جريدة الجرائد

لبنان الأب ولبنان الابن

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

وليد أبي مرشد

يوم كلف القطب السياسي الراحل، صائب سلام، والد الرئيس المكلف اليوم تمام سلام، تشكيل حكومة لبنانية في أعقاب ثورة عام 1958 التي قسمت اللبنانيين إلى فئتين متحاربتين، كانت أولى أولوياته إعادة لم شمل اللبنانيين في بوتقة واحدة، فسعى إلى تشكيل حكومة شعارها "لبنان واحد لا لبنانان".

آنذاك كان لبنان "لبنانين اثنين" فحسب، وكانت "المرجعيات" الخارجية لسياسييه محصورة بجهتين نافذتين لم تكونا بعيدتين عن التفاهم فيما بينهما، وكان جيشه لا يزال، وحده، ممسكا بالبندقية الشرعية على أرضه.

مع ذلك عجزت كل أساليب العلاج السياسي عن إعادة توحيد اللبنانيين حول مفهوم مشترك لدولتهم إلى أن فجرت الخلافات حربا أهلية دامت خمسة عشر عاما تركت اللبنانيين أكثر انقساما مما كانوا عليه قبل اندلاعها.

ما أرحم ظروف لبنان بعد ثورة 1958 مقارنة بظروفه بعد حربه الأهلية.

يوم كلف سلام الأب تشكيل حكومة لبنانية بعد ثورة 1958 كان يواجه "لبنانين" فقط، وكانت دول الجوار مستقرة نسبيا، وكان الصراع الدولي مؤطرا في حرب باردة نادرا ما كانت تخرج عن قواعد لعبتها بعد تجربة المواجهة الأميركية - الروسية في كوبا.

أما الرئيس المكلف الحالي، سلام الابن، فإن أقل ما يواجهه اليوم هو ثلاثة "لبنانات": لبنان "8 أيار"، ولبنان "14 أيار"، ولبنان الوسطيين.. والحبل على الجرار.

وغير خاف أن هذه "اللبنانات" المتباينة بمفاهيمها وأهدافها تتبلور - أو تحاول أن تقوم - على خلفية تعقيدات إقليمية غير مسبوقة وتهديدات محلية تعيد إلى الذاكرة سنوات الانفلات الأمني التي أعقبت الجلاء السوري عن لبنان.

وفي وقت لم تجد فيه بعض القوى السياسية الفاعلة أي حرج من طرح مشروع قانون انتخابي موغل في مذهبيته (مشروع اللقاء الأرثوذكسي) من شأنه أن يعيد لبنان إلى عصر القائمقاميات، قد لا تكون مجرد صدفة، يندفع أصحاب العمائم والقلنسوات إلى لعب دور "الموجه" السياسي للزعماء التقليديين - إن لم يكن الوصي عليهم - وفي بعض الحالات مصادرة القرار السياسي لطوائفهم.

قد يعكس حماس رجال الدين للعب دور سياسي في هذه المرحلة فشل القيادات السياسية لبعض الطوائف اللبنانية في تغليب رأي عام مدني على المصلحة المذهبية بين أبناء طوائفهم، ولكنه ليس بريئا تماما من تأثير الدول والقيادات الدينية المتزايدة في المنطقة على مناخ لبنان السياسي.

أن يدخل لبنان القرن الحادي والعشرين بهذه الحالة من الضياع وهذا الحال من التشرذم لا يبشر خيرا لديمقراطيته الهشة، ولا يسهل مهمة الرئيس المكلف، تمام سلام، في تشكيل حكومة "مصلحة وطنية" طالما أن اللبنانيين ما زالوا، هم أنفسهم، مختلفين على تحديدها.. فكم بالحري الإجماع عليه.

قد لا يكون من المبالغة في شيء القول إنه لم يسبق أن ارتبطت هوية لبنان، ككيان جغرافي مميز في الشرق الأوسط، بشكل حكومته وتركيبتها كما ترتبط اليوم.

لبنان، عمليا، على مفترق طرق: إما دولة مستقلة ذات سيادة على أراضيها، وإما دولة "طوابير خامسة" تابعة لقوى إقليمية يدرك الجميع أن رؤاها السياسية تتناقض مع أبسط متطلبات العيش التعددي في لبنان، واستطرادا ديمقراطيته التوافقية.

وهنا التحدي الحقيقي لمهمة الرئيس المكلف، تمام سلام، فهي لا تقتصر على جمع "اللبنانات الثلاثة" بل على تغليب المصلحة اللبنانية على المصالح الإقليمية في تركيبتها.. كي لا يؤسس اللبنانيون من جديد لحرب أهلية لن تقتصر جبهاتها على اللبنانيين فحسب، بدليل ما أفرزته ثورات "الربيع العربي" في بعض دول الجوار.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف