ما الخطأ في ثورة 25 يناير؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عبدالرحمن الوابلي
الإخوان المسلمون استعجلوا الانقضاض على ما تبقى من مؤسسات الدولة، لـ"أخونتها"؛ مما أخاف بقية أطياف المجتمع المصري منهم، بمن فيهم حلفاؤهم السلفيون، الممثلون بحزب النور. فتصدت لـ"الإخوان" مؤسسات عريقة من مؤسسات الدولة المصرية
قبل ستة أشهر ونيف؛ خرجت في مداخلة عبر برنامج الإعلامي الزميل العزيز، الدكتور عبدالعزيز قاسم، على قناة "فور شباب"، وكان محوره تأثر النخب السعودية بما يجري في مصر بعد ثورة 25 يناير. وكان الحديث يدور حول المشاكل التي تواجه مصر فيما بعد الثورة؛ كان الضيف الرئيس في الأستديو الشيخ الدكتور عوض القرني. بعض المداخلين أثنى على الإخوان المسلمين وبعضهم قرعهم، وهنالك من تحدث عن مؤامرة من بعض دول الخليج أو أميركا وبعضهم وصل به الشك إلى اتهام إيران بدعمها للإخوان المسلمين، وهكذا. أنا مع تحفظاتي الكثيرة على جماعة الإخوان المسلمين، إلا أنني، لم أحملهم وحدهم اللوم فيما حدث في مصر من زعزعة للأمن، وتراجع في الاقتصاد وتدن في الخدمات العامة، وتخبط في مستوى إدارة العلاقات الخارجية.
في مداخلتي الهاتفية في البرنامج، وضعت اللوم فيما آلت وأكدت، فيما ستؤول إليه الأمور في مصر من زيادة في التدهور والتخبط؛ على الخطوات اللادستورية، واللامسبوقة التي خطتها مصر ما بعد الثورة، المتمثلة، في انتخاب رئيس ثم انتخاب مجالس تشريعية، ثم تشكيل حكومة وكتابة دستور؛ وهذا عكس منطق طبيعة تأسيس وبناء مؤسسات الدول، بعد الثورات. وأكدت بأن منطق إعادة بناء الدول بعد الثورات؛ يأتي بالتراتبية التالية: أولا تأسيس مجلس انتقالي، يؤكل إليه تكوين لجنة تمثل جميع أطياف المجتمع وتوجهاته، لصياغة دستور للدولة، بعد تضمينه حقوق جميع الأقليات في المجتمع وآليات الحفاظ عليها وحمايتها ورعايتها؛ ثم يطرح الدستور حينها للاستفتاء العام. وعادة ما يشترط في قبول الدستور، إذا تم التصويت عليه بالقبول من قبل غالبية الشعب، وليس بمجرد الأكثرية، "خمسين زايد واحد".
وهنالك فرق في المضمون بين انتخاب رئيس للدولة وبين التصويت على دستور للدولة؛ فيكفي فوز الرئيس بالأكثرية العددية في الأصوات، ليصبح رئيسا للدولة؛ ولكن الدستور لا يقاس بمقياس الأكثرية، وإنما يؤخذ بمعيار الأغلبية التوافقية، كثلاثي أو ثلاثة أرباع الشعب، ليضمن توافق أغلبية الشعب عليه، وحتى لا يكون دستورا للأكثرية يفرض على الأقلية أو الأقليات من قبل الأكثرية، بمعيار خمسين زايد واحد. وبعد الاتفاق على الدستور؛ يصبح الدستور هو خارطة الطريق، لما سيأتي بعده، مثل انتخاب مجالس تشريعية وانتخابات رئاسية. بعد ذلك يحل المجلس أو الهيئة الانتقالية، التي مهدت لصياغة الدستور وقدمته للاستفتاء وأشرفت على انتخابات المجالس التشريعية والرئاسية؛ حينها تبدأ مؤسسات الدولة عملها الطبيعي، حسب ما يخولها بذلك الدستور.
الذي حدث في مصر بعد ثورة 25 يناير، عكس ما أوردته أعلاه، أي تم انتخاب رئيس للدولة "والذي يجب بأن يكون آخر من ينتخب". ثم قام الرئيس بتشكيل لجان لتشرف على الانتخابات النيابية، وبعد ذلك، شكل لجنة لكتابة الدستور، وإعلان التصويت عليه، وليس الاستفتاء. وفي حال "لخبطة" الأولويات في أي عمل سياسي أو غير سياسي، فحتما ستكون النتيجة كارثية، قد يتم تداركها، وقد لا يتم تداركها، وهذا بالتحديد ما يحدث في مصر.
بعد ذلك أنهيت مداخلتي، طبعا، الأخ الدكتور عوض القرني، تهكم بطريقة أو بأخرى، على ما أوردته في مداخلتي، وكان تعليقه، فيما معناه، هل أنت أعلم وأدرى من النخب السياسية والقانونية المصرية التي اتفقت جميعها وتحركت عبر هذه الخطوات؟! الجواب وللأسف الشديد، للخبطة الأولويات في خطى بناء مؤسسات الدولة في مصر ما بعد ثورة 25 يناير؛ هو اختلاط الحابل بالنابل، مما أدى إلى خروج أكبر احتجاجات شعبية في تاريخ البشرية، لتصحيح وضع سياسي مشوه، في ثورة 30 يونيو التصحيحية، والتي تدخل إثرها الجيش، لينقذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى من مؤسسات الدولة المصرية.
وفور تسليم قيادة الجيش، قيادة السلطة الموقتة للرئيس الانتقالي الموقت عدلي منصور، رئيس المحكمة الدستورية العليا، لقيادة مصر في فترتها الانتقالية، صرح الرئيس الموقت، بأنه سيقدم خارطة طريق تبدأ بوضع دستور، ثم إجراء انتخابات نيابية، ثم انتخابات رئاسية. وخارطة الطريق التي قدمها الرئيس منصور، هي فحوى مداخلتي على قناة فور شباب، قبل ستة أشهر ونيف.
وأعتقد ولست جازما، بأن ما حدث من "لخبطة" في ترتيب أولويات بناء مؤسسات الدولة في مصر، بعد ثورة 25 يناير، قد تم بتواطؤ بين قيادة المجلس العسكري، في عهد المشير طنطاوي والإخوان المسلمين، والتي بموجبها أقر فيها الإخوان المسلمون بعدم المساس بمكاسب وميزات الجيش المصري الاقتصادية والسياسية، مقابل تسهيل المجلس العسكري، الذي كان يدير المرحلة الانتقالية حينها، تسليم الإخوان المسلمين الحكم في مصر، بالطريقة التعسفية التي تمت بها، وأدت لثورة 30 يونيو التصحيحية. ولذلك فليس بالمستغرب بأن يتخلص الإخوان من القيادة العسكرية الأولى، في أول فرصة سنحت لهم، ليكونوا في حل من أي تعهدات مع الجيش أو مع غيره من قوى داخلية؛ مع تمسكهم بتعهداتهم الخارجية، والتي منها الحفاظ على معاهدة "كامب ديفيد"، وأمن إسرائيل، من أجل هيمنتهم على جميع مفاصل الدولة داخل مصر.
الإخوان المسلمون استعجلوا الانقضاض على ما تبقى من مؤسسات الدولة، لـ"أخونتها" والسيطرة عليها؛ مما أخاف بقية أطياف المجتمع المصري منهم، بمن فيهم حلفاؤهم السلفيون، الممثلون بحزب النور. فتصدت لـ"الإخوان" مؤسسات عريقة من مؤسسات الدولة المصرية، وهي مؤسسة القضاء والإعلام والنقابات المهنية الكبيرة؛ والتي تحالفت مع الأحزاب المدنية العريقة ومؤسسات المجتمع المدني الحديثة، مثل كفاية وتمرد وغيرهما من تنظيمات شبابية. إذاً فثورة 25 يناير ولدت رجلا واقفا على رأسه، لم يستطع الحركة؛ ولكن أتت ثورة 30 يونيو التصحيحية، لتصلح من وضع الرجل وتجلسه على رجليه، ليتحرك بمصر حركة سوية، وهذا ما هو مأمول من خارطة طريق الرئيس الموقت عدلي منصور.
هنالك من يعد ثورة 30 يونيو، انقلابا عسكريا؛ وفي الحقيقة أن ثورة 25 يناير، أقرب إلى أن تكون انقلابا عسكريا من ثورة 30 يونيو. إذ إن ثورة 25 يناير، بدأت بصفقة سرية بين العسكر والإخوان المسلمين، أدت للخلط والتعسف في خطوات بناء مؤسسات الدولة المصرية فيما بعد الثورة، فبني السطح، قبل أن تبنى الأعمدة، ولذلك انهار السطح بمن فوقه، عندما ضربته أول هزة ارتدادية بسيطة. وفي الحقيقة فثورة 30 يونيو، هي الثورة الحقة والتي أتت لتضع قطار ثورة 25 يناير، على سكته الحديدية الشرعية، والتي ستأخذ مصر لمحطة الأمان والاستقرار.
المصدر الشرعي لوحده، لا يكفي بأن يصدر شرعا؛ فعندما يتهم شخص ما، ثم يحكم عليه في المحكمة، ثم يحقق معه ويبحث عن أدلة ضده، ليطابق ما حكم عليه به، لا يعني بأن ما صدر ضده حكم شرعي، مع كونه صدر من مصدر شرعي، وهي المحكمة؛ وذلك لخطأ في تراتبية إجراءات الحكم عليه. وكذلك صندوق الاقتراع لا يعد شرعيا، إلا بموجب ما يضفي عليه الدستور من شرعية، أما أن يضفي الصندوق الشرعية على الدستور؛ فهذا مخالف لمبدأ الشرعية نفسها ومناقض لها.