لن يبقى الشرق حقل القتل الوحيد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
سمير عطا الله
عام 1968 قامت "ثورة الطلاب" في فرنسا وأدت إلى خروج أعظم رؤسائها، شارل ديغول. قامت مظاهرات مماثلة في أنحاء العالم، وخُيل إلينا أن المناخ الجديد سوف يعصف في كل مكان. بعد فترة قصيرة كانت 1968 قد أصبحت - تاريخها وشبابها - في المناصب التقليدية. بعد نحو عقدين حدثت أكبر هزة سلمية في القرن العشرين عندما سقط الاتحاد السوفياتي وقال فوكوياما جملته الشهيرة، "إنها نهاية التاريخ". لكن التاريخ مضى سريعا وصارت الشيوعية كلمة مجهولة عند الأجيال الجديدة.
ما المتغيرات التي تحمل طابع الاستمرار؟ إليك هذين المثلين المتباعدين: ثورة مارغريت ثاتشر في بريطانيا ودينغ كسياو بنغ في الصين. الأولى قررت أن تهدم الخرافة الإمبراطورية لكي تدخل دورة الحداثة، والثاني قرر أن يدفن العقل الديكتاتوري لكي يقيم ثقافة الجماعة والحياة. وأغرب ما في الأمر أن كليهما استشار الأميركي ميلتون فريدمان.
تجربة أخرى قامت واستمرت وازدهرت هي الهند. تجاوزت المؤسسة اغتيال رئيسين وعبرت إلى مكونات العصر، من دون أزمة أو مأزق. لأن الفلسفة الهندية قائمة على البناء لا على الهدم. في تلك المرحلة نفسها انهارت ديكتاتوريات أميركا اللاتينية ودفن الديكتاتوريون تحت سطح اللعنة والعيب. مكان اغوستو بينوشيه في تشيلي قام أكفأ نظام في تاريخها.
الثورات التي لا يرافقها عمران وتطور لا تعيش ولا تدوم. تفرقع، أجل. لكنها لا تعيش. الكلمات وحدها لا تعيش. الشعارات ليست خبزا ولا نموا ولا حياة. لكي تقوم الأمم يجب أن يقودها عقل بنَّاء مثل بنغ لا تدميري مثل ماو. يجب أن يحترم حياة الإنسان وكرامته لا أن يسير فوق القبور، في اليقظة وفي الحلم.
القرن العشرون ليس بعيدا عنا أكثر من 13 عاما. أمثولاته جميعا في المرآة. مصائر ديكتاتورييه معلقة على الجدران. سمعة الخونة لا تُمحى. ضحايا الجنون لا يُنسَون. والذاكرة التاريخية تكتب بحروف الذهب أسماء الذين شقوا أمام شعوبهم دروب الكفاية والأمل والرفاه.
حصد روائيو أميركا اللاتينية جائزة "نوبل" لروعة ما كتبوا عن الفقر والظلم والقهر والتخلف في ظل الاستبداد الثقيل والمجنون. لم يعد هناك تروخيلو وسوموزا وبينوشيه. وجنرالات الأرجنتين، الذين أصدر عنهم كارلوس منعم عفوا عاما، أعيدت محاكماتهم وبكوا كالتماسيح وهم يسمعون قصص ضحاياهم.
لا يزال هذا العالم فاسقا وشريرا وفاسدا، لكن لن يقتل 30 مليون إنسان من أجل ستالين أو 60 مليونا من أجل ماو. ولن يبقى الشرق العربي حقل القتل الجماعي الوحيد. ولا بقعة الديكتاتورية الوحيدة