أيمن الأصفري: الربيع العربي أوجد قوة دفع هائلة لن يوقفها أحد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
بيروت - رنا نجار
تحتفي الجامعة الأميركية في بيروت بافتتاح معهد الأصفري للمجتمع المدني والمواطنة، من خلال مؤتمر "المشاركة المدنية والمواطنة: فضاءات جديدة لنشطاء المجتمع المدني في العالم العربي" الذي يُعقد اليوم وغداً، بالتعاون مع مركز الدراسات العربية المعاصرة في جامعة "جورجتاون" ومركز الدراسات العربية في جامعة جورج مايسون وجمعية المفكّرة القانونية. يذكر أن مؤسسة الأصفري هي مؤسسة تنموية مسجّلة في بريطانيا، أسّسها عام 2006 أيمن وسوسن الأصفري. والأصفري هو رجل أعمال بريطاني - سوري والرئيس التنفيذي لمجموعة "بتروفاك" للنفط والغاز، والمساهم الأكبر فيها. وفي العام 2012، وقّعت المؤسسة عقداً مع الجامعة الأميركية في بيروت لافتتاح أول معهد للمجتمع المدني في المنطقة، داخل حرمها. وللمناسبة التقت "الحياة" أيمن الأصفري.
gt; تسعى "مؤسسة الأصفري التنموية" الى تمكين الشباب من المساهمة في مجتمعاتهم وتفعيل المجتمع المدني وتوفير مساعدات الإغاثة للتخفيف من الخسائر التي تتسبب بها الحالات الطارئة، كما تعمل المؤسسة من خلال المنظمات الشريكة لتغطي بريطانيا وسورية ولبنان وفلسطين. بعد 6 سنوات، ما هي نتائج نشاطاتكم؟
- نقدّر عائلتي وأنا شخصياً الطاقات الموجودة لدى الشباب تقديراً عالياً، كما نقدّر دور التعليم في تطويرها، بما يحقق فوائد للفرد وبالتالي المجتمع. لذلك، من المنطقي أن تركز المؤسسة التي أسسناها باسم عائلتي على تطوير الجيل المقبل، وبشكل خاص في سورية ولبنان وفلسطين. نحن كعائلة، ندرك أهمية دور المجتمع المدني، المبني على المواطنة والمشاركة، ووجود وسائل فعالة للدفاع عن حقوقه وترسيخ النظام الاجتماعي والشفافية. لذلك نعتقد أن المجتمع المدني في العالم العربي يحتاج الى تشجيع وتطوير ليكون فاعلاً، بمعنى وجود منظمات يشارك فيها المواطنون في جو من القبول والتنوع والحوار، وهي توفر لهؤلاء المعرفة وتدافع عن حقوقهم وتبتكر حلولاً جديدة لمشاكل قديمة، وتطالب الحاكمين بالانفتاح والمساءلة والمحاسبة.
من أول المشاريع التي قمنا بها إنشاء مركز الدراسات السورية في جامعة "سانت أندروز" في اسكتلندا. واليوم تدعم مؤسسة الأصفري برامج منح دراسية وبحثية لدى الجامعة الأميركية في بيروت، وفي جامعة "سانت أندروز". كما تقدّم منحاً دراسية في جامعة أدنبره وفي الجامعة الأميركية في الشارقة. وتدعم برنامجاً دراسياً للصحافيين العرب بالتعاون مع مؤسسة "رويترز" للصحافة في جامعة أكسفورد، كما تدعم برامج دراسية في المعهد الملكي للعلاقات الدولية "تشاتام هاوس" في لندن. وأنشأت أخيراً "مركز الأصفري للمجتمع المدني والمواطنة" في الجامعة الأميركية في بيروت بمنحة مقدارها 10 ملايين دولار.
وانطلاقاً مما تقدّم، فإن الأزمات الحالية في البلدان التي تنشط فيها المؤسسة تفرض علينا مدّ يد العون للناس المتأثرين بهذه الأزمات، فحالياً ندعم منظمات عدة تعمل مع النازحين واللاجئين السوريين. ومنذ عام 2006، قدّمت المؤسسة مساعدات بملايين الدولارات عبر أكثر من 75 منظمة شريكة وخبيرة. وساعدت مشاريعها عدداً واسعاً من الناس. ففي 2012، قدمت المؤسسة دعماً لـ 65 طالباً وطالبة بواسطة المنح الدراسية والبحثية، وقدمت مساعدات لنحو 70 ألف نازح ولاجئ سوري عبر تبرعات تفوق أربعة ملايين دولار.
