جريدة الجرائد

عشماوي بعد صمتٍ: لا تعاطف مع القتلة وهاتكي الأعراض

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الكويت

بنظرات حادة، وجسد ممشوق متوار خلف قناع تبرز منه عينان حازمتان، يطل عشماوي الكويت في مشهد الاعدامات بلا ملامح، لكنه بلباسه الازرق الداكن يبدو قاسيا بتحركاته الجامدة وبثباته اللافت عند تنفيذ حكم الموت.


عشماوي او الشناق... يغيب في تفاصيل الاعدامات لكنه اساسها، فمن يرصد لحظة الاعدامات تبقى عيناه شاخصتين على "المعدوم" من دون تركيز على "العادم" رغم اختفائه خلف هذه اللباس المحدد بهوية علمية مدروسة تضفي على هذه الشخصية قدرا من الهيبة والمهابة.
ويبدو عشماوي شخصية مجهولة مناط بها فقط تنفيذ اللحظات الاخيرة من حكم الاعدام باعتباره المكلف رسميا من الجهات المعنية بالقيام بهذا الدور، في حين انه يحيط نفسه بهالة من القدسية لا يعرف ان كانت منه او مفروضة عليه من جهات عمله اذ هو لا يتحدث ولا ينطق ولا يحكي التفاصيل المثيرة التي هو فيها الاكثر قربا من الذي يبدأ يلفظ شريط حياته في الدقائق الحاسمة قبل ان يلفظ انفاسه الاخيرة.


هكذا عشماوي يبدي حرصا على عدم الظهور والتواري خلف هذه القناع فلا يتحدث بكلمة مع المحكوم مثلما لا يتحدث مع الاخرين المحيطين به فضلا عن انه لا يتعاطى باي شكل من الاشكال مع اي طرف على ان يعود الى المجهول الذي عاد منه بعد تنفيذه لمهمته الرئيسة في تنفيذ حكم الاعدام.
"الراي" حاولت مرارا الوصول الى شخصية عشماوي كثيرا لكن طلب الاذن الامني يصطدم عادة برفض الجهات الامنية بداعي الحفاظ على خصوصية وسرية تلك الشخصية انطلاقا من اعتبارات اجتماعية وخاصة لدرجة ان احد المسؤولين الامنيين قال: "حتى لو سمحنا لكم باجراء حديث مع عشماوي فانه سيرفض الكشف عن هويته لاعتبارات خاصة به وبالتالي نحن لا نستطيع اجباره على ذلك احتراما لخصوصيته ورأيه".
لكن رغم ذلك استطاعت "الراي" اختراق اجواء السرية ولقاء احد "الشناقين" بعد التعهد بالالتزام بشروط عدة اهمها عدم الكشف عن شخصيته او كتابة كل ما يشير اليها من ملامح او اوصاف لاسيما بعد ان علم ان في حديثه فائدة عامة ومصلحة لردع المجرمين والمعتدين الذين يسعون في الارض فسادا، فبعد جهد تحدث فكان هذا الحديث بتفاصيله:


bull; البعض ينظر إلى الشناق بأنه قاتل... يقتل الناس بقلب بارد
bull; مهنة الشناق طاردة رغم الكوادر والمزايا المالية
bull; عملنا شريف بتنفيذ الإعدام بحق مجرمين عاثوا في الارض فسادا
bull; بعد نقل منصة الإعدام إلى مجمع السجون أصبحت عملية التنفيذ سهلة وآمنة
bull; غالبية المحكومين لا يقوون على السير عند اقتيادهم لمنصة الإعدام
bull; البعض يهذي ويتمتم ويبكي وهناك من يتبول على نفسه من شدة الخوف
bull; الجميع يكون خائفا لدرجة الموت ... لأنه ذاهب إلى الموت


bull; متى التحقت بهذه المهنة؟


- التحقت بهذه المهنة العام 1999 وهي فترة عملي في قطاع السجون والمؤسسات الاصلاحية حيث باشرت عملي فيها بوظيفة شناق.


bull; هل هناك اقبال علي هذا العمل؟


- الحقيقة ان هذه المهنة طاردة نظرا لطبيعة العمل فيها ونظرا للنظرة في المجتمع ولذلك نجد ان وزارة الداخلية قد وضعت مميزات مالية وكادرا ماليا خاصا لمن يعمل بهذه الوظيفة لزيادة الاقبال عليها.
bull; وانت كيف تنظر لعملك؟


- هي وظيفة ومهنة كأي عمل آخر، وهي ليست مخالفة للاخلاق ولا للقانون لا سمح الله، فنحن ننفذ حكم الله والشرع والقانون في الارض وهي مهنه شريفة ومرتبطة بتنفيذ الاحكام التي اقرها القانون بحق مجرمين عاثوا في الارض فسادا وهؤلاء يقول الله تعالى عنهم وعن عقوبتهم ان جزاءهم التقتيل والتنكيل والتقطيع كما بالاية الكريمة.


bull; هل تعلم اسرتك انك تعمل بهذه المهنة؟


- البعض لا يبلغ اهله بطبيعة عمله ويقول انه يعمل بالسجون فقط اما عني فاهلي يعلمون بعملي وابنائي يفخرون اني اطبق القانون والعقوبة التي انفذها بحق مجرمين نالوا عقابهم بالدنيا.
bull; متى يبدأ دوركم بالعمل؟


- حال ابلاغنا بان هناك حكما نافذا وبصدد التنفيذ، حيث نقوم مع زملاء معي بنفس المهنة بالاعداد والتجهيز للاعدام وذلك بدءا من الانتقال صبيحة يوم التنفيذ باكرا الى زنزانة المتهم المعزول انفراديا حيث نقوم باحكام القيود عليه من خلال حزام بلاستيكي شديد نربطه به من اعلى الكتفين ومن ثم كلبشة بلاستيكية نربطه بها من اسفل اليدين ونضع الكلبشة الحديدية في رجليه حتى يستطيع التحرك والمشي والسير معنا عند اخراجه من الزنزانة لنقتاده الى مركبة الموسسات الاصلاحية المغلقة لنقله الى موقع التنفيذ.


bull; واين هذا المكان؟


- في السابق كنا ننقله الى قصر نايف حتى العام 2007 اما اليوم وبعد نقل منصة الاعدام الى مجمع السجون اصبحت عملية نقل المتهمين اكثر سهولة واكثر امنا وبالسرعة اللازمة لتنفيذ الحكم.
bull; اكمل بخصوص دوركم؟


- ما ان نصل الى موقع الاعدام نقوم بانزال الشخص من المركبة وننتظر امر مستشار التنفيذ ليعطينا قرار احضار المتهم امامه لتلاوة منطوق حكم التنفيذ ونحن نكون اثنين من الشناقين نحيط بالمتهم احدهما يمسكه من اليد اليمنى والاخر من اليد اليسرى وذلك لمساعدة المتهم على التحرك وكذلك مساعدته على الوقوف اثناء تلاوة منطوق الحكم التي تستمر دقائق عدة ونظرا لان المحكوم يكون منهارا ولا يقوى على الوقوف في بعض الحالات ولذلك فنحن نعينه على الوقوف.


bull; وبعد ذلك؟


- ما ان ينتهي منطوق الحكم يطلب منا القاضي نقل المتهم للجلوس مع المرشد الديني لدقائق لحين موعد تنفيذ الحكم حيث ننتظر ايضا اشارة القاضي ليتم نقل المحكومين الى منصة الاعدام حيث يصدر الامر ونقوم بنقل المتهمين سيرا الي منصة الاعدام، حيث نقوم على الفور بمساعدة شناق ثالث بوضع القناع الاسود على وجه المحكوم وبعدها نضع حبل المشنقة على رقبة المتهم بينما يقوم اخر بفك الكلبشة الحديدية عن رجل المتهم واستبدالها بكلبشة بلاستيكية تشل حركته بالكامل وتمنعه من التحرك ونتراجع نحن الاثنان الى خلف المتهم بعيدا عن الكوة التي تنفتح بالمتهم من الاسفل بينما يقوم الشناق الثالث بوضع يده على مفتاح الكوة وهو مفتاح حديدي بانتظار اشارة الاعدام وهي راية سوداء يحملها ضابط يأخذ الاذن من المستشار لانزالها للاسفل ايذانا بالاعدام ليقوم الشناق بتحريك المفتاح الى الوراء ليسقط المتهم.


bull; وهل يكون بذلك دوركم قد انتهي؟


- بل لنا دور اخير وهو انتظار وصول الاطباء لفحص الجثة وما ان يعلنوا الوفاة حتى نقوم بممارسة دورنا الاخير في انزال الجثة بطريقة دقيقة لمعرفتنا بوسيلة الاعدام وذلك لان التعامل يجب ان يكون دقيقا لانزال الجثة خوفا من انفصال الرقبة عن الجسد وما ان ننزل الجثث يتم تسليمها لرجال الطب الشرعي وبذلك يكون دورنا قد انتهى.


bull; كيف هي احوال من ينفذ بهم حكم الاعدام؟


- الجميع يكون خائفا لدرجة الموت لانه ذاهب الى الموت، وهذا امر طبيعي رغم محاولات البعض ان يبدوا متماسكا ولكن الغالبية يكونون غير قادرين على السير عند اقتيادهم والبعض يهذي ويتمتم والبعض يبكي ويندب والبعض يتبول على نفسه من الخوف وهذه امور طبيعية بسبب نوع العقوبة التي تنتظره.


bull; هل سبق وتحدثت مع المتهم؟


- يحظر علينا الحديث مع المتهمين وكثيرا ما نلتزم الصمت عند عملية الاعدام ولا نتحدث الا مع بعضنا حول الاوامر التي لدينا بالتنفيذ، وعموما استطيع القول اننا لا نتحدث مع احد وحتى المتهمين الذين يحاولون سؤالنا نرفض الحديث معهم.


bull; هل استطيع سؤالك عن مشاعرك لحظة الاعدام؟


نحن بشر من لحم ودم ونتأثر كثيرا لحظة الاعدام لمعرفة ان هناك شخصا سوف يموت بعد دقائق ولكنها سنة الله في الكون ونحن جميعا سوف نموت في يوم ما، الا ان هذا الشخص ارتكب جرما ونال عقوبته جراء ما ارتكبت يداه، وبذلك فنحن ننفذ شرع الله بالارض القاضي بالعقوبة وننفذ القانون ولا تنسى ان هؤلاء نالوا حقوقهم القانونية من التقاضي وبذلك فانهم نالوا جزاءهم.
bull; هل تتعاطف معهم؟


- القضية ليست قضية تعاطف، وان كان لي ان اتعاطف فيجب ان اتعاطف مع الضحايا الذين ماتوا او قتلوا او هتكت اعراضهم بسبب ذلك الشخص المحكوم، الا ان الاهم هو ان نؤمن ان العدل قد تحقق.
bull; هل تأخذون دورات في طريقة تنفيذ حكم الاعدام؟


- نعم نأخذ دورات داخل البلاد وخارج البلاد في الاعدام وآلية التنفيذ وما يجب ان نفعله وما لا نفعله وانا اخذت دورة في مصر وداخل البلاد ايضا
bull; منصة الاعدام هل يتم تجربتها قبل الاعدام؟


- نعم ويتم ذلك قبل التنفيذ بيوم واحد حيث نقوم بعمل بروفة بعد اخذ اوزان المتهمين واطوالهم لتحديد طول الحبل في مسألة هندسية لاسيما ان هناك عمليات لا تحتمل اي خطأ لذلك هذا صحيح فنحن نفحص المشنقة وصلاحيتها.
bull; ذكرت تحرج البعض من ذكر وظيفته... ما السبب؟


- كما تعلم ان نظرة المجتمع لهذه الوظيفة لم تصل الى الوعي اللازم حيث ينظرون الى الشناق بانه قاتل يقتل الناس بقلب بارد وهذا الامر مغاير للحقيقة، فكما تعلمون ان هؤلاء الاشخاص يطبقون القانون وهم يشنقون باسم القانون والنظام والعدل، ولذلك لو احجمت انا او غيري عن هذه الوظيفة، فمن سيقوم بهذا العمل؟


وانا اعتقد ان نظرة الناس اليوم اصبحت اكثر وعيا عما سبق، واعتقد ان الناس باتوا يعرفون ان الشناق يؤدي مهمته الموكلة اليه مثل السجان الذي يسجن، والقاضي الذي يحكم، فالجميع ينفذ القانون وفق المهمة والوظيفة الموكلة اليه.
bull; هل تؤيد عقوبة الاعدام؟؟؟


- انا غير مخول بالتقييم واذا سألتني عن رأيي اكيد انا موافق عليها لانها عقوبة جراء ما اقترفت يد المجرم بحق الاخرين وهي نابعة من العدالة السماوية وقانون العقوبات الالهي والشيء الذي يقره الله لا نستطيع معارضته.
bull; هل هناك كلمة اخيرة؟


- ادعو الله تعالى ان يحفظ الجميع وادعو الناس لتحكيم العقل والابتعاد عن الشر... والشيطان سبب الطريق الاقرب الى الشر حتى لا يصل الانسان الى المشنقة وهذه العقوبة المؤلمة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف