إما عبد الناصر ... وإما القتل على هوية «المعارضة»!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عبدالله ناصر العتيبي
في فيلم قديم لمحمود عبدالعزيز، تقف مجموعة من الشباب على الطريق بانتظار سيارة تحملهم إلى الوجهة التي ينوون الذهاب إليها. يقف العامل البسيط محمود عبدالعزيز بسيارته -بحسن نية- ليقلّهم، وبعد بضعة كيلومترات تمر السيارة من خلال كمين للشرطة. يتم تفتيش السيارة، فتعثر الشرطة على منشورات سياسية ضد نظام الحكم. يؤخذ الجميع إلى السجن بمن فيهم السائق القليل التعليم، المعدم الثقافة، الفقير الحال، المعزول الفكر، وفي السجن يسأل أحدهم سجيناً آخر: "إنت من فين؟ فيرد: أنا من "الإخوان"! وإنت من فين؟ فيجيب السائل: "الشيوعيين"! ويلتفتان سوية نحو محمود عبدالعزيز ويسألانه: وإنت من فين؟ فيبهت لوهلة ثم يقول اعتماداً على جهله: "الإخوان الشيوعيين"!
أُنتج الفيلم -على ما أظن- في ثمانينات القرن الماضي، أي في زمن الرئيس المخلوع، الذي لا يحب هذه الأيام أن يسميه أحد مخلوعاً، وإنما متنحياً! في تلك الفترة كان الشيوعي مثقفاً والإخواني متأدلجاً، والعامل البسيط أو المواطن الفقير شيوعي متأخْوِن أو "إخواني متشوِّع" بحكم الجهل لا أقل ولا أكثر. كان الفقراء عامل اتزان بين القوى المصرية الرئيسة المعارضة، وكانت القوى السياسية المحظورة تغنّي على ليلاهم وتستخدمهم لأجنداتها الخاصة، فيما هم يغنون على ليلى "الخبز" فقط!
كان هذا في الثمانينات، أيام الرئيس حسني مبارك، أما اليوم فجماعة "الإخوان" ذات المرجعية الدينية عميلة للأميركيين والصهاينة، وتعمل لحساب المشروع الغربي بحسب محمود بدر المتحدث والمنسق العام لحركة "تمرد"، أما حركة "تمرد" نفسها فعميلة "للفرنجة والأميركان" بحسب أحمد حسني، المنسق العام لحملة "تجرد" المؤيدة لحركة "الإخوان"! هكذا نقلت الصحف المصرية الأسبوع الماضي.
الحكومي إخواني أميركي، والمعارض عميل أميركي، وأميركا تقف من بعد وتتفرج على كيفية استخدامها في الصراع، كلٌّ لمصالحه. وعلى أي حال، فهذه ليست خاصية مصرية خالصة، فالكثير من الفرقاء في العالم يستخدمون "الشيطان" الأميركي في تحقيق مصالحهم. عربياً -على سبيل المثال- يستخدم القوميون الإمبريالية الأميركية كتهمة تُلصق بمخالفيهم، فيما يرمي الإسلاميون مخالفيهم بالعمالة لأميركا "اليمينية المحافظة" لنشر العلمانية والتغريب والقضاء على الدين الإسلامي، أما المواطنون الحائرون في منتصف المسافة، فيكرهون أميركا لأنها إمبريالية وعلمانية وأرمغدونية!
أميركا في الذهنية العربية عدوة لكل المتخاصمين وتدعم كل المتخاصمين وتميل إلى كل المتخاصمين وتقف ضد كل المتخاصمين، لكن ذلك لا يمنع أن ننظر لها نظرة استجداء -غير معلنة- كلما وقعنا في مأزق، مثل مأزق سورية الآن، أو مأزق الحكم الإخواني بلا تجربة في قصر "الاتحادية"، أو مأزق المعارضة المدنية العاجزة في ميدان التحرير، أو مأزق التهديد الإيراني، أو مأزق الطائفية العراقية.
كل العرب أعداء لأميركا وأصدقاء لها في الوقت نفسه، ومصر ليست استثناء، فعندما يقول محمود عبدالعزيز في الفيلم الذي نسيت اسمه الآن، إنه من الإخوان الشيوعيين، فهو يصف بالضبط الحال العربية التي تجمع المتناقضات.
اليوم لا أدري لمن يميل محمود عبدالعزيز، للإخوان أم للمعارضة، لكن المؤكد أن يوم الأحد القادم الموافق 30 حزيران (يونيو) سيكون يوماً آخر يجمع الإخواني والشيوعي والإخواني الشيوعي في الحياة السياسية المصرية، فحركة "تمرد" التي تجمع التواقيع "لخلع" الرئيس المنتخب الذي لا يرغب في التنحي، تعد العدة لحشد الملايين في ميدان التحرير لأجل الضغط على حركة "الإخوان" للاستجابة لمطالب المعارضة المتمثلة في انتخابات رئاسية باكرة. وفي المقابل، تقوم حملة "تجرد" بجمع التواقيع هي الأخرى لتثبيت الرئيس المنتخب وتفويت الفرصة على المعارضة، وحرمانها من الانفراد بكعكة الشعب!
في الحالتين، الحياة الديموقراطية تكفل حق الفريقين كلٍّ في ما يتعلق بمتطلباته وتوجهاته، فالانتخابات الباكرة خاصية ديموقراطية في حال الوقوع في مأزق الإدارة السيئة وغير القادرة على الإيفاء بمتطلبات الحكم، والتظاهر لأجل ذلك حق تكفله أغلب دساتير الدول، كما أن التظاهر دعماً للفصيل الحاكم وتأييداً لممارساته هو حق أيضاً مكفول للشعب وفق العديد من الدساتير.
لكن عندما يقول محمود بدر المنسق لحركة "تمرد" إن الشعب سينزل في 30 حزيران ليقول كلمته: "إن مصر التي حكمها جمال عبد الناصر ما ينفعش يحكمها محمد مرسي"، ويرد عليه العضو المؤسس للهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح القيادي في الجبهة السلفية الشيخ أشرف عبدالمنعم بإصدار فتوى تجيز قتل متظاهري يوم 30 حزيران، فإن الإخوان والشيوعيين والإمبرياليين والنيوليبراليين وثوار الكونترا أيضاً يمكن جمعهم تحت سقف واحد!
محمود بدر بتصريحه هذا يستدرج عواطف "الناس الغلابة" الذين يرون في عبدالناصر بطلاً قومياً لأنهم لم يجربوا بطلاً ديموقراطياً غيره، ويتناسى أنه ديكتاتور أفرغ الثورة المصرية الثانية من مضامينها ووضع مكتسباتها كافة في أيدي مجموعة من الضباط توارثوها منذ عام 1952 وحتى 2011! محمود بدر الذي يبحث عن الديموقراطية من خلال اجتثاث الإخوان من الحياة السياسية المصرية، يعود بالتاريخ إلى حيث كذبة القومية العربية التي خُلقت للتغطية على استبداد العسكر في أزهى صوره. محمود بدر يبحث عن انتصار "تمرد" الديموقراطي من خلال كذبات غير ديموقراطية!
أما الشيخ السلفي أشرف عبدالمنعم الذي يتحدث باسم الله غالباً، فلا مشكلة عنده أن يتحدث باسم القتلة المأجورين عندما يتعلق الأمر بحكم يُنزع! إنه يتحدث عن الديموقراطية التي يفهمها: "أنا أو لا أحد"!
سيتظاهر "المتمردون" وسيواجههم "المتجردون" بتظاهرات أخرى في 30 حزيران، لكن لن يصل أي من الفريقين إلى مبتغاه، وستظل مصر معلقة بين من يريد أن يكون كل شيء: الحكم والمعارضة، ومن يريد أن يكون كل شيء: الحكم والمعارضة، وما ذلك إلا بسبب أمرين: أولهما العقلية العربية التي تجمع النقيضين، وثانيهما النزول إلى ملعب السياسة قبل نزول الحَكَم، الذي هو هنا الدستور المتفق عليه قبلاً! ولأذكر بأميركا الخصم والصديق، والتي لم تتوج جورج واشنطن رئيساً إلاّ بعد الاتفاق على الدستور.