الثورات العربية
gt; يمرّ العالم العربي بمخاض سياسي صعب، وحالات عنف، وشبه انهيار اقتصادي في أكثر من بلد، في حين قررتم افتتاح مركز للمجتمع المدني والمواطنة. لماذا الآن؟
- لنتوقف قليلاً ونسأل لماذا ثارت الشعوب العربية؟ للمطالبة بالحرية والكرامة والمساواة في الفرص والدولة المدنية وسيادة القانون ودولة المؤسسات وقيم المواطنة المتساوية، والقضاء على الفساد، والحكومات المنتخبة بحرية والقابلة للمساءلة والمحاسبة. ما نشهده اليوم هو حصاد ما زرعته الأنظمة المستبدة، أي ان ضعف المجتمع المدني فتح الطريق أمام أنظمة استبدادية عسكرية لمزيد من تهميش المجتمع المدني الى أبعد الحدود. وفي هذه اللحظة تظهر أهمية المشاريع التي تستهدف تنمية المجتمع المدني العربي، وفـهم أسـسه وشـروطـه وكيفية عمل مؤسـساته، وتيسير الحوار بين الخبراء والأكاديميين والمواطنين حول تحدياته وإبراز الحلول العملية والإبداعية لمشاكله، ونشرها بأوسع السبل الممكنة لتفيد المنطقة العربية ككل. لذلك أسسنا "مركز الأصفري للمجتمع المدني والمواطنة".
gt; لماذا اخترتم الجامعة الأميركية، وبيروت تحديداً؟
- من المنطقي أن يكون المركز أقرب الى ساحة نشاطه الرئيسة وهي العالم العربي. ويستطيع معظم العرب القدوم إلى لبنان بسهولة للمشاركة في نشاطات المركز، إضافة الى الحياة الثقافية النشِطة والحريات العامة المتاحة مقارنة ببلدان أخرى، ما يسهّل عمل المركز ويجعله أكثر فاعلية. والجامعة الأميركية في بيروت عبر تاريخها العريق (150 سنة) تشكل مركزاً للخبرات وللقيم الليبرالية وحرية التفكير والتعبير والتسامح والتنوع والحوار.
gt; ما هي الاستراتيجيات التي تودّون اتباعها ليكون لمركزكم دور مؤثر في المنطقة؟
- العمود الفقري لاستراتيجيتنا يقوم على الشراكة مع الآخرين، والتعلّم منهم، مع الأخذ في الاعتبار خصوصية شعوب المنطقة وثقافتها وقيمها. وتتكوّن استراتيجية المركز من أعمدة عدة تقوم على الآتي: درس المجتمع المدني من جوانب مختلفة لفهم طبيعته وإبراز قوته وتحدياته واستنباط الحلول العملية، ثقتنا بقوة أفكار المجتمع المدني وجاذبيتها، استنهاض العقل والتفكير العقلاني، قوة المثال عبر المقارنة، التعويل على الشباب والنساء في توجّه نشاطات المركز... كما يتوجّه المركز بنتائج عمله نحو صانعي الرأي العام والمؤثرين فيه، وصانعي القرار، إضافة الى استهداف الجمهور في شكل عام.
gt; أي نوع من البحوث والمبادرات والنشاطات ستقومون بها؟
- ستشمل النشاطات الأساسية في الأعوام الخمسة الأولى مشاريع بحثية كبيرة وصغيرة متاحة أمام الهيئة التعليمية في مختلف الكليات والأقسام في الجامعة الأميركية في بيروت، وكذلك أمام الباحثين من خارج الجامعة، فضلاً عن برنامج من النشاطات موجّه في شكل أساسي نحو الجمهور غير الأكاديمي.
والمؤتمر المنعقد اليوم وغداً هو من أول من النشاطات التي ينفّذها المركز في عامه الأول. كما سيلحقه إطلاق موقع الكتروني للمركز، وقاعدة بياناته، وصفحاته عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى احتضان باحثين دوليين، ونشر أبحاث حول المجتمع المدني. ومن النشاطات التي سينظّمها المركز طاولات مستديرة، وحلقات عمل، ونشاطات أخرى تتيح للأكاديميين والممارسين التعارف والتعرّف على المركز. وتضم استراتيجية المركز برنامجاً للباحثين المتعاونين وبرنامج ماجستير حول قضايا المجتمع المدني. وسيضع مدير المركز نشاطات وبرامج إضافية بالتعاون مع الجامعة الأميركية ومؤسّستنا.
gt; كيف ستصل نتائج بحوثكم إلى الناس في بلدان لا يقرأ مواطنوها حتى الصحف؟ هل لديكم خطة كي يتأثر العامل والطالب والأمّي والمثقف والفقير والغني، أي أكبر عدد ممكن من الناس، بهذه المبادرات، كي لا تبقى محصورة بالنخبة؟
- أعتقد أن الناس يعودون إلى القراءة واستهلاك المعلومات بقوة من خلال وسائل عدة في منطقتنا. و "الربيع العربي" حرّض طاقة القراءة وتواصل المعلومات وأثار الاهتمام بالشأن العام بطريقة غير مسبوقة... ولكن هذه المرة قراءة إلكترونية لا قراءة ورقية. الإنترنت والهواتف الذكية ومحطات التلفزة وغيرها هي أدوات فعالة للتواصل والتفاعل، وعلى المركز الاستفادة منها.
وسيهتم المركز بنقل المعرفة عبر الحوارات المباشرة وعبر المواد المنشورة في الموقع، وعبر الدراسات الورقية ونتائج البحوث التي ستصدر عنه، وستكون باللغتَين الإنكليزية والعربية عند الإمكان.
سيقوم المركز بالتدريب على أسس المجتمع المدني وسيعتمد على أفضل الممارسات والتجارب الإبداعية الناجحة في بلدان أخرى. وسيتعاون مع مؤسسات أخرى مثيلة للقيام بدراسات وبرامج مشتركة، وللعمل على تقديم حلول عملية بالاستناد إلى بحوث قائمة على أدلّة. وسيعمل المركز والمؤسسة على التأثير في المجتمع من خلال ترسيخ الوعي بقيم المجتمع المدني في قاع المجتمع والوصول إلى أوسع قطاع من الناس. وهذا يحتاج إلى التغلب على حاجز التناقض الشكلي المزعوم بين القيم الموروثة والثقافة السائدة من جهة، وبين قيم المجتمع المدني من جهة أخرى. فالتناقض غير قائم، لأن قيم المجتمع المدني هي تجسيد لمجتمع يصبو إلى العدالة والمساواة.
gt; هذه المبادئ التي تطرحونها لتطوير المجتمع، يجب أن ترسّخ في ذهن الفرد منذ نعومة أظافره، أي من مقاعد المدرسة. فهل هناك أجندة لإدخال هذه القضايا والمبادئ ضمن المناهج التربوية والتعليمية في المدارس والجامعات؟
- على رغم أن التعليم المدرسي المباشر لن يدخل في أي من نشاطات المركز، ولكن نظراً إلى أهمية التعليم والمناهج التعليمية في نشر المعرفة والتوعية، يمكن المركز القيام ببحوث وندوات حول أفضل السبل لتطوير مناهج تعليم عن قيم المجتمع المدني في المدارس لتستفيد منها الجهات الرسمية المسؤولة عن المناهج، إذا شاءت.
مواجهة الفساد
gt; ذكرتم أن المركز سيُعزز الانفتاح والشفافية والمساءلة، لكن كيف سيتم ذلك في أرض ينتشر فيها الفساد كالجراد حتى وصل إلى العقول التي غسلتها القوى المتطرفة والجهات السياسية الفاسدة، ليصبح المواطن جزءاً من هذه الدوامة؟
نعم في مجتمعاتنا فساد بمستويات أعلى من مستويات البلدان المتقدمة بكثير، ولكن الوضع ليس على هذه الدرجة من السوء، كما أن في بلداننا اليوم أمثلة كثيرة للنزاهة، والأهم أن في مجتمعاتنا حركة قوية ضد الفساد، وثورات "الربيع العربي" تضيّق على الفساد، كما أنها حشدت إرادات الناس للوقوف ضد الفساد والإفساد. ننظر إلى الفساد كتحدٍّ، من بين تحديات أخرى، أمام نشر قيم المجتمع المدني وتطويرها. ولكن إن كان هذا هو الواقع وهذه هي العقبات فيجب أن تقوم الجهود وتنشأ المراكز وأن يعمل أصحاب القيم المدنية كي لا تُهزم قيمهم أمام الفساد وقيم الاستبداد مرة أخرى بأي شكل كان. مؤسستنا والجامعة الأميركية غير قادرتين على تغيير واقع الفساد. ولكن يمكن المركز أن يساهم في ذلك من خلال بحوثه ونشاطاته، ويمكن الجامعة أن تحض طلابها على فعل الأشياء بطرق مختلفة، ضمن حرمها.
gt; هل من السهل الدخول في زواريب هذه القضايا؟ ألا تعتقدون أن الغوص فيها هو مغامرة، خصوصاً أن نتائج هذه الجهود تحتاج إلى سنوات طويلة لتظهر؟
- نعم هي قضايا شائكة وتحدٍّ صعب، لكن ثورات "الربيع العربي" أوجدت قوة دفع هائلة نحو المجتمع المدني، لن يستطيع أحد وقفها. لكن ولأن اندفاعة الشعوب قوية، فإنها تحتاج إلى من يساعدها في وضع خريطة طريق ويساهم في زيادة الوعي والمعرفة بالمجتمع المدني ومؤسساته وعرض آليات لتطويره. إن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوات، والعمل الذي يحتاج إلى سنوات طويلة كي تظهر نتائجه، فإن هذه النتائج في المقابل لا تزول بسهولة، بل تستمر في التأثير سنوات كثيرة.