في استبعاد رفسنجاني
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عبدالله إسكندر
هاشمي رفسنجاني يمنع من الترشح الى الرئاسة في ايران، بسبب تقدمه في العمر. فالمنصب يتطلب همة ونشاطاً رغم أن شاغله مجرد منفذ لقرارات يتخذها المرشد الأعلى علي خامنئي. لتنكشف إحدى "عجائب الديموقراطية" في إيران. فمن يتخذ القرارات الكبيرة والخطيرة لا يختاره الشعب ويتولى منصبه مدى الحياة، ومن ينفذها ينبغي ألا يتعدى سناً معينة، قد تتغير بتغير الظروف وشخصيته وميوله السياسية. ولينكشف مدى التمويه الذي تمارسه المؤسسة الدينية في ايران عندما يتعلق الأمر بمصالحها الحيوية التي باتت واحدة مع المؤسسة العسكرية، خصوصا بفرعها الأساسي "الحرس الثوري".
عندما أعلن رفسنجاني ترشحه للرئاسة، وهو للمناسبة لا يزال يشغل منصباً مهماً، كرئيس لمجمع تشخيص مصلحة النظام (ولم يتأثر أداؤه بتقدمه بالعمر!) لمح إلى موافقة المرشد على الخطوة، ما عنى سلفا انه سيعبر "المصفاة السياسية" التي يمثلها مجلس الخبراء، "العجيبة الديموقراطية" الاخرى في ايران. وربما اعتبرت المجموعة العسكرية - الدينية الحاكمة ان هذه "الموافقة"، غير المعلنة على اي حال، تشكل رسالة تناقض توجهاتها السياسية، نظرا الى ما يمثله رفسنجاني من نهج منفتح على صعيد ادارة الاقتصاد الداخلي والقضايا الخارجية والعلاقة مع الجوار. فاعتبرت انه من الافضل "تصفية" مثل هذا النهج في المهد، اي عبر لجنة الخبراء، بذريعة العمر، بدل مواجهة مشكلة سياسية كبيرة بعد الانتخاب.
وهكذا كان، استبعد رفسنجاني لانه مرشح "الفتنة"، المصطلح الذي تستخدمه المجموعة العسكرية - الدينية، للإشارة إلى الإصلاح والانفتاح، وكذلك مرشح "الانحراف" الذي مثله إسفنديار رحيم مشائي منظّر الرئيس محمود احمدي نجاد في خلافاته مع اطراف المعسكر المحافظ، خصوصاً مجموعة آل لاريجاني.
لقد كان ضرورياً للمجموعة الحاكمة في طهران ان يستتب لها الوضع الداخلي تماماً، وان تنهي بؤر اي اعتراض على اطراف المؤسستين العسكرية والدينية. وتمكنت من ذلك، عبر إبعاد رفسنجاني الممثل الأخير لمثل هذا الاعتراض، بعدما أبعدت تماماً عن ساحة العمل العلني والمؤسساتي كل الرموز الفاعلة في التيار الإصلاحي. وتنطلق المجموعة العسكرية - الدينية، في حساباتها من الوضع الداخلي الإيراني والتطورات الإقليمية، لتعتبر أن حجم التحديات يقتضي القضاء نهائيا على أي صوت مغاير لصوتها في الداخل.
في الملف النووي، لا تزال العقوبات الدولية والفردية قائمة، ملحقة أشد الضرر بالاقتصاد الإيراني والمستوى المعيشي. والوضع مرشح للتفاقم في ظل التمسك بالنهج المتشدد نفسه في المفاوضات.
على الجبهة الشرقية مع افغانستان، تتزايد التحديات مع قرب موعد الانسحاب العسكري الاميركي وما يتركه من فراغ تسعى طهران إلى سده عبر الأقلية الشيعية والتدخل المباشر.
على الجبهة الغربية، بلدان الخليج العربي تزداد شكواها من التدخل الإيراني المباشر، عبر أشخاص وجمعيات وشبكات تجسس، ما يؤجج التوتر على ضفتي الخليج، إضافة إلى الملف النووي الإيراني الذي يثير القلق، على المستويين العسكري والبيئي.
الوضع في العراق يتجه أكثر فأكثر الى تعبئة سُنية ضد حكم نوري المالكي الذي يتخذ طابعاً شيعياً متطابقاً أكثر فأكثر مع التوجهات الايرانية في المنطقة، مع ما يفرضه ذلك من جبهة جديدة على طهران ان تتولى ادارتها مباشرة، بعدما انحسر النفوذ الأميركي الى الحدود الدنيا.
لكن التحدي الأكبر يبقى الحرب في سورية، وامتداداتها الى لبنان، حيث استثمر الحكم الإيراني جهوداً استثنائية وأموالاً طائلة من اجل تثبيت نفوذه على قاعدة طائفية. ومع هذه الحرب، تنفتح الأبواب على تحديات جديدة من تركيا، وربما قد تنزلق تطورات إلى مواجهة مع إسرائيل أيضاً.
ومع استبعاد رفسنجاني من السباق الرئاسي والذي كان من الممكن أن يكون فوزه فيه رسالة إلى التهدئة في كل هذه الملفات، يمكن التوقع أن تكون المجموعة العسكرية - الدينية الحاكمة في ايران تتجه إلى مزيد من التصعيد والمواجهة، وصولاً الى أن تفرض بالقوة المسلحة ما تراه مصالحها في المنطقة.