جريدة الجرائد

الفرص المتاحة لإيران وللعرب

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

خليفة راشد الشعالي

فاز د . حسن روحاني بمقعدٍ يحلم به كل الإيرانيين، وتنافست عليه النخب السياسية هناك، بعد أن فُرِز من فُرِز وأُخرِجَ من أُخرِج . وكانت الترشيحات قبل الانتخابات تذهب إلى مرشحٍ من غير الإصلاحيين بحكم أن المحافظين كانوا يديرون سدة الحكم لمدة ثمانية أعوام، والحكم في إيران منذ الثورة بيد المحافظين وتحكمه أدوات وتشريعات رسخت الأصولية الغارقة في تفاصيل المذهب .

فاز روحاني مستنداً إلى سجله السياسي والإداري والأكاديمي والديني في عهدين من عهود الحكم في إيران تحت زعامة رافسنجاني وخاتمي اللذين دعماه للوصول إلى سدة الرئاسة بعد أن استنكف الثاني عن المشاركة في السباق مبكراً، وتنحى الأول عن طريق اللجنة التي يقودها شخصياً وهي لجنة صيانة الدستور ولجان فرعية أخرى . ويعتقد البعض أن السند الحقيقي الذي أوصل روحاني إلى كرسي الرئاسة كان بسبب الدعم الذي تلقاه من المرشد الأعلى على اعتبار أن المرشد هو المهيمن على القرار وعلى الشارع الإيراني .

والثابت في أروقة البحث العلمي الراصد للمشهد الإيراني أن وصول روحاني إلى كرسي الرئاسة لم يكن مصادفة، وفي الوقت نفسه لم يكن مفاجئاً لرأس الهرم في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولم يكن خارج حسابات متخذي القرار في رواق صناع السياسة في الولايات المتحدة الأمريكية . حيث يبدو أن رأس الهرم الإيراني المتمثل بالمرشد قد يئس من إمكان إنعاش الوضع الاقتصادي عن طريق مغامرات وخطط المعسكر المحافظ والحرس الثوري . ذلك الاقتصاد الذي فاقم من تدهوره الحصار الغربي، وأنهكه عجز إيران عن الاستفادة من أهم مواردها المتمثل في النفط والغاز الذي قاطعه أغلب الموردين المهمين، ولم يبق لديها إلا موردون يساومون على السعر حتى صار النفط الإيراني يباع بأسعار تقل عن سعر تكلفة الإنتاج حسب المعدل العالمي .

يأتي روحاني مدعوماً من المرشد ومن الشعب، أو على الأقل من جزء كبير من الشعب ممن وصفهم المحافظون والحرس الثوري يوماً ما بrdquo;المخربينrdquo;، إلا أن الدعم الشعبي الحقيقي لروحاني كان من جميع الإصلاحيين وثلة ليست قليلة من المنشقين عن المعسكر المحافظ . والغريب أن هذا الانشقاق جاء بمباركة من المرشد الأعلى هذه المرة، وفي هذا إشارة واضحة إلى أن مؤسسة المرشد تعرفت إلى الحصان الأكثر قابلية للفوز فراهنت عليه، مع التزامها الظاهر بالحياد .

الغائب شكلاً والحاضر بقوة في هذه المشهد الانتخابي الإيراني وما قبله وما بعده، هو الإدارة الأمريكية بكل ثقلها ومؤسساتها الفاعلة، حيث عمدت هذه الإدارة إلى خطب وِد إيران ورئيسها الجديد، وتريد أن تستفيد من نفوذ إيران في كل المواقع التي بسطت فيها نفوذاً لا يمكن إنكاره . فأمريكا لا يمكن أن تستغني عن مساعدة الإيرانيين في أفغانستان، حيث أوشكت القوات الأمريكية على الانسحاب ولا يوجد من يستطيع أن يحمي مصالح أمريكا هناك إلا الإيرانيون وحلفاؤهم في باكستان، وفي العراق سيطرت إيران على القرار السياسي وهي الوحيدة الفاعلة هناك، لهذا تشعر أمريكا بأنه لا ضامن لمصالحها هناك إلا إيران . ورغم العداء الظاهر بين البلدين فإن أمريكا لا تجد من تثق به في هذه المنطقة أكثر من إيران . وفي سوريا حسمت إيران الأمر وسحبت البساط من تحت قدم دولة عظمى وشاركت في الحرب مساندة للنظام بالتعاون مع حزب الله، وباتت على مرمى حجر من خطوط الأمن القومي الصهيوأمريكي .

هذه النتائج الواقعية على الأرض تثبت أنه ؛ لدى إيران الكثير مما يمكن المساومة عليه مع أمريكا، ويثبت بطريقة لا تدع مجالاً للشك أن الإيرانيين يمضون في سياساتهم الخارجية متجنبين الحماقات الكبرى أو الخطوط الحمر المتعارف عليها في تقاسم المصالح الدولية، وتثبت أيضاً أن أمريكا دولة عظمى بحق، ودولة تدافع عن مصالحها وتحترم مصالح خصومها الأقوياء، والفاعلين على أرض الواقع الذين يملكون زمام المبادرة . وتثبت هذه النتائج أخيراً أننا نحن العرب خارج مشهد تقاسم المصالح، وغير مدركين جوهر الفرص المتاحة في المشهد الإيراني، ولم نحاول حتى مجرد التقارب مع مؤسسات صنع القرار الإيراني، خاصة أن الرئيس الجديد سيتجه في مرحلته الأولى إلى الداخل الإيراني وسيحاول فك الخناق عن الاقتصاد وسيعود ليتصالح مع الخصوم وسيفرج عن الموالين . ونعتقد جازمين أن مؤسسة المرشد الأعلى في إيران ستمنح الرئيس الجديد فرصة أكبر للتعامل مع سائر الملفات، ذلك أنها أدركت - أخيراً، نتائج أخطائها التي ارتكبتها أثناء حكم رفسنجاني وخاتمي وحتى مع أحمدي نجاد الذي لم يكن متحمساً لمغامرة الحرس الثوري في سوريا، الأمر الذي فوّت على إيران فرصاً كثيرة للتقارب مع أمريكا والغرب .

الفرص المتاحة للرئيس روحاني للتقارب مع محيطه العربي كثيرة، وفرص العرب للتقارب مع إيران الروحانية أكثر، إلا أنه ليس من المنظور استثمارها، فنحن بسبب تشتتنا وتفرق أمرنا، نثبت كل يوم أن عواطفنا تتقدم على عقولنا، وأولوياتنا مرتبطة بمصالح آنية وخاصة، بينما الكبار في العالم يعرفون من أين تؤكل الكتف .

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف