انقلابات «الإخوان»: وأكثر آمال الرِّجال كَواذبُ!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
رشيد الخيّون
يفصل أربعة وعشرون حولا بين 30 يونيو 1989 السوداني و30 يونيو 2013 المصري، انقلاب العساكر المحسوبين على "الإخوان المسلمين" ضد الحكومة المدنية المنتخبة شعبياً بالخرطوم، وانقلاب الشعب المصري ضد حكم "الإخوان" بالقاهرة. ومن المؤكد أن فروع "الإخوان" وتنظيمهم الأم بمصر استبشروا خيراً حينها، فصارت الخرطوم دار هجرة لهم ولسواهم من الإسلاميين، وآخرهم بن لادن (قتل 2011). ولتمويه الانقلاب زُج بالشيخ الإخواني حسن الترابي في المعتقل، فقال المعتقلون الآخرون هازئين: أول انقلاب يُسجن زعيمه! كي لا تُشهر إخوانية الانقلابيين فيحصل احتجاج أو تمرد شعبي وعسكري مضاد.
هذا ما قرأته للطيب التيجاني (ت 2011)، وكان معتقلاً حينها، في مذكراته التي نشرتها مجلة "الوسط" الصادرة بلندن، بعد الانقلاب بسنوات. ومعلوم ما لهذا الاقتران الزّمني من دلالة، من ناحية الحدث لا توافق الزمن، وإلا فطبع الأيام التداول، وأبو تمام (ت 231هـ) في قوله: "على أنها الأَيام قد صرن كُلُّها/ عجائبَ حتى ليس فيها عَجائبُ"، يقصد الحادثات، كعجيبة الغزل غير العذري بين الأميركان و"الإخوان" مثلاً!
شاهدنا أن لـ"الإخوان المسلمين" تاريخاً عريقاً في الانقلابات العسكرية، ويغزلون تنظيماً لهم في أي جيش يطولونه، وما شهرتهم بالعمل الدعوي والخيري إلا تمويهاً؛ فالمال والقوة هما الأساس. لا يهم عندهم الشرعي أو غير الشرعي. فقبْل ما حدث بالسودان تأتي قصة تعاملهم مع انقلاب يوليو 1952 بمصر، وكيف قاموا بتأييده، ثم اشترطوا التأييد بتطبيق مبادئهم ومنها إصدار قانون "بفرض الحجاب حتى لا تخرج النساء سافرات، وبغلق دور السينما والمسرح" (السَّيد يوسف، الإخوان المسلمين وجذور التَّطرف الدِّيني والإرهاب في مصر). بطبيعة الحال، لولا الضغط الشعبي على حكومة الإخوان (يونيو 2012- يونيو 2013) لسُن مثل هذا القانون، فـ"الإخوان" ليس لديهم فواصل بين الحقب الزمنية!
قبل هذا كانت قصة الانقلاب العسكري الذي خطط له "الإخواني" الجزائري الفضيل الورتلاني (ت 1959) بصنعاء سنة 1948 وشاركه في التَّدبير عبد الحكيم عابدين (ت 1976)، وكان سكرتير "الإخوان" بمصر، بعد إقناع الضابط العراقي جمال جميل (أُعدم 1948)، المبعوث من العراق لتدريب الجيش اليمني، في تفجير الثورة، وكان جميل ذا ميول إخوانية، مع مجموعة من الضباط (عن الشامي، رياح التغيير في اليمن، العقيل، من أعلام الحركة والدعوة الإسلامية المعاصرة). هذا وكان الورتلاني مبعوث حسن البنا (اغتيل 1949) لنشر الدعوة الإخوانية باليمن (العقيل، نفسه).
المعنى أن "الإخوان المسلمين" كانوا سبّاقين إلى الانقلابات العسكرية، بأي ثمن، وخارج حدود الأوطان، وثبت أنهم يستغلون أي مجال من المجالات للنفوذ وبسط تنظيمهم، وعلى وجه الخصوص التربية والتعليم. فلا الورتلاني ولا الحكيم ولا جمال جميل كانوا يمنيين، إنما يربطهم التنظيم العابر للأوطان.
لم يتذكر القرضاوي ذلك الطموح الانقلابي، وهو يصدر فتواه ضد عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي. فتوى (6 يوليو) تحض على إعادته رئيساً لمصر، وحسب منطوقها أنها تدعم الشَّرعية. وكان أول الرادين عليه نجله الشاعر عبد الرحمن يوسف (7 يوليو) قائلاً: "عفواً يا أبي الحبيب، مرسي لا شَرعية له" (صحيفة اليوم السابع).
ونجدها ظاهرة إيجابية أن يختلف الابن مع أبيه في مسألة فكرية وعقائدية، مع ما يحمل له من الاحترام والتقدير، فقد خاطبه في رسالته بأبي الجليل العظيم، ومعبراً له بأنه ليس والده فقط إنما تلميذه أيضاً. وليس لأن الرسالة تتفق مع رؤيتنا بل اختلاف الابن مع الأب يعني الكثير، وفيه ما يُمتدح الشَّيخ القرضاوي عليه، بأن له أبناء يتقاطعون معه، ولعلّه طبّق، في داخل أسرته، ما استشهد به الابن: "الحرية تسبق الشَّريعة".
بعد يومين من رد الابن على أبيه، ردت مشيخة الأزهر (9 يوليو 2013) على فتوى القرضاوي، بما أسمته بالتوضيح من المركز الإعلامي في الأزهر. اعتبرت تلك الفتوى مجرد "ألفاظ وعبارات وغمز ولمز لا تنبئ إلا عن إمعان في الفتنة، وتوزيع لمراسم الإساءات على رُبوع الأُمة وممثليها ورموزها، فإن الأزهر الشريف يعفُ عن الرد عليها أو التعليق" (عن موقع مشيخة الأزهر الرسمي). وختم الأزهر توضيحه بالآية 84 مِن سورة الإسراء: "قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا".
كانت فتوى القرضاوي تخص "الإخوان المسلمين"، مثلما عبر عنها الأزهر "إنما تعكس فقط رأي مؤيديهم"! أي لا تهم ملايين المسلمين والمسيحيين الذين خرجوا لعزل الرئيس الإخواني. فالسياسة وحدها تقبل الكيل بمكيالين، وفتوى القرضاوي كانت سياسية مطعمة بآيات وأحاديث نبوية، خالطة بين الشرع الديني والشرعية الآدمية الحزبية.
ومعلوم أن القرضاوي، حسب فتواه، يُظهر نفسه أنه يعمل من أجل الدِّين؛ عندما يوجهها إلى "كل مَن رضي بالله ربَّاً وبالإسلام ديناً وبالقرآن إماماً ومنهاجاً وبمحمد نبياً ورسولاً" (الموقع الرَّسمي للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين). وتراه يستشهد بالآية 40 مِن سورة النُّور: "وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ". لكن الحق أنه يعمل في السياسة بوسيلة دينية، وما ربطه بين شرعية مرسي ونور الله إلا محاولة لإفهام الناس أنه الخازن للنور الإلهي لا غيره، فلنتخيل الأمر معكوساً بأي النصوص سيستشهد القرضاوي.
لسنا بصدد ما بين مشيخة الأزهر والشَّيخ القرضاوي، ولا ما بين القرضاوي ونجله مثلما تقدم، بقدر ما نحن أمام محاولات دفع الدين إلى الهاوية؛ سواء كان في تخطيط أو تأييد لانقلاب مثلما حدث باليمن والسُّودان، أو الوقوف ضد إرادة شعبية، مثلما يحدث الآن بمصر. فالقرضاوي اعتبر دعم مرسي، حسب استشهاده بالآية المذكورة، هو النُّور الذي يجعله الله لمَن يرضى عنه، وبالتالي فإن الثلاثين مليوناً الذين تظاهروا في الميادين، والاثنين والعشرين مليوناً الذين وقّعوا وثيقة شعبية تطلب عزل مرسي، ليس لهم نور من الله!
نعم، من حق الأحزاب السياسية أن تصطف في ظروف معينة مع هذه القوى أو تلك، تؤيد هذا الانقلاب وترفض ذاك، لكن ما يخص الإسلام السياسي، و"الإخوان" مثاله الأول، أنه يقدم الدين هو المؤيد وهو الرافض أيضاً، حسب أهوائهم، وإلا كيف يكون ما حدث بالسودان (1989) حقاً وما حدث بمصر (2013) باطلاً!
إنها أغراض الرجال وتدابيرهم وآمالهم، ولأبي تمام، موصول بالشاهد السابق: "وأكثرُ آمالِ الرجالِ كَواذِبُ"!