روحاني رئيسا: وسياسة «حسن النوايا» قصيرة الأمد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عبد العزيز بن عثمان بن صقر
تتسم صناعة القرارات على المستوى الاستراتيجي في إيران بخصوصية كبيرة، وقبل أن نأخذ بعين الاعتبار مواقف وتصريحات الرئيس الجديد في حساباتنا الاستراتيجية علينا أولا التيقن من موقع رئيس الجمهورية في سلم صناعة القرارات الرئيسة في النظام الإيراني. ونقول ذلك لأن حسن النوايا بمفرده ليس كافيا لتحسين العلاقات الخليجية - الإيرانية، والكلام المنمق في الحديث لن يمثل أكثر من تمويه لممارسات ومواقف غير عقلانية اعتدناها لسياسة عدوانية تستمر إيران في انتهاجها منذ سنوات.
في النظام الإيراني، رئيس الجمهورية لا يمثل إلا جزءا صغيرا من معادلة السلطة، وفي حالات كثيرة لا يعد إلا لاعبا هامشيا، وخصوصا في آلية اتخاذ القرارات الاستراتيجية والأمنية، فمؤسسة المرشد الأعلى إلى جانب مؤسسة الحرس الثوري الإيراني وأجهزة المخابرات هي التي تتولى تحديد السياسة الفعلية في المجالات الأمنية والاستراتيجية، وتترك لرئيس الجمهورية دور المبرر والملمع للممارسات العدوانية التي تنفذها الجمهورية الإسلامية باعتماد أسلوب الخطابات المنمقة التي لا تسمن ولا تغني من جوع. هذا ما اعتدناه خلال السنوات الماضية، أما اليوم فكلنا أمل أن تكون للرئيس الجديد سلطة حقيقية إلى جانب "حسن نواياه" التي عبر عنها لتغيير السلوك الشاذ لمؤسسات دولته، فهوة انعدام الثقة أعمق إلى درجة أصبح معها من الصعب الإيمان بعوامل التفاؤل بمفردها.
ما قاله روحاني خلال حملته الانتخابية، وكرره بعد فوزه حول ضرورة تحسين العلاقات الخليجية - الإيرانية، يمثل بادرة طيبة من "حسن النوايا"، ولكن الرئيس الجديد لم يوضح الأسلوب الذي سيتبناه لتحقيق هذا الهدف، ولأن كرة تحسين العلاقات موجودة اليوم في الملعب الإيراني فعلى إيران أن تأخذ زمام المبادرة لتحريك هذه الكرة بالاتجاه الصحيح، ولا خلاف حول هذا الأمر، فدول الخليج العربية لم تتدخل مطلقا في الشؤون الداخلية لإيران، ولم توجه تهديدات علنية أو مبطنة لها، ولم تستخدم الورقة الطائفية لزعزعة أمن واستقرار الجمهورية الإسلامية، في حين لم تدخر طهران جهدا في توظيف جميع الأدوات لتهديد أمن واستقرار الدول الخليجية، من هذا المنطلق نود أن نقول للرئيس الجديد إننا سمعنا كلمات "حسن النوايا" وقد أطربتنا، ولكن زمن العيش على كلماتكم الجميلة قد ولى، فهوة الثقة بيننا أكبر من أن تطمرها كلمات تتردد هنا وهناك.
جاء في أول تصريح صحافي للرئيس روحاني حول العلاقات السعودية - الإيرانية، أنه كان مسرورا جدا لأن أول اتفاقية أمنية وقعها هو شخصيا عندما كان يعمل في مجلس الأمن القومي الإيراني. كانت الاتفاقية الأمنية السعودية - الإيرانية لعام 1998م، وهنا نود أن نسأل الرئيس روحاني: ماذا كان مصير ذلك الإنجاز الذي أدخل كل ذلك السرور عليك؟، إن ما آلت إليه تلك الاتفاقية هو مجرد حبر على ورق، فقد قاد سلوك القيادات الإيرانية المتلاحقة إلى تفريغ هذه الاتفاقية الأمنية من مضمونها، ومن ثم هدمت مبدأ "حسن النوايا"، وبالعودة إلى التصريح فقد قال روحاني إن "أولوية السياسة الخارجية الإيرانية هي إرساء علاقات ودية مع جميع دول الجوار عملا بمبدأ حسن الجوار والاحترام المتبادل"، مؤكدا أن تحسين العلاقات الإيرانية - السعودية يعد واحدا من أهم أولوياته، وهنا نعيد تأكيد شكوكنا، وعسى أن نكون من الخاطئين، حول مقدرة الرئيس الجديد على إحداث التغيرات الجذرية المطلوبة لتحسين العلاقات الخليجية - الإيرانية بشكل حقيقي ومستديم، ولأن حسن روحاني شخصية مثقفة وتحمل عناصر الكياسة الدبلوماسية، فإن التغيير الذي رمى إليه، نرى أنه لن يكون بإدخال أدب الخطاب الدبلوماسي في مخاطبة دول الخليج العربية، في حين أنه لن يبرح مواقف القيادة الإيرانية المتصلبة والمكابرة التي كانت المصدر الأساسي لجميع مشكلاتنا مع جمهورية إيران الإسلامية.
لذا فإن أكثر ما نخشاه، وما نرجو ألا نراه، هو ألا يتعدى حديث "حسن النوايا" في ممارسات الرئيس الجديد المستقبلية، وألا يتجاوز الأمر تغيير وجوه وشخصيات وتبديل كلمات بأخرى وتحوير أساليب المخاطبة، وليس تغييرا جوهريا في صلب السياسات الإيرانية، فنحن مع الرئيس روحاني إن سار صادقا وعازما على تغيير نهج ومضمون العلاقات الخليجية - الإيرانية، ونحن معه للعمل على إعادة جسور الثقة وعلاقات الجوار الحسن، ونحن معه في إدراك أهمية إعادة علاقات الود والثقة بين إيران وجاراتها العربية. لكن أمام ما ذكره حول الموقف الإيراني تجاه الأزمة السورية الذي أشار فيه إلى شرعية النظام السوري القائم ووجوب استمرار الرئيس الأسد وتأكيده من موقعة كرئيس منتخب لإيران أن الحكومة الموجودة حاليا في سوريا يجب أن تبقى حتى الانتخابات المقبلة عام 2014م، ورفض أي تدخل خارجي في الشأن السوري مع عدم اعتبار تدخل حزب الله العسكري في الأزمة السورية "تدخلا خارجيا"، يجعلنا محبطين من توقع أن يحدث أي تغيير يستحق الاهتمام في عهد الرئيس الجديد، ولا قيمة أو أهمية لحديثه المتكرر حول "حسن الجوار والاحترام المتبادل".
ورغم أن الملف السوري هو الأكثر أهمية وحساسية، فإن علاقات انعدام الثقة بين إيران وجاراتها الخليجية لا يمكن اختزاله في الموقف المتعارض من الملف السوري فقط. فالسياسة التدخلية الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول المنطقة تعد مصدر قلق لدول الخليج العربية، ثم إن توظيف إيران للورقة الطائفية لدعم مصالحها السياسية والاستراتيجية لا يقل ضررا عن الملفات الأخرى، ويجب ألا نتغافل عن خطورة الخلاف حول البرنامج النووي الإيراني، ورغم أن هذا الملف ذو طبيعة وبعد دوليين فإن الدول الخليجية تعد من أكثر الدول الإقليمية قلقا من تبعات تطوير إيران لقدراتها النووية، وتجاوزها لالتزاماتها الدولية في الشأن، لذا فإن مصداقية الوعود الإيرانية تحت إدارة الرئيس الجديد السيد روحاني سيجري اختبارها على أصعدة متعددة ومختلفة وملفات معقدة.
ونود التحذير من موجة التفاؤل المفرط التي قد ينجرف فيها بعض المواطنين العرب، وربما أيضا بعض القيادات العربية بعد انتخاب رئيس إيراني يوصف بالاعتدال المفترض، وربما بالعقلانية، وقد يُوظَّف هذان العنصران، أي الاعتدال والعقلانية، في تسوية الخلافات الإيرانية - الغربية لا غير، كوسيلة لرفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران، والتي تهدد اقتصاد البلاد وشرعية النظام الحاكم بشكل خطير، وفي المقابل علينا ألا نصاب بالدهشة أو الاستغراب، إن اكتشفنا استمرار توظيف سياسة التصلب والمكابرة في إدارة العلاقات الإيرانية - الخليجية، رغم الكلمات العذبة التي تفوه بها الرئيس الإيراني الجديد الذي نرحب بأمانيه الطيبة، ونشجعه على تنفيذها ونرد على تحيته بمثلها، وهذا ما قامت به فعلا القيادات الخليجية والعربية خلال الأيام القليلة الماضية. ولكننا نقف لننتظر الخطوات العملية على أرض الواقع دونما أن نغرق في أوهام الوعود والتمنيات.