الباحثة التونسية آمال قرامي : هدف الخطاب الديني ترسيخ الامتيازات الذكورية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
حميد زناز
آمال قرامي استاذة في كلية الآداب والفنون والإنسانيات، جامعة منّوبة التونسية. تحمل شهادة دكتوراه بأطروحة حول الدراسات الإسلامية تحت عنوان "قضيّة الردّة في الفكر الإسلامي: قديما وحديثا"، إلى دكتوراه دولة بأطروحة في مجال الدراسات الجندرية عنوانها "ظاهرة الاختلاف في الحضارة العربية الإسلامية: الأسباب والدلالات". تدرّس الحضارة العربية الإسلامية وقضايا النوع الاجتماعي/الجندر، تاريخ النساء، والإسلاميات، الأديان المقارنة، وتشرف ضمن فريق بحثي على مشروع يهدف إلى تحليل الخطاب الديني في الاعلام الجديد. عضوة في فريق بحث إسلامي مسيحي وفريق بحث النساء المتوسطيات. من أعمالها المنشورة "حريّة المعتقد في الإسلام؟" و"الاختلاف في الثقافة العربية الإسلامية: دراسة جندرية".
para; تقولين عن قمع النساء في الاسلام إنه "ظاهرة مشتركة بين عديد الديانات. ولكن ما يشكل عقبة في سبيل تحسين مكانة المرأة المسلمة اليوم هو التراكمات البشرية، أي القراءات التفسيرية التي غلّفت النص التأسيسي فحجبت معانيه وحالت دون قراءة مقاصدية لدلالاته". هل يمكن أن تتحرر النساء ضمن الفلسفة الايديولوجية الاسلامية؟
- ما نلاحظه في إيران أو مصر أو فلسطين أو المغرب أو حتى في تونس، وإن بفروق، هو تحرّر النساء المنتميات إلى التيارات الإسلاميّة في الغالب، من السلبيّة، وانتقالهن إلى فاعلات في الفضاء العمومي، يعملن في مجال الدعوة أو السياسة لصالح المشروع الإيديولوجي. هنا تقل وطأة الأعراف والتقاليد المكبّلة لحركة النساء، فتحضر المرأة الاجتماعات وتسافر وتتواصل مع الآخرين وتخرج في التظاهرات. هنا يحدث الانتقال من وضع النساء الصامتات أو المشيّآت اللواتي يُستعملن في خدمة السلطة السياسية للحزب إلى ذوات تحمل مشروعا. فما نلمسه لدى بعض من نساء الإسلام السياسي من رغبة في نيل المواقع، وطموح في تغيير منازلهن، يعكس هذا التوجه التحرّري ولكن يبقى مفهوم التحرّر ودلالاته بالنسبة إلى هذه الفئة من النساء مختلفا عن تصوّر أخريات.
فالإذعان إلى أوامر الحزب أو القيادات الرجالية يعتبر انضباطا والتزاما للمصلحة العامّة والشرط الأساسيّ للعمل. وهو، وإن قيّد جموح المرأة نحو التعبير عن مطالبها وإرادتها، إلا أنّها تقبل بالأمر الواقع وتجد له تبريرا أبويا، ذلك أنّ سلطة الشيوخ فوق كلّ اعتبار. أمّا التحرّر في نظر أخريات ممن ينتمين إلى القوى الليبيرالية أو اليسارية أو العلمانية، فهو تحقيق الاستقلالية في الدرجة الأولى: استقلاليّة الاختيار والعمل والإرادة والفعل. من هنا تحض المرأة على أن لا تعرَّف بغيرها، أي التبعيّة للحزب أو المؤسسة، لأنّها كائن بذاتها وليست كائنا في خدمة الآخر. لعلّ الإشكال هو أنّنا نعيش اختطافا للمعاني والدلالات، فكلّ التيّارات المندرجة تحت الإسلام السياسي تضفي حمولة على الجهاز المفهومي الإصطلاحي الحقوقي وتستعمله بطريقة تجعل التواصل متعذّرا.
هل دونية المرأة
أصلٌ في الدين؟
para; لو قلت لك إن هذا الاجتهاد ما هو إلا تغطية للعجز والخوف من مجابهة الذات بشجاعة ورفض ما قتلته الحياة، وإن دونية المرأة اصل في الدين. فماذا تقولين؟
- لا يمكن أن ننظر إلى هذا الإنتاج الذي لا نتفق مع مضمونه وتوجهاته الإيديولوجية ومنهجيته البحثية، إلاّ في إطار الترحيب ببروز أصوات نسائية تفنّد الرأي القائل بتنميط النساء من جهة، وتوضّح انخراط النساء في المعرفة الدينية من جهة أخرى. فهي خطوة أولى في سبيل تجاوز هيمنة الرجال على المجال المعرفي الديني ونطقهم نيابة عن الله ونيابة عن النساء ونيابة عن سائر الأقليات. آن الأوان لأن نصغي إلى صوت المرأة ومطالبها واحتياجاتها ورؤيتها لذاتها، حتى وإن كانت تصدم اقتناعاتنا، وتقطع مع منظومة فكريّة ننتمي إليها.
نحن نعتبر أنّ الانخراط في الكتابة هو في حدّ ذاته أمر إيجابي يخوّل إجراء حوار ومناظرات وردود ومقارعة الحجة بالحجة لبيان تهافت هذا الفكر أو قدرته على إبراز مواضع التماسك فيه واستعداده لتقبّل تعددية الآراء ونسبية الحقائق. الواقع أنّه لا يمكن الحكم على الاجتهاد النسائيّ الإسلاموي كأنه يمثّل كتلة واحدة منسجمة ومعبّرة عن المنظومة نفسها. فكتابات زينب الغزالي وصافيناز كاظم مختلفة عن كتابات هبة رؤوف قطب أو أمينة نصير أو زيبا مير حسيني، أو شهلا شركات أو أسما برلاس وغيرهن. وهو اختلاف يعود إلى عوامل منها السياق التاريخي، والتكوين الثقافي، والبيئة المحلية أو فضاء الشتات الذي يسمح بالتحرّر من بعض القيود والاطلاع على مختلف النظريات وتوظيفها، مثلما فعلت أمينة ودود. لعلّ اقتصار هذه الكوكبة من النساء على التمحيص في الآيات التي لها صلة بأحكام النساء أو ما يسمّى بفقه النساء، يحول دون تنزيل المسائل في إطار أشمل يعنى بالفرد بعيدا عن التصنيفات وفق الجنس واللون والعرق والدين.
الحجب والحجاب
para; لماذا تفضلين استعمال كلمة "الحجب" عن "الحجاب"؟
- دعوت في أكثر من محاضرة أو ورقة إلى أن تُتداول صيغة الجمع: الحجب بدل صيغة المفرد، وذلك لأنّ الدراسات السيميولوجية والأنتربولوجية والدراسات الميدانية الاجتماعية وغيرها من الكتابات النسائية وخصوصاً السير الذاتية والروايات النسائية، أثبتت أنّ وراء كلّ حجاب حكاية ما وهدفا ومقصدا وتصوّرا. تالياً لا يجوز اعتبار الحجاب حاملاً لدلالة واحدة ومؤدياً لوظيفة دقيقة، إذ تلتبس الدلالات وفق حيوات النساء، وبناهن النفسية والذهنية والثقافية. فدراسات الموضة أثبتت اليوم أنّ سرّ إقبال بعض الفتيات على الحجاب المعاصر لا يرجع إلى عامل إيماني أو إيديولوجي بل هو قطعة زينة توشّي الهيئة وتضفي مسحة جمال خاصة تجعل لابسة الحجاب مرئية أكثر من غيرها، وخصوصاً بعد انتشار اللباس المشترك بين المرأة والرجل unisex.
para; ما هي الاضافة التي يمكن أن تقدمها الباحثات والمفكرات المتكاثرات اليوم في ميدان إنتاج المعرفة الدينية الاسلامية؟
- هذا الإنتاج فيه الغثّ والسمين، مع ذلك فإنّه يخلق ديناميكية ويزحزح المواقع التي كانت حكرا على الرجال. إذ لا يخفى أنّ قلعة العلوم الشرعية ظلّت طوال قرون محصّنة. حتى "العالمات" فإنّ الذاكرة التاريخية خلّفت لنا أسماء وغيّبت الآراء والإنتاج. من ثمّ فإنّ ظهور فئة من النساء اللواتي اخترقن أسوار المعرفة الدينية من شأنه أن يقضي على ضرب الوصاية المعرفية على النساء من جهة، وطرح أسئلة جديدة من منظور مختلف من جهة أخرى.
هذا بالإضافة إلى تأثر بنية العلاقات الجنسية بهذا التحوّل، إذ لمسنا منافسة مثلاً بين الدعاة الذكور، والداعيات الإسلاميات، وشهدنا صراعا بين المفتين والداعيات حول عدد من المسائل.
كما أنّ هذا الإنتاج النسائي بدأ يخضع في العقد الأخير للتقويم والمراجعات والتطوير، وهذا أمر إيجابي لأنّه يحقّق قسما من الاعتراف.
خطاب "الإخوان"
في مسألة المرأة
para; أنت متخصصة في تحليل الخطاب الديني، هل تتفضلين بتلخيص كيفية اشتغال خطاب "الإخوان" في مسألة المرأة والاهداف التي يبتغي الوصول إليها.
- الخطاب الإخواني خطاب ترويضي يحاول صهر جميع الأصوات في بوتقة واحدة بهدف تنميطها والتحكّم فيها. لذلك نراه يقاوم بكلّ ما أوتي من قوّة، كلّ امرأة خرجت عن السرب، فضلا عن سمة أخرى تلازم هذا الخطاب وهو محاولة تذويب كينونة المرأة في مؤسسة الأسرة. فالمرأة عند أصحاب هذا الخطاب تعرَّف من خلال منزلتها ووظائفها، فهي زوجة وأمّ وأخت وبنت... ولا مكان للفئات الأخرى كالأرملة أو المطلّقة أو "العانس" داخل هذا التصوّر لأنّها نماذج تخلخل البنيان وتربكه. من هنا يمكن القول إنّه خطاب اختزاليّ لا يقبل استقلالية الفرد ولا يعترف بفردانيته وإنّما يهيمن عليه تحت غطاء الدين. لا عجب أن وُظفت المرأة للتحذير من عاقبة المصير، أو اتُخذت برهانا على قرب نهاية العالم، أو استُعملت لخدمة تيار الإسلام السياسي، أو وُظفت في إطار حرب الهويات أو الصراعات. أمّا المقاصد التي يروم الخطاب الديني تحقيقها من وراء التركيز على قضية المرأة فمتعددة، منها صون الامتيازات الذكورية وترسيخ أركان النظام البطريركي فضلا عن ضمان استمرار الطاعة والخضوع. فالأمّ مسؤولة عن النسل والنسب وإمرار الرأسمال الثقافي وتنمية الأخلاق، إلى غير ذلك من الوظائف الموكولة إليها خدمة للجماعة. فترويضها عبر الترهيب والترغيب هو الضمان الذي يكفل بحسب أنصار هذا الخطاب، تحقيق أهداف الأمة. لعلنا لا نبالغ إن اعتبرنا أنّ هذا الخطاب مخاتل ومراوغ، قائم على التلاعب بالعقول والقلوب لإرساء النظام المنشود.
para; هل يمكن أن تذكّرينا بأهم النتائج التي توصلتِ إليها في دراساتك الجندرية عموما وفي كتابك "الاختلاف في الثقافة العربية دراسة جندرية" تحديداً؟
- حاولت في هذه الأطروحة التي مرّت عليها سنوات الآن، أن أحلّل الأنساق التي تتحكّم في بناء الاختلاف بين الجنسين بدءا بفترة تخلّق الجنين وصولا إلى الموت، أي عبر مختلف المراحل العمرية، وقد وقفت عند أنماط التربية والتنشئة الاجتماعية وأساليب تشكيل الذكورة والأنوثة والمؤسسات الضابطة للسلوك ونمط العيش والفكر والتنظيم الاجتماعي وغيرها من العوامل التي تؤدي إلى صناعة الرجل أو المرأة وفق رؤية مخصوصة تعبّر عن توجّهات ثقافيّة محليّة وأخرى عابرة للثقافات.
من هنا نجد عوامل ائتلاف بين رؤية الأديان للنساء وعوامل اختلاف ترجع إلى اختلاف طبيعة الثقافات في توزيع الأدوار بين الجنسين وإدارة العلاقات الجندرية وغيرها. ويمكن القول إنّ قيمة هذه الدراسة هي في تناولها مثل هذا الموضوع وفق النظريات الجندرية الحديثة لا بطريقة آلية وإنّما من خلال اختبار مدى تلاؤم هذه المقاربات مع طبيعة الثقافة الإسلامية.