روحاني يضيف جديداً للمشهد الإيراني
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
محمود الريماوي
شكّل فوز حسن روحاني بانتخابات الرئاسة الإيرانية السبت الماضي 15 يونيو/ حزيران، مفاجأة كبيرة . فقد تقدم على صاحب المركز الثاني محمد قاليباف بأحد عشر مليون صوت . روحاني استفاد من انقسام معسكر المحافظين وتوزعهم على خمسة مرشحين، كما أفاد من إقصاء هاشمي رفسنجاني عن الترشيح باجتذاب التعاطف نحوه، ومن دعم الرئيس الأسبق محمد خاتمي وربما من تعاطف شعبي مع مير حسن موسوي ومهدي كروبي اللذين تم إقصاؤهما عن الحياة السياسية منذ الانتخابات الرئاسية الماضية 2009 .
من المبكر الحكم على الرئيس الجديد، وهو بالمناسبة رجل متمرس في مواقع قيادية وليس وجهاً طارئاً على الحياة العامة . غير أن تصريحاته ومواقفه الأولى تدل على أنه يسعى لتوحيد أمته ووقف انقساماتها بين معسكري المحافظين والإصلاحيين، حتى إنه يشدد على استخدام تعابير الاعتدال والوسطية .
من المعلوم بطبيعة الحال أن نعوت الإصلاح والمحافظة والاعتدال والتشدد ترتدي معانيَ خاصة في كل بلد ومجتمع سياسي . وفي إيران فإن أوصاف الاعتدال تقاس ضمن تركيبة النظام وضمن الحياة السياسية السائدة والمرعية . والنظام هناك يجمع بين راديكالية خط الإمام ودستورية الدولة وتصدّر رجال الدين . بين هذه الأقانيم الثلاثة يسعى روحاني كما هو باد للإعلاء من شأن الدولة الدستورية (من دون إدارة الظهر للاعتبارات الأخرى) المؤهلة لمخاطبة العالم والحوار معه والأخذ بالاعتبار أحكام القانون الدولي . فقد ركز الرئيس السابع للجمهورية الإسلامية في تصريحاته الأولى على أهمية الحوار مع الغرب، وعلى أهمية الشفافية في الملف النووي وعلى الاستعداد لمزيد من الشفافية . وغني عن القول إن المسألة النووية ليست مسألة سياسية دفاعية ولا هي قضية وطنية فحسب في هذا البلد أو ذاك، وبالتالي فإن الحوار حولها واجب مع الأطراف الدولية في الشرق والغرب، وهو موقف مطلوب بالمناسبة من الكيان الصهيوني . ويمكن لروحاني أن يضيف ما هو أبعد بالاستعداد لإقامة شرق أوسط خالٍ من أسلحة الدمار الشامل، وهو الموقف الذي يستحق أن يتمسك به العرب في حوارهم مع إيران ومع الغرب على السواء .
أبدى الرئيس روحاني (يتسلم منصبه رسمياً أواخر تموز/ يوليو المقبل) رغبة قوية بتحسين علاقات بلاده مع العالم العربي وبالذات مع الجوار الخليجي وخاصة مع المملكة العربية السعودية، وبنبرة ldquo;تصالحيةrdquo; وهو ما ردت عليه الرياض بالمسارعة لتوجيه برقية تهنئة رسمية له .
في الشأن السوري سعى روحاني لاتخاذ موقف وسطي بزحزحة الموقف التقليدي لبلاده وذلك بالجمع بين رفض التدخل الخارجي، وترك السوريين يقررون مصيرهم بأيديهم وفي انتخابات العام ،2014 مشدداً في الوقت ذاته على أن إيران تريد ما يريده السوريون .
يعرف الجميع أن الشؤون الاستراتيجية وحتى القضايا الحيوية الداخلية، هي بيد المرجع، المرشد الذي تنتخبه هيئة دينية مغلقة . وأن البرلمان الإيراني الحالي يسيطر عليه المحافظون، وحتى البرلمان (مجلس الشورى) فإن تدابيره وقرارته تخضع لموافقة المرشد ومجلس صيانة الدستور . مع ذلك يتمتع رئيس الجمهورية بصلاحيات واسعة في السياسية الداخلية . ليس من مصلحته الاصطدام مع مكانة المرشد، كذلك فإن مركز المرشد ليس من مصلحته أن يبدو في موقف متعارض مع الرئيس المنتخب . طبيعة الإفادة من هذا الوضع الدقيق تعود إلى شخصية الرئيس . إلى ذلك يتمتع الرئيس بمكانة رمزية عالية، فهو من يتولى القيام بزيارات إلى الخارج، يحاور قادة الدول يباحثهم وأحياناً يتفاوض معهم . إنه وجه الدولة وعنوانها في العالم . ولهذا كان الرئيس السابق أحمدي نجاد حريصاً وعلى طريقته الخاصة، على ترك بصمة شخصية له في المحافل الإقليمية والدولية . أما خاتمي فنجح على مستوى العالم بالظهور شخصاً قيادياً إصلاحياً مؤمناً بالحوار بين الثقافات والشعوب وأسهم خلال ذلك بتظهير صورة مشرقة لبلاده ولصورة الإسلام والمسلمين، فيما تقترن صورة الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني بوضع نهاية للحرب العراقية الإيرانية الطويلة ( 1979 - 1987) .
على هذا النحو فإن للمرء أن يتفاءل مبدئياً بصعود روحاني(64 عاماً)، وتسلمه الرئاسة الإيرانية في هذه الفترة الحرجة التي تهب فيها على منطقتنا ريحُ سموم، أغلبها من الداخل من دون إعفاء الآخرين من تبعة استغلالها والنفخ فيها . علاوة على التهديدات الصهيونية بrdquo;حسمrdquo; موضوع الملف النووي . روحاني مفاوض سابق في هذا الملف وسوف يحسن بل شك إدارته، مع أهمية طمأنة الجيران الأقربين في الخليج الذين وصفهم بالإخوة لا مجرد جيران . وهؤلاء الإخوة يتأثرون بصورة مباشرة بالطموحات النووية إذا ما ذهبت بعيداً .
وربما الأهم من ذلك ألا يظهر البلد الكبير في عهد حسن روحاني، بمظهر صاحب مشروع للنفوذ والتمدد في الإقليم وما يتجاوزه . التطلعات خارج الحدود تثير القلق، وبالتأكيد فلو كان لأحد، لدولة أو منظومة تطلعات ما على سبيل الافتراض داخل الجمهورية الإيرانية، فسوف يثير ذلك قلق الإيرانيين على جميع المستويات وما هو أكثر من القلق . وبينما من حق إيران البديهي أن تصوغ سياستها الداخلية على النحو الذي يرتضيه سواد الشعب ومؤسساته وهيئاته، فإن السياسة الخارجية لا بد أن تحظى برضا الشعب، وكذلك الجيران والإخوة في الإقليم، ذلك أن السياسة الخارجية تتماس مع مصالح وحقوق الدول والشعوب الأخرى . من هنا أهمية أن ينجح روحاني في ممارسة دور رجل الدولة، وهذا معقد الأمل .