الصراع حول المياه في وادي النيل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يوسف نور عوض
كانت معظم الأحزاب في السودان قبل الاستقلال تتحدث عن وحدة وادي النيل، لكن حدثا مهما وقع في المراحل الأولى لثورة يوليو المصرية وضع حدا لهذا التوجه وهو تخلص الرئيس جمال عبد الناصر من قائد الثورة محمد نجيب بدعوى أنه كان في نظره مجرد قائد رمزي للثورة بسبب شعبيته، لكن السودانيين لم يفهموا الأمر على ذلك النحو بسبب الأصول السودانية للواء محمد نجيب.
ولم يهتم الرئيس جمال عبد الناصر بذلك، فقد أدار ظهره إلى السودان وبدأ يتوجه نحو مشروع القومية العربية الذي لم تكن أهدافه واضحة أو ممكنة من الناحية العملية بسبب الاختلافات في التكوين السياسي للأمة العربية، لكن ذلك كان واقعا لم يهتم به جمال عبد الناصر الذي دخل في نزاعات مع العالم الغربي وهي النزاعات التي جعلته يرى في مشروع السد العالي هدفا قوميا دون أن يفكر في أن إقامة السد كانت في موقع لا تمتلك فيه مصر سيطرة على مياه النيل، كما أن مشروع بناء السد تجاهل كل التطورات السياسية المحتملة في المستقبل .واليوم بدأت هذه المشكلات تطل برأسها بعد أن بدأت إثيوبيا تفكر وتنفذ عملية بناء ما تطلق عليه سد النهضة ،ومن جانب آخر بدأت الصين تفكر في تقديم مساعدة إلى أوغندا لبناء سد آخر على منابع النيل الأبيض، وعلى الرغم من ذلك فمازالت مصر تنظر إلى المشكلة من وجهة نظر محدودة دون أن تهتم بالتغيرات التي حدثت في دول منابع النيل .وذلك ما دفع الأستاذ فهمي هويدي كي يكب مقالا مهما في هذه المسألة.
فقد انتقد فهمي هويدي في مقاله التسرع في التصعيد غير المبرر من وجهة نظره في حق إثيوبيا والسودان عند التعامل مع ملف سد النهضة، كذلك انتقد مصر لأنها تركت نفسها تنتظر حتى تفاجأ بملف السد بعد أن اكتمل واحد وعشرون في المئة من مشروعه، وعندها بدأت مصر تطالب بألا تزيد كمية المياه التي يحتجزها السد عن أربعة عشر مليار متر مكعب وهي الكمية التي يحتجزها المشروع في الوقت الحاضر لكنها ستزيد بدرجة كبيرة حين يكتمل بناء مشروع السد.
وذهب فهمي هويدي إلى القول إن مهمة وزير الخارجية المصري في زيارته لأثيوبيا لن تكون سهلة بسبب المواقف المصرية المهاجمة لمشروع السد خاصة بعد أن أصبح المشروع حقيقة على واقع الأرض. لكن هويدي ما زال يعتقد أن التفاهم بين مصر وإثيوبيا يمكن أن يساعد في حل المشكلات التي سيولدها بناء هذ السد، وطالب بضرورة التنسيق بين مصر والسودان في هذه المسألة، لكن التعاون مع السودان قد لا يكون سهلا بكون السودان له مصلحة في قيام السد ولأن كثيرا من الصحف المصرية انتقدت المواقف السودانية ما جعل السودان يعتقد أن مصر لا تنظر في مثل هذه المسائل إلى غير مصالحها الخاصة.
وقد رد الدكتور سلمان محمد أحمد سلمان على مقال فهمي هويدي مشيدا بالاعتراف الذي ذكره والذي يتعلق بالأخطاء التي ارتكبتها مصر من وجهة نظره في حق السودان، وذلك عندما أقامت مشروع السد العالي الذي أغرق عددا كبيرا من القرى السودانية ومساحات واسعة من الأرض لم يتم التعويض عنها إلا بمبلغ زهيد من المال لا يتجاوز خمسة عشر مليون جنيه مصري.
ولا نريد في الواقع أن نسترسل في الفوائد التي يمكن أن يجنيها السودان من سد النهضة، لأن الحديث في هذه المسألة لن يساعد كثيرا في حل المشكلات التي تثيرها مصر، كما لا نريد أن نجعل المصلحة المصرية هي التي ستحدد كيفية التعامل مع المسألة، ذلك أن المصالح الدولية يجب أن ينظر إليها في إطار شامل، لكن حين يكون الأمر متعلقا بالمياه فإنه يختلف، ذلك أن المياه ليست مشروعا تجاريا يمكن التفاهم عليه بالطرق التقليدية بل هي مصدر حياة، خاصة بالنسبة لدولة مثل مصر ليست لها مصادر مائية غير مياه النيل، والأسلوب الوحيد الذي يمكن التفاهم به على هذه المياه هو المحافظة عليها وتقسيمها بالطرق العادلة خاصة أنها متوافرة بكميات كبيرة، لكن المشكلة في الوقت الحاضر هي أن أهم مصدر لمياه النيل هو النيل الازرق، فهل تحتاج إثيوبيا لهذه المياه في أغراض زراعية؟
الإجابة بكل تأكيد لا لأن النيل الأزرق ينزل بقوة شديدة ولا ينفرج إلا في السودان، وبالتالي فإن الفائدة الأولى بالنسبة لإثيوبيا هي استخدام مياه النيل الأزرق في توليد الكهرباء، غير ان الكهرباء يمكن أن تولد بطرق كثيرة، وإذا كان استخدام النيل الأزرق سوف يهدد المصالح المصرية فيجب التفاهم في شأن ذلك، أما بالنسبة للنيل الأبيض الذي لا يمد النيل بنسبة كبيرة فيمكن أن تزاد حصته بإدخال كثير من مياه البحيرات والمستنقعات التي تضيع هباء دون أن تصل إلى مجرى النيل، وفي الواقع لا يبدو الأمر سهلا كما يتصور الكثيرون بسبب القيمة الاستراتيجية لمياه النيل، إذ هناك كثير من الدراسات التي تؤكد أن هناك أيادي خارجية من بينها إسرائيل تريد أن تتدخل في حصة توزيع المياه وطريقة توزيعها لأسباب أمنية، ذلك أن هناك من الدول ما لا تريد تقوية دولتي مصر والسودان، كما أن زيادة نسبة المياه في النيل الأبيض قد لا تكون من جانب آخر حلا للمشكلات خاصة بعد انفصال دولة جنوب السودان وبدء مرحلة جديدة من الصراع بين الشمال والجنوب حول بعض الأقاليم المختلف عليها وظهور حركات متمردة في غرب السودان تريد أن تنسق مع دولة جنوب السودان من أجل مواجهة نظام الحكم القائم في البلاد، وهذا وضع دعا الاتحاد الأفريقي لأن يحاول بواسطة lsquo;ثابو مبيكيrsquo; إيجاد حل لمشكلة الصراع بين دولتي الجنوب والشمال، وعلى الرغم من وجود تيارات في داخل نظام الحكم في السودان، ترى أن المواجهة هي الحل الأمثل من أجل اجتثاث كل أشكال التمرد في البلاد، وليس هناك أسلوب مؤكد في الواقع لإمكان إحداث الاجتثاث بهذا الأسلوب.
ويبدو في ضوء ما ذكرته أن هناك مشكلة قائمة في حوض النيل وأن هذه المشكلة لم تحسم بعد لأن الكثيرين يتحدثون حتى الآن في الإطار الدبلوماسي دون معرفة الأيادي الحقيقية التي تقف وراء هذه المشكلة، ومتى عرفت هذه الأيادي ربما كانت هناك حلول أخرى، لكن هذه الحلول لن تكون ميسورة في جميع الأحوال، ذلك أن بلدا كمصر يبعد عن المصادر بآلاف الكيلومترات فكيف يمكن له أن يؤمن مصالحه بوسائل تقليدية، هنا قد تبدأ مصر في وسائل غير تقليدية وذلك ما لم تفكر فيه الدول التي تقف وراء إثارة هذا النزاع والتي يتحتم عليها الآن أن تبدأ التفكير بصورة أكثر موضوعية حتى لا يصبح وادي النيل الذي كان مهدا للحضارات مصدرا للصراعات المدمرة.