جريدة الجرائد

خطوات واشنطن حيال سورية ستلقي بظلالها على إيران النووية!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

إذا برهنت الوقائع استخدام نظام الأسد أسلحته الكيماوية، ينبغي لأوباما أن يختار توجيه ضربات جوية محددة ضد الطائرات، والقواعد الجوية، وأنظمة الدفاع الصاروخي السورية.

Meghan Orsquo;Sullivan

لا شك أن الدكتاتور السوري بشار الأسد فرح لأن الأنظار تحوّلت في غضون أسبوع من استخدام نظامه المزعوم للأسلحة الكيماوية إلى عقد مؤتمر سلام دولي بشأن الحرب الأهلية في سورية.
لا شك أن فكرة إنهاء إراقة الدماء ومعالجة مسألة الأسلحة الكيماوية المفترضة في سورية من خلال اتفاق شبيه بما شهده اليمن في أعقاب الربيع العربي، هي مسألة تستحق التوقف عندها. ولنأمل أن روسيا، راعية الأسد الخارجية، قد بدّلت موقفها بما يكفي لإنجاح هذه الصفقة.
ولكن يجب ألا يتحول المؤتمر إلى عذر للتغاضي عن مسألة الأسلحة الكيماوية، فضلاً عن مقتل أكثر من 80 ألفاً في الحرب الأهلية، فإن لم تثمر المفاوضات وحصلنا على دليل قاطع على أن النظام استخدم أسلحة كيماوية، فعلى الولايات المتحدة أن تتخذ خطوات حازمة.
من الطبيعي أن يحذر النقاد من أن زيادة الضغط الأميركي على بشار الأسد قد يكون له تداعيات سيئة، ولا شك أنهم سيُشيرون إلى اعتبار النظام السوري الضربات الجوية الإسرائيلية قرب دمشق "عمل حرب"، وإلى إعلان "حزب الله" أن سورية ستمنحه "أسلحتها التي تبدل اللعبة". وسيؤكد هؤلاء النقاد أيضاً أن زيادة التدخل الأميركي سيفاقم عدم الاستقرار في أرجاء الشرق الأوسط المختلفة.
إليكم اقتراحاً قد يبدو مخالفاً للمنطق: قد يؤدي رد فعل أميركي أكثر عدائية تجاه الأدلة التي تؤكد استخدام الأسد أسلحة كيماوية إلى تقليص احتمال اندلاع صراع إقليمي. ويعود ذلك في جزء منه إلى حمل إيران على إعادة النظر في طموحاتها النووية.

ضربات محددة

تأملوا السيناريوهات التالية: إذا قرر الرئيس باراك أوباما التدخل، فستكون خطوته الأولى على الأرجح تسليح المعارضة السورية مباشرةً. فقد تحول الكثير من المخاوف، التي منعت البيت الأبيض في المقام الأول من الإقدام على خطوة مماثلة (انتشار الأصولية بين الثوار، وتنامي الطائفية، وتمكين المجموعات التابعة لتنظيم "القاعدة")، إلى واقع من دون أن تجني الولايات المتحدة أي فوائد أو نفوذ كانت ستحققهما لو أنها عمدت إلى مساعدة معارضي الأسد.
في المقابل، يطرح البعض حججاً أقوى تدعم رد الولايات المتحدة باستعمالها قوتها العسكرية الخاصة بشكل محدود. فإذا برهنت الوقائع استخدام نظام الأسد أسلحته الكيماوية، ينبغي لأوباما أن يختار توجيه ضربات جوية محددة ضد الطائرات، والقواعد الجوية، وأنظمة الدفاع الصاروخي السورية. صحيح أن حملة جوية ضيقة النطاق لن تميل كفة ميزان الحرب لمصلحة الثوار، إلا أنها ستجعل الصراع أكثر تكافؤاً، نظراً إلى التفوق الجوي الذي يتمتع به النظام راهناً. كذلك ستدفع الأسد إلى التفكير ملياً قبل أن يستخدم المزيد من أسلحته الكيماوية، فضلاً عن أنها ستعيق قدرته على ذلك.
وبخلاف ما تؤكده الأصوات الداعية إلى ضبط النفس، لن تشير هذه الضربات الجوية إلى بداية جهود حرب مستدامة. على سبيل المثال، كانت عملية "ثعلب الصحراء"، التي شُنت في شهر ديسمبر عام 1998 خلال عهد الرئيس بيل كلينتون، حملة قصف دامت أربعة أيام هدفت إلى تقويض قدرة العراق على إنتاج أسلحة دمار شامل، وتخزينها، وإطلاقها. لكنها لم تسِم بداية جديدة لحرب الخليج الأولى أو تقُد حتى إلى أعمال عدائية إضافية. وبخلاف علمية "ثعلب الصحراء" التي عارضتها فرنسا وروسيا والصين، ستحظى حملة ضد حكومة سورية، التي تبين جلياً أنها استخدمت أسلحة كيماوية، بدعم دولي واسع على الأرجح. (قبل الإقدام على هذه الخطوة، ستطالب الولايات المتحدة، بالتنسيق مع حلفائها، وبنزع السلاح السوري، وهذا طلب سيرفضه الأسد بالتأكيد).
سيرفع البعض أيضاً الصوت محذرين من أن العمل العسكري الأميركي المباشر يفاقم خطر اتساع نطاق الحرب والتسبب بمقتل مئات الآلاف. ولكن لو كانت التطورات الأخيرة ترتبط بالحرب الأهلية السورية فحسب لكانوا محقين. إلا أن على الولايات المتحدة أن تتخذ قراراتها على ضوء المنطقة بأكملها.

"القدرة النووية"

سبق أن أشعلت سورية أعمال عنف خارج حدودها في لبنان وتركيا. كذلك تدفق أكثر من 500 ألف لاجئ إلى الأردن، بلد لا يتخطى عدد سكانه الستة ملايين. ويعود أيضاً تراجع الأوضاع السياسية في العراق في جزء منه إلى عدم الاستقرار في الدول المجاورة. وقد بلغ هذا التراجع نقطة بدأ معها العنف الطائفي يستعيد زخمه ووصل التفكك إلى حد غير مقبول.
أضف إلى ذلك سيناريواً مرعباً حقاً في هذه المنطقة: استخدام الولايات المتحدة أو إسرائيل أو كلتيهما القوة العسكرية ضد المواقع النووية الإيرانية. ولا يُعتبر هذا مستبعداً.
وصلت المفاوضات بين إيران ومجموعة 5+1 (الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فضلاً عن ألمانيا) إلى حائط مسدود، وذلك بسبب عناد إيران. فتواصل هذه الأخيرة تخصيب اليورانيوم في سيرها الحثيث نحو نقطة يعتبر معها المراقبون، وخصوصاً إسرائيل، أن إيران طورت "قدرة نووية" وستسارع إلى بناء القنبلة.
صحيح أن إدارة أوباما تفضل التعاطي مع كل أزمة في الشرق الأوسط على حدة، لكن على صانعي السياسات التفكير في احتمال الرد على استخدام الأسلحة الكيماوية المزعوم في سورية بطريقة تؤثر إيجاباً في المنطقة بأسرها. وإذا أقدموا على خطوة مماثلة، فسيستخلصون على الأرجح أن الضربات الجوية المحدود والمحددة ضد سورية قد تؤدي إلى تقدم كبير على الجبهة النووية الإيرانية.
لا أرتكز بقولي هذا على الفكرة المألوفة عن أن إخفاق الولايات المتحدة في الالتزام بالخط الأحمر، الذي رسمه الرئيس في الشأن السوري، سيزيد إيران جرأة وسيشجعها على المضي قدماً في برنامجها النووي. فهذا طرح غير دقيق لسببين: أولاً، راقبت إيران السياسة الخارجية الأميركية منذ زمن وتدرك أن نهجها يختلف من مسرح إلى آخر، فقد نودي بعقيدة "مسؤولية تأمين الحماية" كحافز للتدخل الليبي عام 2011. إلا أن من الواضح أن هذه العقيدة لم يكن لها أي ثقل في الإطار السوري. وثانياً، سبق أن انتهكت إيران عدداً من الخطوط الحمراء التي حددها المجتمع الدولي من دون أن تواجه عواقب تذكر. ويعتقد القادة الإيرانيون على الأرجح أن هذه العبارة لا معنى لها.
لكن الحجة الأهم تبقى أن استخدام القوة العسكرية، وإن ضمن نطاق محدود، ستدفع إيران إلى إعادة التفكير في افتراضاتها الأساسية: أن الولايات المتحدة، بعد معاناتها في العراق، لن تستخدم القوة العسكرية في الشرق الأوسط لأي سبب كان.

وجهة النظر الإيرانية

لا تبدو هذه خلاصة غريبة من وجهة النظر الإيرانية، فقد تحدث أوباما مراراً عن انتهاء زمن الحرب، الحاجة إلى بناء الأمة في الولايات المتحدة، عن سحب القوات الأميركية من العراق الذي يشكّل في نظره أحد أهم إنجازات عهده، وعن ضرورة إعادة موازنة انتباه الولايات المتحدة ومواردها في تعاطيها مع آسيا. كذلك تعزز اقتطاعات الموازنة، وتباطؤ نمو الاقتصاد، وسأم الشعب الأميركي من عقد من الحرب هذه الخلاصة، في حين يشدد الاعتماد المفرط على الطائرات بدون طيار على تردد الولايات المتحدة في المخاطر بحياة الأميركيين في الخارج.
لا شك أن توجيه ضربات عسكرية إلى أهداف سورية محددة، تحدياً للافتراض الإيراني هذا، سيساهم في معالجة العيوب الأساسية في الجهد المبذول راهناً للحد من طموحات إيران النووية من خلال المساعي الدبلوماسية. لن تعتبر إيران في الوضع الراهن التهديد باللجوء إلى القوة العسكرية الأميركية حقيقياً، مهما أعلن أوباما أنه لن يسمح لها بالحصول على أسلحة نووية. وما دامت إيران تستخف بالتهديد الأميركي العسكري، فلن ترضى بالتسوية الدبلوماسية، نظراً إلى استعدادها وقدرتها على تحمل آلام العقوبات الاقتصادية.
بما أن توجيه ضربات عسكرية محدودة إلى سورية رداً على استخدامها المؤكد للأسلحة الكيماوية يُرغم الإيرانيين على إعادة النظر في افتراضهم أن التهديد الأميركي باللجوء إلى القوة فارغ، فقد يؤدي أيضاً إلى تعاون والتزام أكبر من الجانب الإيراني على طاولة المفاوضات. إذن، من الممكن لاستخدام القوة المحدود اليوم في سورية أن يوفّر على الولايات المتحدة وحلفائها في المستقبل عناء استخدام القوة على نطاق أوسع لردع إيران.

* بروفسورة في كلية كينيدي للإدارة الحكومية في جامعة هارفارد ونائب سابق لمستشار الأمن القومي في إدارة جورج بوش الابن.



التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف