جوهر التفاهم بين كيري ولافروف
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
جواد البشيتي
هل تَقْبَل إيران ما تَقْبَله، أو ما يمكن أنْ تَقْبَله، روسيا من حلول (أوَّلية، وانتقالية، ونهائية) لـ "الأزمة السورية"، أيْ لأزمة صراع المصالح الدولية والإقليمية في سورية، والمتفرِّعة من "أصلها"، والذي هو أزمة "صراع الوجود" بين حكم بشار الأسد والشعب السوري؟
إنَّ إيران تخشى أنْ يبدأ السَّيْر في مسار "جنيف ـ 2" بما يُوافِق الفهم المُعْلَن لوزير خارجية الولايات المتحدة كيري لجوهر وأساس تفاهمه مع نظيره الروسي لافروف؛ وأقول "المُعْلَن"، والذي أكثر كيري من إعلانه مع اشتداد المَيْل لدى "المعارَضة السورية" إلى اجتناب الوقوع في فَخِّ "جنيف ـ 2"؛ لأنْ ليس لدى الثورة السورية من المواقف الفعلية للولايات المتحدة من "الأزمة السورية" ما يَدْعوها إلى الثقة بجدِّيَّة وصدقية أقوال وتصريحات كيري، مهما بدت متشدِّدة في لهجتها.
وهذه "البداية" التي تخشاها إيران، والتي شرعت تعد العدَّة لإحباطها، إذْ زَجَّت بمقاتلي "حزب الله" في الصراع الدموي الوحشي في سورية، هي أنْ يستخذي بشار، ويُذْعِن، لضغوط روسية قوية، هي جزء من التفاهم بين واشنطن وموسكو، على ما أعلن كيري، فيسمح لـ "مفاوِض سوري حكومي قوي بسلطاته وصلاحياته التفاوضية" بالظهور إلى الوجود، والذهاب إلى "جنيف ـ 2"، للاتِّفاق (إذا ما أمكن الاتِّفاق، في نهاية مفاوضات، ليس معروفاً حتى الآن كم ستستغرق من الوقت) مع "المفاوِض الآخر"، أيْ "المعارَضة"، على قيام "حكومة انتقالية"، تتمتَّع بكل سلطات وصلاحيات السلطة التنفيذية في سورية لتنفيذ كل ما اتُّفِق عليه قبل (ومن أجل) قيامها.
وبشار يَعْلَم أنَّ سماحه بظهور هذا "المفاوِض الحكومي" يَعْدِل أنْ يَدُقَّ بنفسه أوَّل مسمار في نعشه، وأنَّ هذا "المفاوِض"، الذي خَرَج من رَحْم بشار، ورغماً عنه، قد يلعب ورقة "التضحية ببشار (وعائلته، وشركائه مع عائلاتهم)" إذا ما تأكَّد لديه، في أثناء المفاوضات، أنَّ هذا "الثَّمَن" يكفي لشراء "اتفاقية" مع "المعارضة" ترضي البقية الباقية من الحُكْم السوري الذي كانت عائلة الأسد تُحْكِم قبضتها عليه، وترضي، أيضاً، أو من ثمَّ، الطائفة العلوية؛ فـ"الحل السياسي" للصراع في سورية إنَّما يعني أنَّ القوى الدولية والإقليمية المتورِّطة في هذا الصراع قَوِيَ، ويقوى، لديها المَيْل المشترَك إلى أنْ يؤسَّس لحكم جديد في سورية من طريق التفاوض والتفاهم والاتِّفاق بين "المعارضة" و"نظام الحكم القديم مطروحاً منه عائلة الأسد وشركاءها".
وبشار الأسد، مع شركائه الكبار، هو الآن مدار صراع بين روسيا وإيران؛ على أنْ يُفْهَم هذا الصراع على أنَّه جزء لا يتجزَّأ مِمَّا يَجْمع الطرفين من مصالح وأهداف في سورية، معظمها يمكن أنْ يذهب به "تفاهُم قوي" بين واشنطن وموسكو؛ ولا ريب في أنَّ الولايات المتحدة تحاوِل إرضاء روسيا بما يؤسِّس لحلٍّ لـ "الأزمة السورية"، يَضْمَن خُلوَّ "سورية الجديدة" من الأسد وإيران معاً.
أمَّا ما يجعل بشار (وشركائه الكبار) أُذْناً صاغية لروسيا أوَّلاً، وليس لإيران، فهو "اللجوء"، بمكانه وضماناته؛ فروسيا تظل مُفَضَّلة على إيران، مكاناً للجوء، ومَصْدَراً للضمانات؛ وإلى أنْ تتأكَّد موسكو أنَّ "الحل النهائي" سيعطيها ما تريد الحصول عليه، لا بأس من أنْ "يتشدَّد" الأسد، ويبدي مزيداً من "التشدُّد"؛ وكأنَّ "تشدُّده" ضِمْن "اللعبة الروسية"، لا في خارجها، وبما يضر بها، هو "الثَّمَن" الذي به يشتري الأسد "خروجه الآمِن روسياً".
لكنَّ بشار، وفي نصفه الآخر، ما زال يعلِّل نفسه بوهم أنَّ إيران (و"حزب الله") يمكن أنْ تأتي بمعجزة الإبقاء عليه حاكِماً لسورية (التي هُزِمَت ثورتها شَرَّ هزيمة) أو بجعله حاكِماً على ما تيسَّر له (عسكرياً، وبالقوى العسكرية الإيرانية) حكمه من شعب وأراضي سورية، ويتَّخِذ من المنطقة العلوية في الساحل والجبل مركزاً لحكم هذه "الإمارة"؛ وأحسبُ أنَّ إيران تتوفَّر الآن على التغيير العسكري للواقع السوري بما يجعل بشار يُفضِّل خيار "الإمارة" على خيار "الخروج واللجوء" الروسي.
لقد ابْتُنِيَ "أساس التفاهم" بين كيري ولافروف من "رَفْض الولايات المتحدة استمرار عائلة الأسد في حكم سورية"، ومن "رَفْض روسيا نَقْل الحكم في سورية إلى المعارضة من طريق إطاحة بشار".
ومن هذا "التفاهم الأساسي"، تفرَّع موقفان عمليان لواشنطن وموسكو، متناقضان في الظَّاهر؛ فواشنطن أخذت بخيار تسليح "المعارَضة" حتى لا يتهيَّأ للأسد (وحلفائه) ما يغريه بحسم الصراع عسكرياً لمصلحته؛ وموسكو لوَّحت بتزويد الأسد أسلحة جديدة جيِّدة النوعية، في مقدَّمها صواريخ "أس ـ 300"، حتى تُبقي آلته القتالية بمنأى عن ضربة قاصمة تأتيها من الخارج؛ وكأنَّ المعادلة هي: كلا الطرفين لا ينفرد بالحكم، وكلاهما لا يهزم الآخر هزيمة عسكرية ساحقة.
نقطة البدء هي أنْ يُرْغَم بشار على "تأليف وفد حكومي مفاوِض لا سلطة له على عمله" في "جنيف ـ 2"، على أنْ يظل محتفظاً بسيطرته على الجيش والقوى والأجهزة الأمنية، وبما بقي لديه من سلطة في سورية؛ فإذا انتهت المفاوضات باتفاقية بين "الوفدين"، وقامت "حكومة انتقالية" تتمتَّع بكل سلطات وصلاحيات السلطة التنفيذية، أصبح بشار منزوع السلطة تماماً، فبدأ "التنفيذ"، أيْ "تنفيذ الاتفاقية"، و"تنفيذ" الخروج واللجوء.
لكن، هل ثمَّة ما يضمن عدم تحوُّل "جنيف ـ 2"، إذا ما عُقِد، إلى مفاوضات لا نهاية لها؟
وهل ثمَّة ما يضمن أنْ تنتهي هذه المفاوضات إلى حلٍّ يُنْهي إلى الأبد حكم عائلة الأسد لسورية؟
إنَّ وجود هذه الضمانات من عدمه هو ما ينبغي له أنْ يقرِّر الموقف النهائي لـ "المعارَضة".