأنظمة المضادة للطائرات العالية التقنية عينها التي ضغطت الولايات المتحدة على روسيا كي لا تبيعها لإيران. من المفترض أن تشمل هذه الصفقة "ستة أنظمة إطلاق و144 صاروخاً، يبلغ مدى كل منها 200 كيلومتر تقريباً". ومن المقرر أن تصل الدفعة الأولى منها خلال الأشهر الثلاثة المقبل. ولا شك أن هذه الأسلحة ستعزز حجة مَن يعارضون التدخل في واشنطن ويعتبرون أن أنظمة الدفاع الجوية السورية أقوى من أن نتمكن من فرض منطقة حظر جوي.
يمكن قراءة تفكير بوتين ككتاب مفتوح. رغم ذلك، تتمسك الولايات المتحدة (حتى بعض أعضاء المعارضة السورية) بوهم أن القائد الروسي قد يتبدّل، ولكن لمَ عليه ذلك، في حين أن موقف الغرب من سورية هو ما يتبدل باستمرار؟ لم يبدُ لافروف نفسه مقنعاً أو يقدّم الأمر الجديد عندما ذكر خلال مقابلة مع Foreign Policy أنه سُرّ حين "لاحظ بعض التغييرات الإيجابية من جانب مَن كانوا يرفضون أي احتمال للحوار ما دام الرئيس الأسد في سورية".
شدّد لافروف بعد ذلك على حق روسيا ببيع الأسلحة والأنظمة المضادة للطائرات إلى الأسد. كذلك أشار إلى أن الأميركيين، لا الروس، هم مَن تراجعوا عن مطالبهم. على نحو مماثل، أصاب فيودور لوكيانوف في تقييمه في موقع Al-Monitor يوم الخميس الماضي، حين ذكر: "من المؤكد أن موقف روسيا لا يتبدّل... على العكّس، تعمد الولايات المتحدة بحد ذاتها إلى تعديل وجهة نظرها، لا بسبب روسيا، بل بسبب تراجع الحماسة بشأن الشكل الذي قد تتخذه سورية بعد رحيل الرئيس السوري بشار الأسد".


منذ البداية، تلاءمت الاستراتيجية الروسية مع خطة نظام الأسد: إطالة الصراع إلى أن يصبح المجاهدون العنصر الأبرز في الطرف الآخر، ثم وضع هذا الصراع في إطار الحرب العالمية على الإرهاب. وهكذا اعتمدت روسيا خطاب الأسد ذاته، واصفةً كل الثوار السوريين (حتى مَن انشقوا أخيراً عن جيش النظام) بـ"الإرهابيين". كذلك حاولت أن تلقي اللوم في مجزرة الحولة (التي قتل خلالها شبيحة النظام نحو 108 مدنيين، كثير منهم من النساء والأولاد) على المعارضة. وتسهّل روسيا أيضاً دعاية النظام السوري الكاذبة عن استعمال الثوار الأسلحة الكيماوية بإصرارها على أن تحدّ الأمم المتحدة تحقيقها الجنائي بمنطقة واحدة في حلب، بدل أن تسمح للفريق بإجراء تحقيق شامل في أنحاء البلد المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، تعي روسيا أن الأمم المتحدة لا تستطيع دخول الأراضي السورية من دون الحصول على إذن الأسد، ما يُعتبر مستبعداً بقدر ما هو ملائم لمَن يعتقدون أنه ما من معلومات أميركية عالية المصداقية أو "مثبتة" بشأن أسلحة الدمار الشامل قد تُؤخذ على محمل الجد بعد حرب العراق.
لا شك أن لافروف كان محقّاً بقوله إن موقف روسيا "لم يتبدّل". لنقارن الآن هذا الموقف بموقف البيت الأبيض، الذي اعتمد أولاً سياسة تغيير النظام عندما ذكر أوباما أن على الأسد "التنحي" في شهر أغسطس عام 2011. إلا أنه تراجع بهدوء عن هذه السياسة بدعمه خطة النقاط الست الفاشلة التي طرحها موفد الأمم المتحدة إلى سورية، كوفي أنان، في شهر مارس عام 2012.
قد نحسد الكرملين في هذه المرحلة المتقدمة من الحرب السورية، فبعد الكثير من العناد في خليج السلاحف وتدفق مستمر من شحنات الأسلحة والمستشارين العسكريين إلى نظام الأسد، يرى بوتين أنه حقق إنجازات تخطت توقعاته بأن يعيد روسيا إلى مكانتها السابقة كقوة عظمى. فقد رغب في مضاهاة الولايات المتحدة في الشؤون الخارجية. أما في الشأن السوري، فقد أصبح اليوم صاحب النفوذ الأكبر. يا له من انتصار!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف