جريدة الجرائد

«الجزيرة مباشر» من «رابعة» و «سي. إن. إن» تتنافسان على محبة «الاخوان»

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

القاهرة - أمينة خيري

لعبة الكر والفر على أشدها بين الأنظمة! ولأن موعد الحرب العالمية الثالثة لم يحدد بعد، فإن الكر والفر مكتوم ومقتصر على التلويح بالغضب والعقاب بالتشويش، والضغط بالكاميرا والترهيب بالتحيز. إنها الحرب بين النظام والشاشات.

حرب ضروس تدور على مدار الساعة! تضلع فيها قوى داخلية وأخرى إقليمية وثالثة عالمية. فبعد سنوات من التلميح بالتحيز واتخاذ خطوات رسمية لحماية الأمن القومي عبر قرارات صنفها حقوقيون بأنها مناهضة لحرية الإعلام، ورد الجهات الرسمية بأن حقها البديهي إجبار القنوات على العمل وفقاً للقوانين ووفق اللوائح، ورد القنوات بأنها تتعرض لحملات منظمة للحنق والتضييق لأسباب سياسية، أصبحت الحرب مفتوحة لا مجال للعبارات الديبلوماسية فيها، ولا وقت لمراعاة قواعد اللياقة وتزيين الكلمات.

إنها "الجزيرة" وقريناتها و"سي إن إن" وقريباتها في مواجهة أوسع شريحة من المصريين. شتان بين أمس قريب كانت جموع المصريين تتجمع فيه حول شاشة "الجزيرة" باعتبارها الناطق الوحيد باسم أرض الواقع وكلمة الحق حيث أحداث ميدان التحرير المعتم عليها المتجاهلة وقائعها الشعبية على غالبية الشاشات الأخرى، وبين اليوم الذي تتحول فيه القناة ذاتها في العرف الثوري والعقيدة الشعبية باعتبارها أداة لنشر الفتنة وقناعاً لتغييب الرأي العام وتحويره في سبيل تحقيق مصالح إقليمية وأخرى دولية على حساب رقاب المصريين.

الملصق المنتشر على السيارات والذي يحصل عليه كثر من المصريين طواعية يقول نصه الذي يعتليه شعار "الجزيرة": "ربما رصاصة تقتل إنساناً لكن كاميرا كاذبة تقتل أمة. عاجل "إحذروا الأخبار الكاذبة من قناة الفتنة التي تهدف إلى نشر العنف والقتل وتدمير مصر".

وتكمن المشكلة في أن هذه العبارات ليست مجرد كلمات على ملصق، لكنها شعور يجتاح كثراً من عموم الشعب المصري. صارت المواجهة بين الشعب والقناة، وليست حكراً على النظام الذي قد يكون متهماً بالحفاظ على مصالحه التي تتعارض وما تعرضه القناة.

اختارت ذراع "الجزيرة" الموجهة إلى مصر (وفي أقوال أخرى "على" مصر) أن تكون لسان حال "رابعة العدوية"، وذلك بعدما انصرفت كاميرات القنوات المصرية الأخرى الرسمية والخاصة (طواعية أو مطرودة) من تغطية ما يجري في ميدان "رابعة العدوية" حيث "الشرعية والشريعة". وهو ليس اختياراً ولد الأمس، بل هو توجه واضح للقناة منذ أشهر!

ويكفي أن المصريين ومعهم العرب من المحبين للجماعة والداعمين لها والمشتاقين لاستنساخ تجربة صعودها إلى الحكم في بلدانهم يقفون موقف المعجب المبهور بتغطية "الجزيرة مباشر مصر" لواقع الحياة في "رابعة العدوية". أما المصريون ومعهم العرب من الكارهين للجماعة وممارساتها والداعمين لإنهاء الحكم الملتحف بالدين، فإنهم يرون في تغطية القناة نموذجاً للانحياز وافتقاد المهنية.

من جهة أخرى، فإن شبهة العمل التلفزيوني من أجل تحقيق أهداف سياسية تبدأ بزرع بذور الفتنة الطائفية وتهييج أسباب الحرب الأهلية والمساهمة في تحقيق حلم الشرق الأوسط الكبير تتبادر إلى أذهان كثر ممن يدفعهم الـ "ريموت كونترول" إلى المرور على "الجزيرة مباشر مصر".

وتحولت منظومة المشاهدة الخبرية في ظل الأوضاع الراهنة من تصفح قنوات بعينها بغية الاطلاع على ما يجري إلى اختيار القناة التي تتواءم وتوجهات وأيديولوجيا المشاهد. وتحولت "الجزيرة" إلى لسان حال الجماعة وحلفائها في مصر والعالم العربي.

ويتعجب بعضهم من أن تقف قناة مثل "سي إن إن" وأخرى مثل "بي بي سي" مع القنوات المحسوبة على الجماعات الدينية وأبرزها في هذه المرحلة تلك المملوكة للجماعة في الخانة نفسها. اكتفت "سي إن إن" بنقل "رابعة" إلى العالم الخارجي، فأولئك بالنسبة اليها هم الثوار المعارضون للانقلاب على الشرعية التي أوصل إليها صندوق الانتخابات. ولأسباب ما، غضت "سي إن إن" و "بي بي سي" الطرف عن التظاهرات الشعبية الحاشدة التي خرجت معارضة لحكم الجماعة وذراعها الرئاسية الدكتور محمد مرسي وتأييداً للجيش المصري الذي يختلف في نسيجه وتكوينه وعقيدته عن جيوش أخرى تقف على طرف نقيض من شعوبها. ووصل الأمر إلى درجة تفكه البعض من انحياز "سي إن إن " الواضح للجماعة من خلال لوغو الإخوان ذي السيفين وعبارة "سي إن إن مع كلمة وأعدوا"!

وربما الأمر لا يخلو من أموال طائلة دفعتها الجماعة لتلميع صورتها في الخارج، وربما يكمن اللغز في أن الاعتراف بأن ما حدث في مصر يوم 30 حزيران (يونيو) لم يكن إلا انقلاباً شعبياً هادراً على حكم مرسي من شأنه أن يضر بالمصالح الأميركية، أو يعيق تحقيق خططها سواء تلك المتعلقة بالشرق الأوسط الكبير أو تأمين إسرائيل في شكل عام.

وطالما لم يرفع متظاهرو "رابعة" لافتات تندد بـ "سي إن إن" وتتهم "بي بي سي" بالعمالة والخيانة، وطالما امتنع قادتهم عن التنبيه إليهما بعدم الهتاف ضد الإعلام الكافر الصليبي، فإن ذلك يعني أن "سي إن إن" نبتة طيبة تؤتي ثماراً طيبة تناسب مصالح الإخوة وشرعية الجماعة، وأن "بي بي سي" هي صديقة مباركة تدعم الإسلام والإسلامييــن! أمــــا إذا انقـــــلبت "رابعة" وعادت أدراجها إلى سابق تكفيرها لهما، فإن هذا سيعني أن القناتين رأتا في خروج الملايين إلى الشوارع في 30 حزيران لسحب الثقة من مرسي وفي 26 تموز (يوليو) لتفويض الجيش لحماية الشعب المصري من إرهاب الجماعة وحلفائها ثورة شعبية لا ريب فيها!

سلاح التشويش

سلاح التشويش الذي تلجأ إليه الدول صار سلاحاً تهلل له جموع المصريين المتخوفين من مغبة انحياز "الجزيرة" والمتشككين في نواياها! وبعدما كان المصريون يرفعون اللافتات المطالبة بعودة إرسال قناة "الجزيرة" إبان ثورة كانون الثاني (يناير) 2011، بحكم أنها كانت تنقل وقائع الثورة لحظة بلحظة، رفع المصريون أنفسهم لافتات تطالب السلطات بحجب "الجزيرة" وقريناتها حفاظاً على "الأمن القومي المصري الذي تنتهكه هذه القنوات".

ويكفي أن تسترق السمع إلى أحاديث المصريين في الشارع التي لا تكاد تخلو من إشارة إلى "أجندة الجزيرة الخفية التي صارت ملء السمع والبصر". وانتشر "لوغو" شعبي جديد للقناة على غرار "الرأي والرأي الآخر" لكنه جاء ليكون "الفتنة والفتنة الأخرى".

سلاح التشويش المتبع أسفر عن أسلحة هجومية أخرى حتى لا يسلب الإخوة المرابطون في "رابعة" حقهم في استنشاق هواء التغطية الخبرية على مدار الساعة!

تنقطع الرسالة الإعلامية عن الإخوة المرابطين في "رابعة" الآتية من داخل "رابعة". قناة "القدس" - يملكها قيادي في منظمة "حماس" تحل محل "الجزيرة مباشر مصر" وتعضد عملها وتسير على نهجها. الصور المنقولة هي صور الجماعة باقتدار، وتعليقات المذيعين هي تلك الداعمة لأنصار الشرعية والشريعة وكأنهم يمثلون عموم المصريين، وحتى الرسائل النصية القصيرة كلها داعمة للدكتور محمد مرسي من محبيه في الأردن وغزة واليمن والجزائر وغيرها. وعلى نهج المحبة ذاتها للجماعة، تسير قناة "اليرموك" التي يقال إنها "مقربة من جماعة الإخوان المسلمين" والتي تدعم الشرعية والشريعة من قلب "رابعة" في مصر صابة غضبها على الجيش المصري ومعه الشعب المؤيد له.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف