جريدة الجرائد

«مليارية رابعة» تستدعي «عبد الله المقتول» والمصريون يمتنعون

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

القاهرة - أمينة خيري

أن تتظاهر اعتراضاً على عزل رئيسك، فهذا مقبول. وأن تحتج غضباً على شرعية ميتة، فهذا معقول. وأن تعتصم رافعاً مطالب حتى وإن كانت خيالية، فهذا وارد. وأن تقدم على خروقات أمنية وانتهاكات حقوقية في خضم حماستك "الثورية"، فهذا يحدث أحياناً. وأن تعمد إلى السيطرة على العقل الجمعي عبر أدوات أشبه بالتنويم المغناطيسي، فهذا مكتوب في الكتب. وأن تستدعي أطفالك أو تستأجر أطفال الملاجئ لتزج بهم في مسيرة للإتجار بقضيتك، فهذا ليس غريباً على من يفرطون في اتباع منهج ميكيافيللي. لكن أن تشطح بالخيال وتحلّق في الفضاء وتخلط الحقائق بالهلاوس والوقائع بالدسائس، فهذا ما يحدث الآن في "رابعة العدوية".

فعلى مقربة من مقر اعتصام أنصار الرئيس المصري المعزول محمد مرسي أمام مسجد رابعة العدوية حيث المتعة والإثارة، يوجد مقر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء حيث عدد السكان مثبت أعلاه. اقترب عدد المصريين من 85 مليوناً. ولو اعتبر مجازاً مئة مليون، فإن ذلك يعني أن "مليارية رابعة" التي دعا إليها مشايخ وخطباء المنصة أمس في حاجة إلى 900 مليون مواطن لتكتمل عدتها.

عدة المصريين وعددهم وعتادهم وقفت عاجزة عن استيعاب هذه الدعوة التي خرجت من حيز المعقول مهما بلغ من غرابة إلى مجال اللامعقول بكل ما يحمله من فجاجة. وعلى رغم الاحتباس السياسي الرهيب والشلل المروري العتيد والإحباط الثوري الشديد والقلق الشعبي المريع، إلا أن "رابعة" بمنصتها الجهورية وفعالياتها الرعديدية وبثورها الليلية وآثارها الجانبية تحولت إلى منظومة قائمة بذاتها في حياة المصريين، منهم من يحاول فك لوغاريتماتها، ومنهم من يمعن في تعقيدها بغية الخروج بتحليل شاف واف، ومنهم من يعتبرها مصدراً متجدداً للفكاهة، وإن كان يتسم بالخطورة واحتمال الانفجار بين لحظة وأخرى.

فما هي إلا لحظات بعد إعلان المنصة عن "مليارية ليلة القدر"، حتى تعامل معها بعضهم تعاملاً علمياً رياضياً بحتاً بحثاً في معنى المليار (البليون) التي قلما يسمع بها في مصر باستثناء في طفرات مفاوضات صندوق النقد الدولي وموجات الإعلان عن عجز الموازنة.

نجح أحمد، وهو طالب في المرحلة الثانوية، في النبش في أغوار الأرقام، وأعلن لأصدقائه أن "المليارية" المتوقعة ليست نهاية المطاف، فقد وجد أن هناك "كريلوينية" (24 صفراً) و "سنكليونية" (30 صفراً) و "تيفيليارية" (57 صفراً) و "ديشليارية" (63 صفراً). وخلص إلى أن اعتصام "رابعة" مازال أمامه الكثير من العمل والحشد.

صغر سن أحمد لم يمكنه من فهم النكتة التي ألقاها جده لدى سماعه بـ "مليارية" رابعة عن "أبو لمعة" (الشخصية الكوميدية التي اشتهرت في ستينات القرن الماضي بالمبالغة الشديدة) الذي ظل يحاول إقناع صديقه بأن ثعباناً طوله 700 متر دخل فمه أثناء نومه، وفشل في إخراجه حياً فشطره نصفين "بالطول".

طول فترة الاعتصام في "رابعة" والذي تكلل بـ "المليارية" بعد ما تخطى حواجز الألفية وسدود المليونية، أدى إلى خروج على المألوف في شؤون الاعتصامات. فقد أعلنت الجماعة ان وزير ثقافتها علاء عبدالعزيز افتتح "ساقية رابعة أمام طيبة مول في اعتصام الشرعية في رابعة العدوية" على غرار "ساقية الصاوي" الثقافية.

"الساقية الجديدة"، على ما أعلن وزير ثقافة "رابعة"، ستكون "ملتقى للمثقفين وأصحاب الاهتمامات الثقافية في اعتصام رابعة من رافضي الانقلاب، بغرض خدمة الحركة الثقافية والمثقفين عموماً ورابعة خصوصاً".

مثقفو "رابعة" يبهرون المصريين كل يوم بفقرات متنوعة ومشاهد مبهرة، فبين أطفال يحملون الأكفان، ونساء يحشين المحشي ويلاحقن البط، وتدريبات قتالية هزلية، استمر مسلسل الإبهار بظهور أحدهم بملابس الإحرام إذ ركزت عليه كاميرا "الجزيرة مباشر" في شكل متكرر. المشهد فجّر أمواجاً من التعليقات بين ملوح بأن "رابعة" تسعى إلى سحب البساط من مكة المكرمة، ومتسائل إن كان يود الذهاب إلى "رابعة" فهل ينزل من بيته بملابس الإحرام أم يحرم هناك، ومتشكك في أن ما يراه هو هلاوس بصرية.

علاقة المصريين بما يجري في "رابعة" لا تقف عند حدود الهلاوس البصرية، لكنها تتخذ أشكالاً عدة. فمنها ما يصلهم عبر المسيرات المتفرقة لقطع طريق هنا، أو محاصرة منشأة هناك، ومنها ما يصلهم من خلال أصدقائهم أو أقاربهم ممن يسكنون عمارات "رابعة"، ومنها ما تبثه إلى غرف جلوسهم قناة "الجزيرة" وما تيسر من قنوات محبة لـ "الشرعية والشريعة"، ومنها ما تبثه مواقع خبرية محبة للجماعة من أخبار عاجلة، ومنها هذا الخبر العاجل: "جاءت مجموعة من مدرعات الجيش والشرطة في نوع من الهجوم ولكن عندما استنفر الميدان وصاح الله أكبر هرعت إلى نادي الشرطة".

وتطورت أمس العلاقة بين المصريين و "رابعة" بعدما طرأ تغير تكتيكي في مسيراتهم الليلية التي تحولت صباحية وقطعت طرقاً حيوية في مدينة نصر ومصر الجديدة، وهو ما فجر ينابيع الغضب المكتوم بين آلاف المواطنين الذين وجدوا أنفسهم بلا حراك في داخل سياراتهم أو وسائل المواصلات على مدى ما يزيد على ثلاث ساعات، وهو ما زاد شعبية الجماعة بين الجموع المحبوسة.

ومثلما الشعبية لا تعني بالضرورة "المحبة"، فإن الأرصفة لا تعني بالضرورة أماكن مبلطة مخصصة للمارة. "رابعة" وكل ما يحيطها من شوارع أضحى بلا أرصفة، بعدما تم خلع آخر ما تبقى من بلاطات إما لاستخدامها كمتاريس أو تخزينها كأسلحة للتراشق لزوم "المليارية" وتأمين فعاليات "ليلة القدر".

وبينما دعت جموع المصريين في هذه الليلة المباركة أن يحفظ الله مصر وشعبها، ويقيها شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يبقي على رباط أهلها إلى يوم الدين، تركزت أدعية "المليارية" على الانتقام وتشتيت وحدة وبث فرقة وزرع سموم وحرق قلوب وشل عقل كل من هو ليس من أنصار "الشرعية والشريعة" المتجسدتين في مرسي.

ووفق تغريدة الناطق الرئاسي السابق ياسر علي "من قلب الاعتصام السلمي في رابعة"، فإن "الجميع على قلب رجل واحد، ولن نترك الميدان ولو قتلونا، وسنكون عبدالله المقتول". وبين من يشتاقون إلى أن يصبحوا "عبدالله المقتول" ومن يحلمون بأن يكونوا "عبدالله السعيد" أو حتى "عبدالله على قيد الحياة" هوة عميقة، هي تلك التي تفصل "مليارية رابعة" عن "ديشليارية مصر".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف